لم تعد تربية المواشي (الأغنام والأبقار) في محافظة #دير_الزور مهنة مجدية، تمكّن أصحابها من العيش الكريم، بل أصبحت تشكل معاناة كبيرة، بسبب ما يتكبدونه من تكاليف باهضه وصعوبة في تسويق منتجاتها، فضلاً عن مخاطر عميلة الرعي التي تهددها الألغام وبقايا القذائف غير المتفجرة.

كانت تربية المواشي تشكل مهنة رئيسية للكثير من سكان الأرياف بدير الزور وتدر عليهم دخلاً معقولاً قبيل سيطرة تنظيم “داعش” واندلاع الحرب، وصولاً لسيطرة العديد من الأطراف على تلك المناطق، حتى باتت مقطعة الأوصال.

السيد “صلبي الجاسر” (55 عاماً) ويعمل مربي أغنام بريف دير الزور الغربي، يقول في حديثه لموقع (الحل):”ارتفاع أسعار الأعلاف وعدم وجود منظمات أو جهات تقوم باستيرادها وبيعها بأسعار مخفضة للمربين، كما كانت تفعل وزارة الزراعة، سبّب مشكلة كبيرة، فضلاً عن صعوبة تأمين مستلزمات التربية من أدوية وعلاجات وتلقيح، فهي نادرة وأسعارها مرتفعة”.

السيد خليفة الفلاح (49 عاماً)، مربي أغنام من ريف دير الزور الشرقي وهو نازح الآن ضمن مناطق سيطرة “قسد”، كان لديه قبل العام 2011 قطيع يتألف من 600 رأس من أغنام  (العواس) وهو نوع متميز لا يوجد إلا في بادية الشامية، أما الآن فلا يتجاوز عدد قطيعه 80 رأس، يوضح أسباب هذا الانخفاض إلى سنوات الجفاف السابقة التي مرت فيها المنطقة، إلى جانب تحوّل غالبية المراعي لساحات قتال وأماكن محظورة يمنع الاقتراب والرعي فيها، يقول: “ذلك كان سبباً رئيسياً لتراجع أعداد الماشية، فقد كان الرعي في البادية مجانياً، يغني عن شراء الأعلاف الجاهزة لعدة أشهر من السنة، ما يوفر الكثير من المال على المربين، إلى أن منعت قوات النظام الرعي في أجزاء شاسعة من البادية بحجة انها مناطق عسكرية، بعدها أصدر تنظيم (داعش) قرارات مشابهة خلال فترة سيطرته على المنطقة”.

وأشار المصدر إلى أن: “تأثر الثروة النباتية آثر سلباً على تربية الماشية، فمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تركت (بور) دون زراعة لأكثر من 4 سنوات متتالية، وكان مربي الماشية يعتمد على فضلات المواسم الزراعية كمراعٍ، ما أجبره على شراء الأعلاف الغالية خلال السنوات الأخيرة وهذا كان يدفعه إلى بيع بعضٍ من الماشية”.

تنظيم “داعش” لتهريب الماشية من سوريا إلى العراق

بُعيد العام 2015 إبّان سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات واسعة في سوريا والعراق، بدأت تنشط عمليات تهريب قطيع الماشية من سوريا لتباع في العراق بأثمان عالية، ورعت جماعات من التنظيم تلك العمليات غير الشرعية التي أفقدت سوريا جزئاً كبيراً من ثروتها الحيوانية.
اضطر في ذلك الوقت العديد من مربي الماشية إلى بيعها نتيجة عدة ظروف كان منها سعيهم للخروج من تلك المناطق التي استباحها التنظيم وصعوبة إخراج ماشيتهم معهم.

مصادر إعلامية عراقية تحدثت في حينها عن ضبط الأمن العراقي لعشرات آلاف من رؤوس المواشي المهربة من شمالي العراق إلى وسطه وجنوبه، تبين أن تجار محليين اشتروها بأثمان زهيدة وحاولوا نقلها.

وعندما أعادت قوات النظام سيطرتها على مناطق في دير الزور لم تتمكن نسبة كبيرة من مربي المواشي في خط الشامية (غربي الفرات) من نقل مواشيهم إلى مناطق الجزيرة (شمال شرق النهر)، لصعوبة ذلك، فتكلفة نقل رأس الغنم الواحد بواسطة العبارة النهرية آنذاك وصلت إلى 500 ليرة سورية، حسب ما أفادت العديد من المصادر المحلية. وأمام ذلك، فضّل الكثير من المربين بيعها بأسعار زهيدة على أن يتم سرقتها من قبل عناصر ومليشيات النظام التي بدأت منذ اللحظات الأولى لسيطرتها على المنطقة بنقل ما تركه الأهالي والمربون والتجار من ماشية في كافة أنحاء المنطقة إلى داخل أحياء المدينة المأهولة، قبيل بيعها لتجار تابعين للنظام من خارج المحافظة.

يقول مصدر محلي: “عام 2012 كان نقطة فاصلة في انحسار الثروة الحيوانية في المحافظة، بسبب توقف طرق التجارة مع المحافظات الأخرى ما أدى إلى غلاء كافة مستلزمات الإنتاج التي انعكست آثارها سلباً على مربي الماشية”.

وقاية مفقودة

يقول يوسف العيسى (38 عاماً) وهو طبيب بيطري من مدينة (الميادين) ونازح في بلدة (الشحيل) شمال شرق الفرات: إن “توقف الوحدات الإرشادية التابعة للنظام عن العمل منذ أكثر من 5 سنوات، والتي كانت تقدم بعض الأدوية والخدمات البيطرية للمربين مجاناً، أدى إلى تراجع عميات مكافحة الأمراض والآفات التي تؤثر على الإنتاج وقد تفتك بالمواشي بشكل كبير”.

ويشير “العيسى” إلى أهم الأمراض المنتشرة مؤخراً في ريف دير الزور، منها الحمى القلاعية التي تعتبر من أكثر الأمراض انتشاراً بالنسبة للأغنام والسبب هو عدم مكافحتها من قبل المربين بالشكل المطلوب، إضافة للأمراض الجلدية كالقمل والجرب وكذلك الطفيليات الداخلية التي يسببها سوء التغذية، كالديدان الكبدية والدودة الشريطية. أما بالنسبة للأبقار شهد العام الماضي ارتفاع بمعدل الإصابة بمرض الصفراء وأسبابه تعود لسوء التغذية ودرجات الحرارة المرتفعة.

وخلال جولة لمراسل موقع (الحل) في قرية #محميدة شمال شرق النهر، أكد مربوا الماشية في القرية، أنه “كان يتواجد فيها نحو 5000 رأس من الماشية قبل 4 سنوات، إما حالياً يتواجد نحو 1200 رأس فقط، والسبب في ذلك ارتفاع أسعار المواد العلفية واللقاحات والأدوية البيطرية، إلى جانب الأسباب السابقة”.

السيد “مصطفى الجلود” وهو مربي أغنام من بلدة #الصبحة: قال: “ارتفاع سعر الأعلاف جعل من تربية المواشي عملاً غير مربح في الوقت الحالي”، مشيراً إلى “عدم وجود أي جهة تقوم بتوفير المستلزمات الأساسية لهم”.

وأفاد السيد أبو حنان (48 عاماً) وهو تاجر أعلاف من ريف دير الزور الغربي في حديثه لموقع (الحل)، بإن “هناك تذبذب في أسعار الأعلاف لتأثرها، بعوامل عدة، منها الأمطار التي تزداد الأسعار بتراجعها والعكس صحيح، إضافة إلى اعتماد الناس في بعض أشهر السنة على بقايا الحقول الزراعية سواء القطن أو القمح، حيث يقل الطلب على الأعلاف مما يدفع إلى تراجع أسعارها”.

سامر الشرقي (38 عاماً) مهندس زراعي يعمل في لجنة الزراعة التابعة لمجلس دير الزور المدني، أوضح لموقع (الحل) أن “تراجع الثروة الحيوانية بدير الزور إلى جانب تأثر القطاع الزراعي، تسببا بخللٍ في دورة الإنتاج بهذه المناطق، الأمر الذي حرم اقتصادها من موارد ذاتية هامة، كانت لو تحصّلت ستخرج الآلاف من دائرة العوز والحاجة، وستمتد فوائدها إلى النازحين كذلك، بتشغيلهم كعمال زراعيين وتشغيل الحرفيين وأصحاب المهن الحرة الأخرى”.

ويرى المصدر السابق أن الثروة الحيوانية في المنطقة تحتاج إلى خطوات جدية لإبعادها عن وضع الخطر، وذلك بدعم مربيها والعاملين فيها بشتى الوسائل وتوعيتهم لطرق التربية الحثيثة، لما تشكله هذه الثروة من أهمية في غذاء الشعب السوري بأكمله، لكن”للأسف كل هذا غير ممكن حالياً، في دير الزور وفي سورية عموماً”، وفق تعبيره.

ولفت “الشرقي” إلى أنهم يعملون الآن وكخطوة أولى وتجريبية على مستوى محدود، على تأمين الأعلاف للحيوانات بأسعار مقبولة. وذلك بالتنسيق مع المجالس المحلية في عموم قرى وبلدات الريف الواقعة تحت سيطرة “قسد” كما يجري العمل على إحصاء عام وشامل لجميع أنواع الحيوانات ليكون هذا الإحصاء مرجعاً للمشاريع الحالية والمستقبلية التي تهدف لخدمة ومساعدة مربي الحيوانات.

حلول لا بد منها
أمام هذا الواقع المزري في عموم قطاعات الأعمال يبدو أن الحلول الذاتية داخل المناطق ستبقى منقوصة ومحفوفة بالمخاطر ما لم تكن على المستوى الوطني الشامل. بالإضافة إلى أن أنشطة الأعمال والمهن التي تأثرت خلال سنوات الحرب تحتاج لشرط أساسي لتنتعش من جديد وهو استتباب الأمن وانتشار العدل والمساواة.

إعداد: حمزة فراتي. تحرير: سالم ناصيف
الصورة: إنترنت

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.