ريان جلنار

في السادس والعشرين أيار/ مايو الماضي، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق حول موضوع كانَ طرفاه جهة تتبع للحشد الشعبي ومؤسسة أكاديمية تتبع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، والسبب كان (سؤال امتحاني) ضمن  إحدى المواد الدراسية في امتحانات #الجامعات_العراقية النهائية للعام الدراسي المنتهي (2018/ 2019).

السؤال الذي جيء في الامتحان تناول خبراً (مُزيّفاً) لإحدى #الوكالات_الإخبارية المحلية التي تناولت قيادياً في حزب سياسي ينتمي له فصيل في #الحشد_الشعبي، قائلة إنه (أي النائب) وحزبه يستغلان اسم الفصيل في تجارة الممنوعات، يطلب ذلك السؤال من الطلبة كشف الكذب والتزييف في الخبر، وتبيان الحقيقة وفق دراستهم طوال السنة الدراسية لمادة (التربية الإعلامية والرقمية) والتي تُعنى في كشف التزييف من عدمه.

في ذات اليوم، وبعد أن سُرّبت الأسئلة الامتحانية إلى ذلك الفصيل والنائب الذي ورد اسمه في السؤال، قامت الدنُيا ولَم تقعُد، إذ أصدرت قوات (وعد الله) التابعة لهيئة الحشد الشعبي والنائب بيانَيْن طالبا فيهما بفتح تحقيق إداري ومحاسبة اللجنة الامتحانية في كلية إعلام #بغداد وإقالة معاون عميد كليتها للشؤون العلمية من المنصب، ولم يقفا عند ذلك الحد، بل قاما بحملة إلكترونية مُسيئة لسمعة أُستاذة المادة عبر (الفيس بوك)، لتبقى القضية وتداعياتها حديث مواقع التواصل لعدة أيام.

تدريسيون وفصائل:

«كانَت الساعة العاشرة والنصف صباحاً حينما سُرّبُت الأسئلة إلى النائب والفصيل المُسلّح، سُرّبَت حتى قبل انتهاء الطلبة من الإجابة على الأسئلة الامتحانية وقبل خروجهم من القاعة، ليُصار بعد ذلك ما صير، حملات تشويه وتسقيط، ومطالبات بمحاسبة ومعاقبة، ورفع دعاوى قضائية، وبيانات، وغير ذلك الكثير مما صاحبها من تبعات»، يقول أحد أساتذة الكلية.

ويُضيف، «مَنْ سرَّبَ الأسئلة هُم من داخل الكلية نفسها، أكثر من ثلاثة أشخاص، ذلك لأنهم ينتمون (فعلياً) للحشد، مَنْ سرّبها هُم (أساتذة وموظفون) يعملون في المؤسسات الإعلامية التابعة للحشد، سرّبوها وهُم لا يعلمون أن السؤال كان يصب في مصلحة النائب والفصيل لا ضدهما، لأن السؤال يكشف زيف #الأخبار_الكاذبة، لكنهم وللأسف حزبيّتهم دائماً ما تمنع عقولهم من التفكير، فلا يفرزون بين الأشياء والأمور».

الأستاذ الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه خشيةً من إلحاق الأذى به، يلفت إلى أن «تسريب الأسئلة هو عملية استباقية كان الهدف منها إبعاد الأستاذة عن منصب العمادة، وإحراق ورقة ترشيحها، لأنها كانت المرشح الأبرز للمنصب، وبما أنها #مدنيّة #مُستقلّة فذلك لا يُرضيهُم، لأنهن طامعون في المنصب ويتوقون للحصول عليه، لذلك فعلوا ما فعلوه».

«بعد البيان والمطالبة بالتحقيق جاءت في اليوم التالي لجنة وزارية منذ الصباح للتحقيق مع اللجنة الامتحانية وعميد الكلية وأستاذة المادة، ولم يقفوا عند ذلك الحد، بل تجاوزوا على حُرمة الكلّية، فَتّشوا الدفاتر الامتحانية، واطلعوا على إجابات الطلبة لمعرفة ما إذا كانت إجاباتهم فيها تجاوز بحق النائب والفصيل من عدمه، في تجاوز صريح وخرق واضح لهيبة الأستاذ الجامعي وخصوصياته»، يقول الأستاذ الجامعي لـ ”الحل العراق“.

مُبيّناً، أن «النائب وفصيله شنّوا حملة تسقيطية عبر السوشيال ميديا ونالوا من مكانة الأستاذة، وطعنوا حتى بأخلاقياتها، بل والأكثر من ذلك، قاموا بتصوير بيتها وبيت عميد الكلية في تهديد صريح لحياتهما، وإذ ما نُظِرَ في البيان الصادر، فستجد أنه يستهدف منصب المعاون والعميد ولا يستهدف السؤال الامتحاني كما زعموا، لأن البيان يطالب علانيّة بالإقالة من المنصب، لا يُطالب بمحاسبة الأستاذة عن السؤال الذي تم ذكرهما فيه مُطلقاً».

ويوضّح، أن «المادة الدراسية هي مادة حديثة لكشف #التزييف و #الأكاذيب و #الشائعات التي تحدث في وسائل الإعلام، بمعنى أنها تُرَبيهم إعلامياً ورقمياً، وذهبَ عميد الكلية برفقة أستاذة المادة وأستاذة أُخرى إلى #واشنطن لبحث إمكانية تطوير #المناهج_التقليدية في كليات الإعلام التقليدية في #العراق، سافروا ودَرسوا وأدخلوا المنهج إلى الكلية من جيبهم الخاص، وعلى نفقتهم، ليتم مجازاتهم بتلك المُجازاة، والمُؤلم في الحكاية أن السؤال كان في مصلحتهم لا ضدهم، يكشف زيف ما تم ادعاؤُه بحقهم».

مقعدان دراسيان:

يقول الأستاذ سامي حسن، وهو (اسم مستعار)، إن «اللجنة التحقيقية التي أرسلتها الوزارة للتحقيق معنا، كانَت قد وصلت وهي متّخذة قرارها مُسبقاً بإنزال أشد العقوبات بحق التدريسيين المعنيين، وذلك مؤسف جداً، مُؤسفً لأن وزارة بحجم التعليم العالي التي هي من المفترض أن تكون الحامية لنا نحن منتسبوها والخاضعون لها، تتنازل لرغبات وضغوطات جهات لا تنتمي إلى الجانب الأكاديمي والتعليمي بأية صلة».

مُضيفاً، «كنتُ أتمنى لو أن الوزارة، وباقي مفاصل الحكومة تتحرك بكل هذا النشاط وبتلك الوتيرة من السرعة في مجابهة الفساد والمؤسسات المقصّرة وغيرها من القضايا مثلما تتحرّك لتنفيذ أوامر من يملون عليها أن تنفذ من أحزاب وفصائل، مثلاً أن تُحاسب التدريسيين والموظفين الذين ينتمون لأحزاب سياسية (مُسلّحة) وتُبعدها وتصلها عن المؤسسات الأكاديمية».

«فالتعليم (مُقدّس) ولا صلة له بالسياسة، كان حرياً بها أن تُبعد اولئك الذين لوّثوا الكليات، ويالَـ كثرتهم، فهذه القضية وحدها فقط قد تورط فيها ثلاثة تدريسيين وموظفين من الكلية في إشعالها». يُكمل حسن، ويلفت في حديثه لَـ ”الحل العراق“، أن «للقصة حكاية أُخرى تعود إلى ما قبل تداعيات هذه القضية».

إذ يقول، إن «الحزب السياسي الذي ينتمي له فصيل #وعد_الله وهو (#حزب_الفضيلة) قَد جاءنا مراراً وتكراراً في بداية السنة الدراسية، طالباً منا أن نمنحهم (مقعَدَيْن) في الدراسات العُليا، وأن نُخصّصها لهم كل عام، ونحن رفضنا مطالباتهم وضغوطاتهم المستمرة، إذ من العجب أن نسم بتحويل الجامعات والكليات إلى قضايا سياسية، السياسة لها خصوصياتها، والتعليم له حرمته وقوانينه».

مُشيراً، أنه «وبعد أن رفضنا مطلبهم، وتحمّلنا ما تحمّلناه من ضغوط منهم، قد استغلّوا هذه القضية كفرصة للانتقام ولتحقيق جل أحلامهم وطموحاتهم عبر إبراز مظلوميتهم منها، فهم يعلمون جيداً أن الكلية مقبلة على تغيير في مناصبها الحساسة، ولذلك فهي أبرز فرصة لتحقيق مبتغاهم عن طريق استغلال هذه القضية أفضل استغلال يُمكن».

تدخلٌ في القرارات:

مُوظف في الكلٍية يقول لَـ ”الحل العراق“، إن «مُمارساتهم لم تتوقف عند الحد، ولم تكن قضية الأسئلة الامتحانية هي البداية، إذ قبلها بأسابيع ثلاثة، حاول فصيل آخر هو (النُجباء) التدخل في قرارات الكلّية التي تتّخذها وفق ما يشاؤون وكما يرغبون ويُحبون، وكأنّما لا يوجد لديهم سوى كليتنا، ولا نعلم ما سبب إصرارهن المُلِح على هذه الكُليّة دون سواها».

«كانَت عمادة الكلّية قد اتخذَت قراراً بفصل عدد من الطلبة لتجاوز غياباتهم الحد المسموح به بكثير، برغم تحذيراتها وتساهلاتها معهم، لكنها حينما لم تجد فائدة مرجوّة معهم، ونتيجة لاستمرارهم في الغيابات قُرِّرَ فصلهم ورسوبهم بالغياب، إحقاقاً وإنصافاً للطلبة الآخرين الذين يداومون بانتظام»، الموظف الذي فضَّل عدم الكشف عن هويته مُضيفاً.

مُبيّناً، «إحدى الطالبات المفصولات تعمل في محطة فضائية تتبع لهم، وبعد أن فقدت الأمل في إمكانية إلغاء الفصل عنها، لم تترك وساطة إلاّ وبعثتها، وكان من بين من أرسلتهم هُم، ليطلبوا وبكل (وقاحة) من الكلية بإلغاء قرارها القاضي بفصل الطلبة، ويُهدّدوا بخطوات لا تُحمد عُقباها في حال ما لم يتم إلغاء قرار الفصل، بخاصة من تلك الطالبة التي تعمل لديهم».

بعد كل الانتهاكات التي تمارسها فصائل الحشد، استناداً لتقارير ومنظمات دولية، منها ”هيومن رايتس ووتش“، و ”اللجنة الدولية للصليب الأحمر“، لا يزال وجود فصائل الحشد الشعبي في الحياة والواقع العراقي قانونياً، ولم يتم نزع صبغة القانونية عنه، وهو يمارس عمله في عراق اليوم وفقاً لقانون الحشد الشعبي رقم /40/ لسنة 2016.

————————————————————–

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.