ترجمة خاصة- الحل العراق

يجوب جنود الجيش العراقي وبدعمٍ من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، صحراء الأنبار المحرقة والعدوانية بحثاً عن ضالتهم، محمّلين بعتادهم الثقيل، يبدو الجنود الشباب العراقيين وكأنهم محطمين على التلّة الصخرية.

عند سفح التلّة، يشعر العقيد قائد المجموعة، وهو يتصبّب عرقاً تحت قبعته، بالانزعاج لرؤية منظر جنوده منهكين ضعفاء، فيصرخ فيهم: «هيا بسرعة، لن نبقى هنا إلى للأبد».

وبعد السير قليلاً على الطريق، يقول الضابط متوتراً: «بالتأكيد لا أريد أن أقتل برصاصة في الرأس»، علماً أنه لا يواجه مدفعاً ولا كلاشنكوف ولا حتى علماً أسود، فليس هناك سوى صحراء ممتدة تعتريها دوامات الغبار؛ وعلى مسافةٍ من هناك، ترتفع بعض التضاريس لتشكل هضاباً أفقية تماماً.

من هنا تماماً تبدأ #صحراء_الأنبار، أو على الأقل الجزء الشمالي منها، والتي تمتد رمالها جنوباً لتصل إلى #المملكة_العربية_السعودية وشرقاً إلى كلّ من #سوريا و #الأردن، وهذه الصحراء تشكّل بذاتها عالماً محرقاً وعدوانياً، فهي تعدّ الملجأ المثالي لمقاتلي تنظيم #داعش وعلى رأسهم زعيم التنظيم #أبو_بكر_البغدادي.

ورسمياً وبالنسبة للجيش العراقي، فإن ملاحقة الخليفة المزعوم نفسه ليست موضوع حملته، حيث ينفي اللواء “محمد خلف الفلاحي” الذي يرأس القوات المسلحة في الأنبار، قائلاً: «لا نعرف أين هو، كما أنه ليس لدينا فرق خاصة مهمتها العثور عليه».

ويتابع الفلاحي بدقّة أكثر: «جميع المقاتلين الذين قمنا باعتقالهم كانوا يريدون العودة إلى معقلهم».

ومعقل أبو بكر البغدادي هو #الأنبار، فهناك وفي تلك المنطقة غربي العراق، حيث الأغلبية السنية، ولد البغدادي، وهناك أخذ دروسه في المحيط الجهادي بداية سنوات عام 2000.

وأخيراً، فإنه وفي تلك المنطقة كذلك وضع البغدادي اللبنات الأولى لدولته الإسلامية عندما أنشأ أولى معسكراته التدريبية، وبالتالي فإن رؤيته وهو يعود إلى البلاد وإلى معقله هو أمر لا يثير الدهشة.

يؤكد الباحث “هشام الهاشمي”، المتخصص بتنظيم داعش، بهذا الخصوص «أن المخابرات العراقية قد حددت سبعة عشر مخبأ محتملاً للبغدادي، وقد تم بالفعل تفتيش ثلاثة عشر منها. وبالتالي لم يبقى سوى أربعة مخابئ، اثنان منها في سوريا واثنان في الأنبار».

وبالطبع، فإن منطقة الأنبار هي تحت أنظار بغداد وكذلك هو الحال بالنسبة للتحالف الدولي، ففي شهر نيسان الماضي، ألقت الطائرات الأمريكية في سماء الرمادي، العاصمة الإقليمية، منشورات وعدت من خلالها #الولايات_المتحدة_الأمريكية بمبلغ /25/ مليون دولار لمن يساعد بالقبض على زعيم تنظيم داعش.

كما تم إعلان صحراء الأنبار ذاتها منطقة عسكرية، والطريق الجنوبي الذي يخترق السهول القاحلة في الوسط، بات محظوراً على المدنيين بعد الساعة السابعة مساءً.

المرحلة الأخيرة قبل سوريا هي مدينة “رطبة” المزدحمة بدورها بالعسكريين العراقيين بطبيعة الحال وكذلك الأمريكيين الذين أقاموا قاعدة هناك في نهاية العام الماضي، وانطلاقاً من ماضيها كمدينة تجارية مفتوحة على كل أشكال التجارة، احتفظت الرطبة بطابعها كمدينة في الغرب الموحش.

أما بالنسبة لما تبقى، فلم يبقى شيء على حاله، حيث يشكو “هيمات قبيس”، صاحب محل اتصالات، قائلاً: «التجارة لم تعد على ما يرام، فالناس لم يعد لديها المال كما أنه لا يمكننا أن نتاجر مع الأردن أو سوريا».

أما الشاب الذي يعمل لديه، فإنه أكثر قلقاً بشأن الوضع الأمني. حيث يقول مستطرداً: «بات الخروج من المدينة أمرٌ خطير للغاية، فقبل أسبوعين كانت هناك إشاعات بأن تنظيم داعش سيهاجمنا، في حين أكد الجيش بأنه سيتصدى له».

من جهةٍ أخرى، فإن هناك غارات تشن بشكل منتظم في صحراء الأنبار بدعمٍ جوي واستخباراتي من التحالف الدولي، ففي بداية الأسبوع الماضي، شارك ما لا يقل عن ثلاثة فرق في عملية (إرادة النصر) التي شملت ثلاث مناطق من ضمنها الأنبار.

ومنذ عشرة أيام كشف مصدر أمني في بغداد، بأن البغدادي قد يكون بالفعل في المنطقة، لكن الخليفة المزعوم لم يكن من ضمن أسماء شبكة الجيش العراقي. وقد اقتصر الأمر على تصفية أربعة جهاديين.

وقد شارك العقيد “أحمد عبد الرحيم”، الذي يقود مفرزة عند مخرج الرطبة، في هكذا نوع من العمليات في سبيل رسم صورة لجهاديي تنظيم داعش الذين يختبئون في قيافي وأودية الأنبار.

حيث يقول موضحاً: «إنهم يرتدون لباس الرعاة كي لا يلفتون الأنظار ويتنقلون أحياناً بالدراجات النارية، ومعظمهم عراقيون يلجؤون إلى أنفاق محفورة في الوديان، وقد تم العثور على أسلحة هناك».

ويضيف العقيد عبد الرحيم معدداً: «لقد وجدنا في تلك الوديان بنادق كلاشنكوف وM16 وقاذفات صواريخ ومدافع هاون، وضعنا يدنا على هواتف فضائية».

وبحسب “هشام الهاشمي”، فإنه لا يتم التواصل مع البغدادي إلا شفهياً أو عن طريق رسول، ولا يحيط به سوى ثلاثة من رجاله الأوفياء: (شقيقه وصهره وسائقه العراقي).

أما فيما يخص الظروف التي يعيش فيها البغدادي، فإن “الهاشمي” يروي مقابلةً له أجراها في السجن مع أحد قادة تنظيم داعش يدعى “أبو زيد العراقي” حيث أقسم مؤلف البرامج التربوية في التنظيم أنه التقى بـ “خليفته” في نهاية عام 2017، بالقرب من #الحدود_السورية.

ويقول أبو زيد مستطرداً: «لقد دخلنا إلى أحد البيوت وفي إحدى الغرف وتحت السرير؛ كان هناك فتحة أدت إلى #سرداب عميق يصل إلى حوالي سبعة أمتار وبطول مئة متر، وفي نهاية السرداب، كان هناك مأوى مجهّز بالكامل حيث كان يوجد أبو بكر البغدادي».

ولكن كم مخبأ لتنظيم داعش في #العراق؟

الكثير على ما يبدو، حيث يشير اللواء الفلاحي إلى أنه وعندما فهم قادة التنظيم بأنهم على وشك الهزيمة، قاموا بإنشاء المخابئ لاسيما في الصحراء. وقد يكون البغدادي قد سجّل مقطع الفيديو في نيسان الماضي في أحد هذه المخابئ، فمن كنا نقول عنه أنه مريض ومصاب، ظهر بدوره كزعيم مدافع عن استمرار الجهاد.

وقبل ذلك، كانت آثاره قد ضاعت في الباغوز، آخر معاقل تنظيم داعش في سوريا والتي سقطت في يد #قوات_سوريا_الديمقراطية في شهر آذار الماضي، ويؤكد اللواء الفلاحي بأن البغدادي كان يفضّل البقاء إلى جانب رجاله.

لكن وبحسب اعترافات العديد من المعتقلين، فإن آخر ظهور له كان في شهر آب من العام الماضي، فهل اجتاز البغدادي الحدود ليعود بعد ذلك إلى العراق؟ ليعود الفلاحي ويؤكد أنه ما بين /500/ و /600/ فار حاولوا اجتياز الحدود، فإن معظمهم اعتقلوا.

ومن أجل التحقق، كان لا بد من الذهاب إلى القائم، هذه المدينة الملاصقة للحدود السورية والتي كانت آخر ما تم تحريره من قبل الجيش العراقي في شهر تشرين الثاني عام 2017. وبسقوف بيوتها المنهارة، فإن #القائم لا تزال تعرض آثار المعارك الطاحنة التي مرّت بها. وحالها حال مدينة رطبة، فإن المدينة باتت موقعاً عسكرياً. فالقوات الأميركية لا تزال موجودة في معسكرٍ هناك يضم كذلك مدافع فرنسية في انتظار الترحيل.

والشخص الذي يقود القوات العراقية في القائم هو اللواء “أحمد كاظم الشوّاري” الذي أكد أن تنظيم داعش بات ضعيفاً وغير قادر على فعل أي شيء كان وأقسم بأن اجتياز الحدود مع سوريا بات غير ممكن.

وعند المعبر الحدودي، تم بناء كتل خراسانية وأبراج مراقبة. كما أن هناك أسلاك شائكة تمتد إلى ضفاف نهر الفرات، حيث يمكن للمرء أن يرى بيوت الباغوز الأولى. إلا أنه وعلى بعد بضعة كيلو مترات جنوباً، يختفي السياج، مما يمهد الطريق لمنحدرٍ بسيط يمكن اجتيازه بسهولة. «هكذا توغل مئات المقاتلين في الأنبار قبل سقوط الباغوز» يقول رئيس بلدية المدينة.

ويضيف اللواء “الشوّاري” مطمئناً: «قبل شهرٍ من الآن، ألقينا القبض على اثنين من السكان المحليين وهم يجتازون الصحراء مع الإمدادات. هؤلاء الناس يتعاونون مع تنظيم داعش إما لأنهم جزء منه أو لأنهم مجبرون على القيام  بذلك».

ويبين الشاب “أحمد”، أحد سكان القائم، بدوره بأنهم ليسوا الوحيدين الذين يتعرضون لتهديدات داعش، فالتنظيم قد عاد إلى دعوة التجار ورجال الأعمال في المدينة إلى دفع الزكاة.

إذا كان مقاتلو تنظيم داعش العاديين بحاجة إلى هذه الأموال الجديدة، فإن الأمر قد لا يكون كذلك بالنسبة لقيادات التنظيم،

حيث يقدّر “الهاشمي” ثروة تنظيم داعش وغنائمه من الحرب بمبلغ 300 مليون دولار وطن واحد من الذهب.

ويختم الشاب أحمد قائلاً: «إن كنت تملك كل هذه الأموال هنا، فإنه قد تمر سنين طويلة قبل أن نعرف أين أنت».

 

تحرير- فريد إدوار

عن صحيفة (Le journal du dimanche) الفرنسية- ترجمة الحل العراق

————————————————————————

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.