تبرعات جمهور حزب الله هل هي مؤثرة فعلاً؟

تبرعات جمهور حزب الله هل هي مؤثرة فعلاً؟

لبنان (الحل) – بات مشهوراً تصريح الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في حزيران 2016 الذي اعترف فيه جهاراً أن تمويل الحزب وسلاحه وأكله وشربه… هو من “الجمهورية الإسلامية في إيران” فارضاً هذه الحقيقة المعروفة سلفاً على التيارت والأحزاب والقوى السياسية اللبنانية كأمرٍ واقع غير قابلٍ للنقاش.
وبعد تداول كلام كثير عن تأثر الحزب مالياً بالعقوبات على إيران قال نصرالله لجمهوره في خطاب من خطاباته في آذار الماضي “نحتاج إلى تفعيل نشاط الأخوة والأخوات في الهيئة، نحتاج إلى التعاطف من جديد. بعد عام 2006 ونتيجة الدعم الكبير خصوصاً من إيران قلت لكم قد لا نكون بحاجة إلى المال ولكن واصلوا عملكم. اليوم نحن بين بين، هيئة دعم المقاومة يجب أن توفّر فرصة الجهاد بالمال… المقاومة بحاجة إلى المساندة، وهيئة الدعم يجب أن تفعل أنشطتها بقوة لأننا في قلب المعركة”.

الذي تغير اليوم، وصار محل نقاش هو حقيقة الوضع المالي للحزب المتأثر مباشرةً وعضوياً بالوضع المالي لإيران، وبعد أن كانت إعلانات حزب الله الطرقية التي تدعو جمهوره للتبرع المالي للمشاركة في “تجهيز مجاهد” تعتبر نوعاً من المشاركة المعنوية قبل المالية في جهود حزب الله “المقاومة”، بات ينظر إليها اليوم كتعبيرٍ عن العجز المالي الواقع فيه الحزب بعد تراجع الواردات المالية من إيران، في إنعكاسٍ مباشر للعقوبات والإجراءات الأمريكية بحق هذا البلد على خلفية إلغاء الإتفاق النووي، ما أثر مباشرة على سعر صرف العملة الإيرانية التي شهدت تراجعاً حاداً، وتراجع الأحوال المعيشية للمواطنين الإيرانيين على نحو مباشر رصدته عدسات الكاميرات في فقدان مواد أساسية من الأسواق الإيرانية، ووقوف المواطنين في طوابير طويلة لساعات للحصول على بعض السلع.

حملة تجهيز مجاهد حددث مبلغ 1000 دولار أمريكي للمجاهد الواحد، مع إمكانية تجهيز أكثر من مجاهد، أو حتى تقسيط كلفة تجهيز مجاهد واحد، بالإضافة إلى مشروع “قجة المقاومة” الموجهة للمنازل، ومشروع “قجة قبة القدس” الموجهة للمؤسسات والمستشفيات والمدارس والحسينيات، بالإضافة إلى قجة على شكل رصاصة كبيرة من معدن لامع مثبتة في قاعدة رخامية وضعت في المقامات والمزارات الدينية، ولم تتوقف الحملة حتى شملت التبرعات العينية أيضاً من ملابس ومواد غذائية “تعود إلى المجاهدين”.
روج إعلام حزب الله لنجاح هذه المشاريع وجمعها ملايين الدولارات، منها ما هو مساهمة من رجال أعمال “متعاطفين مع المقاومة”، الأمر الذي يسهل التشكيك فيه مع الرقابة الأمريكية الدقيقة لحركة أموال أصحاب الثروات وعلاقتها بحزب الله وتمويله وتبييض أمواله، إذ لن يجروء أحد بسهولة على التبرع ولو النقدي لحزب الله بمبالغ كبيرة قد تعرضه -إن كشفت- لعقوبات تصيب استثماراته الشخصية في مقتل.

أما لجهة التبرعات الفردية الصغيرة والمتوسطة التي يدعي إعلام الحزب تدفقها على حصالات دعم المقاومة، فيصعب تصديق غزارة الأموال الواردة إليها مع ما يشهده لبنان من تراجع اقتصادي ونمو بلغ صفراً منذ مطلع العام الحالي بحسب أرقام مصرف لبنان. ويفسر أستاذ جامعي من بيئة الحزب أن الترويج الإعلامي لنجاح الحملة يهدف داخلياً إلى تهدئة روع بيئة الحزب المتأثرة بتراجع تقديماته، وخارجياً إلى محاولة إقناع أعداء الحزب والمتربصين به بأن جمهوره ملتف حوله على الرغم من الأزمة المالية.
في المقابل تراجعت تقديمات الحزب المالية والعينية على أرض الواقع، من رواتب وتوظيف وتقديمات ودفع إيجارات بيوت لمقاتليه ومحازبيه، فجرى سحب بعض المقاتلين المتعاقدين من سوريا، أي أولئك الذين يعملون ويتقاضون رواتبهم على أساس شهري، بينما شهدت رواتب الموظفين من مقاتلين وإعلاميين وطبيين تخفيضات كان بعضها حاداً وصل إلى تقاضي نصف راتب على مدى أشهر متوالية، وجرى تداول معلومات لم يكن من الممكن الجزم بصحتها تفيد بإخلاء حزب الله مئات الشقق في الضاحية الجنوبية لبيروت مخصصة لعوائل مقاتليه ومحازبيه المهمين والتي كانت تدفع بدلات إيجاراتها من ميزانية الحزب قبلاً.

ميدانياً انعكست هذه الأزمة المالية للحزب على مشاركته القتالية في سوريا، فجرى سحب مجموعات من مقاتلي الحزب من مناطق ريف دمشق ودرعا، منها ما نقل إلى القلمون ومنها من عاد إلى الداخل اللبناني، بالإضافة إلى انسحابات من مناطق أخرى، يمكن ربطها جميعاً كما يروج بإعادة تموضع يفرضها واقع الغارات الإسرائيلية المتكررة على القوات والمراكز الموالية لإيران، ولكن دون إهمال معطى الأزمة المالية التي تفرض إجراءات تقشفية، وقد أعلن نصرالله خلال الأسابيع الماضية أن عدد مقاتلي الحزب في سوريا قد تراجع لإنتفاء الحاجة إليهم، لكنه أصر على استمرار بقاء الحزب في مواقع تمركزه القديمة.

من جهة أخرى لا يمكن تجاهل أن العقوبات الامريكية لم تطل إيران فقط، بل طالت أيضاً شخصيات من الحزب من أمثال النائبين في مجلس النواب اللبناني محمد رعد وأمين شري، ورئيس جهاز التنسيق والإرتباط في حزب الله وفيق صفا، فهذه العقوبات التي لا يمكن توقع إحداثها أثراً مالياً سلبياً جدياُ على الحزب إلا أنها تبقى نوعية لجهة استهدافها شخصيات من الحزب تلعب دوراً سياسياً رسمياً وفاعلاً في لبنان، وإحداثها شرخاً جديداً بين اللبنانيين حول موضوع المقاومة وسيطرة الحزب على الدولة اللبنانية وإمكانية إنعكاس الإجراءات الأمريكية بحق الحزب على الدولة اللبنانية التي يعد القطاع المصرفي فيها عمود الإقتصاد الفقري.

صراع حزب الله وإسرائيل خلال السنوات السابق شهد تحييد إسرائيل ومن خلفها أمريكا للدولة اللبنانية عن التأثيرات، على اعتبار أن هذه الدولة لا حول لها ولا قوة أما قوة الحزب وسطوته، ولكن مع دخول حزب الله مجلس النواب ومشاركته الوزارية الفاعلة، ثم وصول حلفاءه الوثيقين إلى السلطة حتى بات الحاكم الفعلي للبلاد، جعل التحييد السابق أمراً من الماضي، وبات الربط بين الحزب والدولة اللبنانية بنظر إسرائيل أمراً لا بد منه وقد صرحت بذلك في أكثر من مناسبة، على ضوء هذا المعطى يمكن فهم وتفسير الفزع المصرفي اللبناني من سابقة فرض عقوبات أمريكية على شخصيات نيابية رسمية، والخشية من تطال الاقتصاد اللبناني المأزوم.

رجا أمين

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.