الجزء الأول لاستبيان رأي «العلويين»: مصالح إيران في سوريا تتعارض مع وجودنا (1-3) 

الجزء الأول لاستبيان رأي «العلويين»: مصالح إيران في سوريا تتعارض مع وجودنا (1-3) 

(الحل) – نشرت مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» الأمريكية تقريراً مطولاً للباحثة (إليزابيث تسوركوف) تناولت فيه حال “العلويين” في سوريا وموقفهم من النظام والسلطة. حيث استغرق التقرير أشهراً لإتمام اللقاءات الشخصية والمقابلات الهاتفية مع أشخاص من الطائفة “#العلوية” لم تُذكر أسمائهم الحقيقية في التقرير خوفاً على سلامتهم. 

 

أحياء المناطق «العلوية» خالية من الشباب

تكتب تسوركوف: الطائفة «العلوية» الصغيرة، والتي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد، تحتل المناصب العليا في القيادات المدنية والعسكرية في البلاد. إلا أن لـ (لبنى) التي تنتمي إلى هذه الطائفة، والتي تعيش بالقرب من مسقط رأس الرئيس السوري في #القرداحة، رأياً مغايراً، فتقول: “نسبة صغيرة فقط من العلويين قد استفادوا حقاً من الحرب، إلا أن الغالبية العظمى من الطائفة هم من الفقراء ويعانون أوضاعاً معيشية سيئة”. وتضيف لبنى ذات التسعة وخمسين عاماً: “تتحمل الطائفة العلوية ألماً وحزناً لم تشهد له مثيل من قبل. فلا يمكنك سماع ضحكة الأطفال حتى… كل الأحياء خاوية من الشباب. الجوع والألم والفقر منتشرون في كل مكان. الناس محطمون”. 

لقد كانت لبنى متلهّفة للحديث بعد زمنٍ من الإحباط الذي عاشته، إلا أنها كانت المرة الأولى التي تتحدث فيها إلى الصحافة في حياتها. وقد حرصت على خفض صوتها إلى حد الهمس أثناء مناقشة النقاط الحساسة عبر الهاتف خوفاً من أن يسمعها من في المنزل، بالرغم من أنه لم يكن في المنزل سوى أفراد عائلتها فقط. 

وتشير الباحثة في تقريرها إلى أنه من الشائع أن معظم العائلات “العلوية” تؤيد بشار #الأسد، إلا أن المقابلات التي أجرتها مع أفراد هذه الطائفة “المنغلقة”، بالإضافة إلى أشخاص من الطائفة السنية والذين يعيشون متجاورين معهم، أدت بها للوصول إلى صورة أكثر تعقيداً مما كانت تعتقد. حيث تكشف المقابلات مع “العلويين” عن شدة استيائهم من حكم نظام الأسد، إلا أن ما يخفف من حدة هذا الاستياء هو اعتقادهم السائد بأن أي تهديد يواجهه النظام وأعوانه سوف يتحول بالتأكيد إلى تهديد للطائفة نفسها. 

 

مجرمون من «العلويين» شوهوا صورة طائفة بأكملها

يشكل «العلويون» نسبة 10% من سكان سوريا ما قبل الحرب، عندما واجهوا الثورة السلمية التي سرعان ما تحولت إلى حربٍ أهلية دامية، وضعوا مخاوفهم المتعلقة بفساد النظام والقمع الديكتاتوري جانباً واحتشدوا للحفاظ على النظام في السلطة. واليوم وبينما تتجه الحرب نحو النهاية المريرة، يقيّم هؤلاء “العلويون” موقعهم من الحرب. فيجدون أنفسهم في كفّة المنتصر، اسمياً على الأقل، بينما كلفهم هذا الانتصار الكثير الكثير. 

اعتماد النظام بشكلٍ أساسي على “العلويين” في الجيش والفصائل المسلحة التي تم إرسالها إلى الخطوط الأمامية للمواجهة، إضافةً إلى نسبة الطائفة مقارنة بسكان سوريا ككل، أدى إلى خلل في ميزان شباب الطائفة. وفي ذات الوقت، فإن نسبة “العلويين” الغالبة في الجيش وإقرانها بالفظائع التي ارتكبها بعض المقاتلين في بعض الأحيان أمام الكاميرات، أدت إلى تشويه صورة الطائفة ككل أمام السوريين ومشاركتهم في تحمل ذنبٍ لم يرتكبوه. بالإضافة إلى أن الفساد المتفشي والمكاسب اللذان استفاد منهما بشكلٍ رئيسي ضباط النظام رفيعي المستوى وعملاء المخابرات، ومعظمهم من “العلويين”، عزز من تشويه صورة “العلويين” في نظر السنّة على أنهم فاسدين وأغنياء وأصحاب امتيازات. وجميع العائلات “العلوية” مدركة لهذه الصورة وترفضها بالكامل. 

 

لسنا مليونيرية ولا «شبيحة»

تقول سميرة، وهي طالبة جامعية في الخامسة والعشرين من عمرها، بمرارة: “نحن (العلويين) لسنا مليونيرية أو شبيحة”، في إشارة منها إلى مقاتلي الفصائل المسلحة الموالية للنظام والمتورطة في ارتكاب جرائم الحرب. وتضيف موضّحةً عدم التكافؤ في كيفية نظر أفراد الطائفة “العلوية” إلى أنفسهم وكيف يُنظر إليهم من خارج الطائفة، فتقول: “نحن طائفة ضحّت بالكثير من الشباب، عشنا ولا نزال نعيش في فقر مدقع… الأسلوب البربري والبشع الذي يعتمده الناس في النظر إلينا بالكاد ينطبق على 1% من أفراد الطائفة”. 

العديد من شباب الطائفة، الذين استدعوا وأجبروا بأعداد هائلة على الخدمة في الجيش، قتلوا أو أصيبوا إصابات بالغة أودت بهم إلى الإعاقة. وتعيش الغالبية الساحقة من الطائفة “العلوية” في فقرٍ أشد مما كانت عليه قبل العام 2011، بسبب الأضرار التي لحقت باقتصاد البلاد نتيجة الحرب وتفشي الفساد في الإدارات والعقوبات الأمريكية والأوربية الاقتصادية. وقد تزعزعت العلاقات بين “العلويين” والغالبية السنية من سكان البلاد بشكلٍ كبير. الأمر الذي أدى إلى زيادة الشعور بعدم الأمان بين “العلويين”. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن القوات الأجنبية التي لديها أجنداتها الخاصة ومصالحها في سوريا تتمتع اليوم بنفوذ كبير في البلاد. ويرى بعض “العلويين” أن بعضاً من تلك المصالح، خاصة المصالح الإيرانية منها، تتعارض مع الحفاظ على الطائفة على المدى الطويل. 

 

حافظ الأسد «القائد المؤسس»

وعمل حافظ الأسد، والد بشار الأسد، منذ توليه السلطة في العام 1970، بعد عقودٍ من حالة عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتكررة، على استقرار النظام وإبعاد معارضيه. فكانت إحدى الخطوات التي أقدم على تنفيذها هي تصفية أي شخص بدا أنه خائن، وخلق نواة للنظام تتكون في معظمها من الضباط “العلويين” وأقرباء الأسد. وساد هذا النظام خلال الأربعين سنة اللاحقة. وخلال العقد الذي سبق ثورة الـ 2011، كانت نسبة “العلويين” ضمن كبار ضباط الجيش السوري تشكل حوالي 87%، من ضمنهم قادة الفرق العسكرية.

ويسيطر “العلويون” على فروع المخابرات المختلفة، وكذلك على جميع الوحدات العسكرية والفصائل المسلحة بما في ذلك الفرقة الرابعة وقوات النمر والحرس الجمهوري والقوات الجوية. وبحسب الباحث الأمريكي هشام بو ناصيف، والذي أجرى العديد من المقابلات مع ضباط الجيش السوري السنّة في العام 2014، فإنه: “منذ أوائل الثمانينيات، يشكل “العلويون” ما بين 80 إلى 85% من كل دفعة جديدة تتخرج من الأكاديمية العسكرية”. 

وقد سعى نظام الأسد إلى ضمان ولاء الأقليات السورية، أو حيادها على الأقل، في مواجهته للتحدي الكبير في الحفاظ على احتكاره للسلطة منذ العام 2011. 

وكان سكان سوريا البالغ عددهم 21 مليون نسمة يتكونون من حوالي 65% من العرب السنة و10% من الأكراد السنة و10% من “العلويين” وحوالي 5% من المسيحيين، ذلك قبل التغيرات الديموغرافية التي أحدثتها سنوات الحرب الثمانية، بحسب الباحثة. 

 

سياسة نجحت… إطلاق «الجهاديين» واعتقال السلميين

وقد استخدم النظام تكتيكات عدّة لضمان ولاء الطائفة “العلوية” والتي تشكل قاعدة له. ففي الأيام الأولى للثورة عمل على تصوير المتظاهرين على أنهم “متطرفون سنّة وإرهابيون مسلحون”. ولضمان إنجاح تلك الصورة وإضعاف عناصر “الثورة”، أطلق النظام في الأشهر الأولى من الثورة سراح مئات الجهاديين من سجونه، في حين اعتقل الناشطين المسالمين. كما قام النظام بتنفيذ حركات استفزازية، مثل إرسال الرجال لإطلاق النار في الهواء أو تمزيق إطارات السيارات في الأحياء “العلوية” لغرس الخوف في نفوسهم وإشعارهم بالخطر المحدق بهم من قبل الإرهابيين. ثم عمل على توزيع السلاح وأكياس الرمل على الأهالي “العلويين” لدعم شعورهم بأنهم معرّضين للتهديد من قبل المعارضة، وذلك بالرغم من أنه في تلك المرحلة لم يكن هناك ثوار مسلحين. 

ونجحت فكرة النظام بإقناع “العلويين” بالتهديد السني المحدق بهم خاصة هؤلاء الذين نشؤوا على رواية الضحية والاضطهاد على مدار تاريخ الطائفة، بحسب الباحثة. كما أنهم لم ينسوا التمرد المسلح للإخوان المسلمين في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، والذي كلّف “العلويين” المئات من الأرواح. حيث تم استهدافهم لأسباب طائفية على وجه الخصوص، إلى أن قمعت قوات حافظ الأسد ذلك التمرد في مذبحة حماه في العام 1982.

 

تحرير: سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.