الجزء الثاني لاستبيان رأي «العلويين»: استخدمونا «خراف أضحية» للبقاء في السلطة (2-3)

الجزء الثاني لاستبيان رأي «العلويين»: استخدمونا «خراف أضحية» للبقاء في السلطة (2-3)

نشرت مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» الأمريكية تقريراً مطولاً للباحثة (إليزابيث تسوركوف) تناولت فيه حال «العلويين» في سوريا وموقفهم من النظام والسلطة. إذ استغرق التقرير أشهراً لإتمام اللقاءات الشخصية والمقابلات الهاتفية مع أشخاص من الطائفة #العلوية لم تُذكر أسمائهم الحقيقية في التقرير خوفاً على سلامتهم.

نشرنا الجزء الأول منذ أيام وهنا نسرد الجزء الثاني، من سلسلة تضم ثلاثة أجزاء:

 

تطريف الثورة أكد مخاوف العلويين

كانت المعارضة السورية، خلال الأشهر الأولى من الثورة في العام 2011، غير مسلّحة، وعملت على بذل الكثير من الجهود للتواصل مع الأقليات في سوريا بما فيها العلويين. وقد شارك بالفعل بعض العلويين في الاحتجاجات. إلا أنه ومع مرور الوقت بقي الكثير من أفراد الطائفة صامتين بينما كانت مجموعة من الجنود والميليشيات تقوم بدورٍ فعال في سحق الاحتجاجات بعنفٍ وسجن وتعذيب وقتل الآلاف من الناشطين والمحتجين. 

وعمل النظام على توريط الطائفة «العلوية» بجرائمه من خلال استخدام الشباب العلويين لقمع الاحتجاجات. كما قامت المعارضة من جهتها بعسكرة الثورة تدريجياً وتطريفها، الأمر الذي ساهم في تأكيد مخاوف «العلويين» وحوّل الرواية الكاذبة التي أطلقتها السلطات في بداية الثورة إلى حقيقة واقعية. وفي النهاية، فقد ساهم ولاء الطائفة العلوية التي تحملت العبء الأكبر من الأعمال القتالية عن بشار الأسد، إلى جانب الدعم الروسي والإيراني، في إنقاذه من السقوط. 

 

خراف الأضحية

ويشير نزار محمد، باحث «علوي» من مدينة جبلة الساحلية السورية، إلى الخسائر الفادحة التي حلّت بالعلويين بسبب تردد السلطات في الاعتماد على الجنود والضباط السنة والذين أصبح ولاؤهم موضع شكٍ بالنسبة له. ويضيف موضحاً: «ينظر النظام إلى الطائفة العلوية على أنها خراف الأضحية الذين ليس لديهم خيار سوى القتال إذا ما أرادوا النجاة بأنفسهم من الهاوية التي تم دفعهم إليها». 

«إنه أمرٌ يفطر القلب. كان يمكن للأمور أن تكون مختلفة عما هي عليه. حقاً كان بالإمكان ذلك. أتمنى أن تكون هناك طريقة تصل بنا إلى الديمقراطية ونظام حكمٍ معتدل وعلماني ومسؤول وأن يعيش الجميع في سلام ووئام»، يقول خضر، وهو طالبٌ جامعي من ريف مدينة اللاذقية الساحلية الشمالية. ويضيف قائلاً: «إذا ما أصبح هناك نظام ديني سني، فإن العلويين الذين لا علاقة لهم بجرائم المخابرات سوف يتم دهسهم بالأقدام (إلى جانب مجرمي الحرب الفعليين). لأنهم يعتبرون أن جميع العلويين متآمرين مع النظام». 

 

قبور وسواد وحداد وأرامل

وقد تسببت الحرب في تغيرات عدّة في الطائفة العلوية. فبحسب أحد الشخصيات المعمّرة والمطلعة على المجتمع العلوي، فإن مليوني شخص هم حجم الرجال المفقودين في سن الخدمة العسكرية. وبالرغم من أن النظام توقف في وقتٍ مبكر من الحرب عن نشر إحصائياته بشأن الإصابات في صفوف الجيش، إلا أن غريغوري بي ووترز، الباحث في مركز حقوق الإنسان في كلية بيركلي للقانون، يقدّر بأن عشرات الآلاف من الرجال العلويين قد قتلوا في الحرب من أجل “إبقاء النظام في السلطة”. وأن عشرات الآلاف قد أصيبوا إصابات حرجة، الأمر الذي أدى إلى إعاقات تحول دون مشاركة أصحابها في صفوف القوى العاملة. 

أما لبنى، المعلّمة، فقد أعطت صورة قاتمة عن المجتمع «العلوي» بقولها: «المجتمع العلوي كلّه أرامل وعوانس. لم يعد هناك رجال، وإذا ما تواجدوا فهم جميعهم معوّقين ومشوّهين. أينما وليت وجهك ترى القبور وصور الشهداء وأناس يرتدون السواد حداداً على أرواح شهدائهم». 

ويقول «عبود دندشي»، في الثلاثينيات من عمره، والذي فرّ من مدينته حمص مع تصاعد العنف فيها إلى مدينة طرطوس الساحلية والواقعة تحت سيطرة الحكومة، موضحاً: «الخادمة التي تعمل لدي كانت علوية، وجميع أقاربها من الذكور كانوا يخدمون في  صفوف الجيش. وفي أغلب الأحيان كانت تشير إلى الكم القليل جداً من الذكور الذين بقوا في قريتها وفي المناطق المحيطة بقولها: (هاجر الآلاف من الرجال العلويين متجهين إلى لبنان وأوروبا تجنّباً للخدمة في الجيش)». 

 

فقر، فقر، فقر

ويعيش معظم «العلويين»، باستثناء هؤلاء الذين يمثلون النخبة الحاكمة، في قرى فقيرة. فالمقربون من السلطات أغنياء أما البقية فلا، على عكس الطبقة «السنية» التي تقطن في المناطق التي يسيطر عليها الثوار. فالعلويون لا يستطيعون تحمل تكاليف الهجرة أو الالتحاق بالجامعة للحصول على تأجيل من الخدمة في الجيش أو حتى تقديم الرشوة ليتم تسريحهم من الجيش أو تحويلهم إلى وظائف غير قتالية. كما يعيش شباب الطائفة بأكملها في مناطق سيطرة الحكومة المحاطة بنقاط التفتيش. حيث يتم التقاط الشباب من خلالها أو من خلال دوريات روتينية. ويؤكد ذلك «خضر» بقوله: «الكثير من (العلويين) يرغبون في أن يحصلوا على إعفاء من الخدمة في الجيش، لكن إمكانياتهم المادية لا تخوّلهم لتحمل تكلفتها، لذلك تراهم مجبرين على الذهاب والخدمة”. ويضيف قائلاً: «المناطق الريفية فقدت الكثير من شبابها. فكل عائلة تعلّق صورة شهيد محاطة بأضواء النيون حولها. حيث تستطيع أن تحصي ما لا يقل عن خمسة عشر شهيداً في كل حي من كل قرية»، بحسب وصفه. 

وكان للحرب كذلك دور في التأثير على الصحة العقلية للمجتمع. فبحسب طارق، «سنّي»، وأحد الجنود السابقين في الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني، فإن تعاطي الكحول والحبوب المخدرة منتشر بشكل خاص بين هؤلاء الذين يعانون من إعاقات عقلية وجسدية نتيجةً للحرب. فقد أصبح استخدام الحشيش والكبتاغون منتشراً في جميع أنحاء سوريا خلال الصراع، إلا أن تداول الكحول في المنطقة الساحلية التي يسيطر عليها الجيش أصبح أكثر سهولة. وتوضح لبنى بقولها إن الإدمان والانتحار أصبحا مرضين يعاني منهما المجتمع. 

 

واحد بالمئة يستفيدون من الحرب والباقي يعانون

وبحسب «سهى»، سيدة «علوية» من منطقة بانياس، فإن النقص في صفوف الرجال أثّر على «سوق الزواج» وفق تعبيرها. فتقول: «إذا كانت الفتاة من عائلة فقيرة، فإنها سوف تواجه بعض الصعوبات في العثور على رجل يتمتع بإمكانيات جيدة». وأكدت كذلك أنها لاحظت تمكن بعض النساء من الاستفادة من فرص عمل جديدة في ظل هذه الظروف. كما يبين التقرير أن المجتمع «العلوي» أصيب بحالة من التفاوت في الطبقات، حيث أصبح الفقير أشد فقراً في حين عمل المقربين من النظام، مثل الضباط وأفراد قوى الأمن والمخابرات بتجميع ثروات هائلة. ويؤكد ليث، ضابط في إدارة الاستخبارات العسكرية، ذلك بقوله: «الفوائد التي تُجنى من هذه الحرب تذهب فقط إلى 1% من المستفيدين. فالغالبية العظمى من العلويين مثلهم مثل جميع السوريين الآخرين لم يحصلوا على أي شيء من النظام». 

ويقول خضر: «لقد أصبح ابن عمي، وهو ضابط برتبة متوسطة، ثرياً بسبب هذه الحرب. كانوا ينهبون المنازل والممتلكات. لا تستطيع تصور الكم الهائل من الأموال التي جمعها الناس، خاصة الضباط (العلويين)، من خلال بيع الأثاث». وقد أدى انتشار مثل هذا النوع من الفساد والوحشية إلى فهم خاطئ لدى المجتمع السوري، خاصة بين المعارضين، على أن «العلويين» يستغلون الحرب ويستفيدون منها. لكن في الواقع، فإن معظم أفراد الطائفة أصبحوا أكثر فقراً بسبب الحرب. فغلاء الأسعار وانخفاض قيمة العملة أثرت حتى على هؤلاء الذين يحصلون على رواتب من الحكومة، والذين كانوا يعتبرون من ذوي الدخل المتوسط. «لا يستطيع الكثير من الناس شراء الأحذية»، تقول لبنى. وتضيف: «شراء أي قطعة ملابس جديدة يعتبر شيئاً كبيراً أو حتى انجاز». 

 

امتيازات…

وجزء من الامتيازات التي حصل عليها العلويون هو نص في القانون يضمن وظيفة حكومية واحدة لفرد من كل عائلة فقدت رجلاً في الحرب. وعلى هذه النقطة يعلّق سهيل، وهو مهندس علوي في الثلاثين من عمره ويعيش في مدينة اللاذقية، قائلاً: «كل الجنود الذين ساهموا في هذه الحرب بشكلٍ مشرّف وضحّوا بأنفسهم من أجلها يستحقون هذه المنفعة، سواء كانوا (علويين) أو غير علويين، لكن الأغلبية الساحقة في الجيش هم من العلويين». إلا أن الطلب المتزايد على هذه الوظائف جعل من الصعب الحصول عليها. فيصف خضر كيف أن عائلة زوجة أخيه كان يحق لها الحصول على وظيفة من هذا القبيل،  لكن ومع ذلك فقد كان على العائلة اللجوء إلى العلاقات «الواسطة» للحصول على وظيفةً للوالدة لأن شقيقها قتل دفاعاً عن النظام. وقد استغرقت العملية سنة بأكملها حتى حصلت على الوظيفة لقاء راتب يعادل حوالي 40 دولاراً شهرياً في حين أن استئجار شقة صغيرة في ضواحي طرطوس، على سبيل المثال، سوف يكلف ضعف هذا المبلغ. 

فبالرغم من أن بعض العلويين يستفيدون من الفساد، إلا أن جميعهم، باستثناء ذوي النفوذ، يضطرون لدفع الرشاوى بشكلٍ روتيني بمجرد تعاملهم مع مؤسسات الدولة. فكل المؤسسات مليئة بهؤلاء الذين يعتمدون على الكسب غير المشروع. حتى أن البعض منهم تجرأ على التعبير عن غضبه من هؤلاء الذين استطاعوا أن يثروا أنفسهم خلال الحرب من خلال الرشاوى في حين يعاني بقية أفراد الطائفة من الفقر. حيث يقول خضر: «لقد سئم الناس من عدم إيجادهم نتائج لتضحياتهم. فالفقراء الذين قدموا الكثير من التضحيات لا يزالون فقراء. أما المقربين من النظام فما يزالون في القمة». كما وصف حالة الإحباط المنتشرة والتي يتردد صداها بين من خدموا النظام ويعيشون اليوم في فقر، بقوله: «لقد ضحّوا وبذلوا قصار جهدهم للحفاظ على بقاء النظام، ليصبح الأثرياء أشد ثراءً نتيجة للحرب، بينما يعيش الآخرون تحت خط الفقر». 

 

تحرير: سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.