المدرّسون السوريون في تركيا: أجور زهيدة وقلق من إجراءات مفاجئة

المدرّسون السوريون في تركيا: أجور زهيدة وقلق من إجراءات مفاجئة

تركيا (الحل) – زاول المدرسون السوريون في #تركيا، ممن أتيحت لهم الفرصة، مهنتهم في تعليم الطلاب السوريين ضمن المدراس المؤقتة التي انشأت بالتعاون مع منظمة «اليونسيف» وبالتعاون مع مديريات الأوقاف التركية، وذلك من خلال الدوام المسائي في المدارس التركية، إلا أن حصولهم على فرصة التدريس لم يكن حلا كافياً لصعوبات العيش التي تواجههم، بالتوازي مع ضعف الرواتب التي تقدم لهم والتي لا تتناسب مع مستوى المعيشة في تركيا.

ساعات مأجورة
يقول أحمد.ث (مدرس لمادة الرياضيات في ولاية #غازي_عينتاب) لموقع «الحل»، كان المدرس في بداية الأمر، يعمل بنظام الساعات، إذ كان يحصل تنافس كبير بين المدرسين على عدد الساعات لقلة الآجر الذي يتقاضوه مقابل كل ساعة، حيث لا يتجاوز راتبه لـ (500) ليرة مقابل تدريس 30 حصة.
واشار المصدر إلى أن بعض المنظمات قدمت دعما ماديا للمدرسين في بعض المدارس، حيث قامت منظمة “زكاة” الأمريكية بدعم مدرستين في الولاية، بتقديم راتب شهري لمعلميها بما يعادل (1000) ليرة تركية، ما أثار استياء في أوساط المعلمين في بقية المدارس الأخرى، وفق تعبيره.
وعند السؤال عن أسباب دعم هاتين المدرستين فقط، أجاب، بأنه لا يملك جواباً دقيقاً على السؤال، فمن وجهة نظره ربما كان سبب الدعم هو “الأعداد الكبيرة من الطلاب التي تضمها هاتين المدرستين، علماً أنه يوجد مدارس سورية أخرى تضم أعداداً أكبر”، على حد قوله.

رواتب قليلة وحلول إسعافية
هل كان ما يتقاضاه المعلم كافياً للعيش؟ أجاب الأستاذ أحمد كانت كافية لمن يتلقى دعم (1000) ليرة تركية فقط، إذ كانت تعادل ما يقارب (400) دولار أميركي، أما بالنسبة لبقية المعلمين فلم تكن كافية، وتدبر المعلمون أمرهم بالصبر في بداية قدومهم لتركيا كحال جميع السوريين بأن الحرب ستنتهي قريباً وكان لدى بعضهم قليلاً من المدخرات جلبوها معهم من سوريا، والبعض الآخر تشارك العيش مع أكثر من عائلة في بيت واحد لتقاسم أعباء المعيشة، بينما اعتمد كثيرون منهم على الحوالات المادية من دول الخليج وأوربا من قبل أقاربهم أو ذويهم، وفقاً للمصدر ذاته.

“فساد ومحسوبيات”
قامت التربية التركية في عام 2016 بالإشراف المباشر على المدارس السورية، واعتمادها كمدارس مؤقتة، بعد اتفاق التعاون بين الحكومة التركية ومنظمة اليونيسيف وعن تلك المرحلة تحدث الأستاذ عبدالرحمن.ع ( مدرس لمادة الرسم ورب لعائلة مؤلفة من 5 أشخاص) ، لموقع «الحل»، قائلاً : استبشر المدرسون خيرا في بداية هذه المرحلة بسبب تخصيص راتب مقطوع لكل منهم، تدرج من 900 ليرة تركية إلى 1300 ليرة تركية، لكن ترافق ذلك مع ارتفاع كبير بآجارات المنازل وارتفاع في مستوى المعيشة، حيث “شهدت تلك الفترة فساداً كبيراً في عملية تعيين المدرسين، كان يمارسه بعض المتنفذين في التربية التركية، بسبب صلات القرابة التي تمّ إحياؤها بين بعض السوريين والأتراك”، وفق تعبيره.
وأشار إلى أنه “تمّ تعيين بعض الأشخاص كمعلمين للغة التركية وقد كانوا قبل عام واحد طلاباً في الصف الثالث الثانوي، وآخرين كانوا يتكلمون اللغة بدون إتقان الكتابة، إلى جانب توظيف عدد كبير من المعملين في المدارس عن طريق الوساطة أيضاً بحجة منصب موجه إداري أو أمين مخبر أو مكتبة، وكل ذلك يتم بعلم مديرية التربية التركية”، وفق قوله.

عمل إضافي شاق
نوه الأستاذ عبد الرحمن إلى معاناته في تأمين عمل إضافي يواكب به متطلبات عائلته في ظل الراتب القليل الذي يتقاضاه، وخاصة أن المادة التي يدرسها لا يحتاج فيها الطلاب إلى دروس خصوصية، إذ حصل بعد بحث طويل على عمل في مخبز، بدوام يبدأ من الساعة السابعة مساء وحتى السابعة صباحاً.
يتابع، “بعد الانتهاء من دوام المخبز أصل إلى البيت في تمام الساعة 8 صباحاً، أنام حتى الساعة 1 ظهراً، فدوام المدرسة يبدأ في الساعة 2 وينتهي في الساعة 7 مساءاً”، لافتاً إلى أنه “قام بتعويض آخر حصة له، ليصل إلى عمله الإضافي في الوقت المناسب”.
ينوه الأستاذ عبدالرحمن إلى أن الأعباء الحياتية لا تتوقف على الظروف المادية بل تتجاوزها لما هو أهم، حيث في تلك الفترة من عمله لم يكن يرى ابنته الصغيرة (11 عام) إلا كل يوم أحد بسبب اختلاف توقيت دوامه عن توقيت دوامها، وواجه صعوبات مع ابنه البالغ من العمر 17 عام لرغبة الأخير بمساعدة أبيه بالعمل بترك الدراسة والعمل بدلاً منه في الفرن.
ما يخفف ألم تلك الأيام في ذاكرة المدرس أن ابنه الآن في السنة الثانية في كلية إدارة الأعمال، يقول.

نداءات لتحسين الأجور
بعد انخفاض سعر صرف الليرة التركية زاد وضع المدرسين سوءا، مما دفع بعضهم لنشر رابط على موقع فيسبوك، من أجل التوقيع على عريضة موجهة للرئيس التركي يشرح فيها المعلمون وضعهم ويطالبون من خلالها، بالنظر في أحوالهم والتوجيه بزيادة الرواتب، إلا أنها لم تلق تفاعلاً كبيراً فلم يتجاوز عدد الموقعين عليها الـ 1000 معلم.
وعن قلة تفاعل المدرسين مع العريضة، تحدث أبو معتز (أستاذ لمادة الجغرافيا) لموقع «الحل» قائلاً، بأن “العريضة كانت عبارة عن استجداء وطلب رحمة وليس طلب حق، مما رآه البعض إهانة كبيرة للتعليم والمعلم السوري، بينما رأى البعض الآخر بأنه لا فائدة منها، فالحكومة التركية لديها العلم والمعرفة بذلك”.

تميز في المعاملة
وتحدث المدرس، بانزعاج عما دار من حديث في اجتماع وفد من اليونيسيف مع معلمي مدرسة بعنتاب قائلاً: إن الوفد يضم أتراكاً فقط، أحدهم موظفا بمديرية التربية التركية، سأل المعلمون عن الرواتب وهل هناك احتمال بزيادتها، أجاب أحد أعضاء الوفد بأنه لا يوجد زيادة قريبة ومن غير الممكن تقديم وعود بذلك، تدخل أحد المعلمين قائلاً، لماذا لا تكون رواتبنا مماثلة للمدرسين الأتراك الذين يعملون معنا في تعليم اللغة التركية ، أجابه موظف التربية التركية الآخر، بأنهم أتراك.
يقول الأستاذ أبو معتز لم أفهم ما المقصود بهذه الإجابة ويتابع، عندما ارتفعت وتيرة النقاش قال الأستاذ عضو الوفد وموظف الحكومة التركية بأنه إن “لم يكن الوضع مناسب لكم فابحثوا عن أعمال تناسبكم وأنا أشجعكم على البحث عن عمل جديد فقد أصبح هناك فائض كبير من المعلمين”.

يتابع المصدر، أصبح هناك فائض وزيادة في المعلمين، وذلك بعد عمليات دمج الطلاب السوريين في المدارس التركية، ما أثار قلق المدرسين من إحتمال التخلي عنهم إلا أن رسائل التربية التركية، جاءت بالطمأنة، وأنه لن يتم التخلي عن أحد حتى نهاية عقد اليونيسف في يونيو/حزيران عام 2022.
وبالرغم من الزيادة الأخيرة على رواتب المعلمين والتي بلغت الحد الأدنى للأجور( 2020 ليرة تركية)، مازالت مهنة التدريس غير قادرة على تأمين حياة كريمة للمعلم السوري الذي يعيش حالة قلق وعدم استقرار وتخوف من التخلي عنه.
واختتم المدرس حديثه قائلاً: أنا حاصل على ماجستير في مادة الجغرافيا وأب لطفلين وأعيش مع ابي وأمي المسنين بالإضافة إلى أختي زوجة معتقل مع ابنها، كافحت وصبرت في مجال التعليم على الرغم من قلة الراتب وبعد خدمة خمس سنوات، إن تم التخلي عنى سيكون ذلك الأمر كارثياً على جميع أفراد العائلة.

حمزة فراتي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة