لبنان (الحل) – “وصلت الى لبنان منذ أحد عشر شهر، ظننت أني سأعيش ببلد آمن بعد السنوات الست التي عشتها تحت القصف والحصار في منطقة الغوطة بريف دمشق”، تقول “أم جمال”، قبل أن تبدأ بسرد قصتها مع التحرش الجنسي الذي تعرضت له في لبنان.
لـ “أم جمال” ستة أولاد، أصغرهم طفلة عمرها عامان، وأكبرهم 14 عاماً. يوم خرجوا من الغوطة، لم يستطيعوا أخذ أي شيء من ممتلكاتهم حتى أوراقهم الثبوتية “خرجنا فقط بالثياب التي كنا نرتديها”، تقول ام جمال، ثم تكمل “كان علينا أن نبدأ حياتنا من تحت الصفر”.

فور وصولها، بدأت البحث عن عمل لتتمكن من تسجيل أولادها في المدرسة، وعلى الرغم من أن لديها شهادة في المحاسبة وقد عملت سابقا في التدريس إلا أن إمكانية إيجاد عمل في لبنان شبه مستحيلة. شهور من البحث عن عمل دون جدوى. كان موعد المدرسة يقترب من دون أن يكون لديها أي مال يمكنها من تسجيل أولادها في المدارس. وعلى الرغم من أنها مسجلة كلاجئة في مفوضية الامم المتحدة الا انها لم تتلق أي نوع من المساعدات لا هي ولا أولادها حتى هذه الساعة.
ولان “أم جمال” كانت مستعدة للعمل في أي وظيفة، وجدت عملاً كمدبرة منزل لأسرة مكونة من ثلاثة أشخاص الأب الذي يبلغ الخامسة والثمانين من العمر، وزوجته العاجزة، والابن الشاب. كان يتوجب عليها العمل في منزل الأسرة يومين في الأسبوع من الثامنة صباحاً حتى الثانية ظهراً.الاتفاق كان يقضي أنه وحين وصولها، يجب على الرجلين مغادرة المنزل حتى الانتهاء من عملها.

في يومها الأول اصطحبت معها ابنتها التي تبلغ من العمر 12 عاماً،. الأمر الذي أغضب رب الأسرة. “ابنتي كانت تساعدني ولم تكسرأي شيء” تقول أم جمال مستنكرة غضب الرجل الثمانيني. المرة الثانية ذهبت بمفردها لتفاجئ بصاحب المنزل في انتظارها ليشرب معها قهوة. أخبرته أنها لا تشرب القهوة وذكرته باتفاقهم الذي يقضي بخروجه من المنزل لدى وصولها.
وجود الرجل بانتظارها لم يشعرها بالراحة، إلا أنها وفي الوقت عينه لم تعتقد أن الموضوع سيتعدى فنجان قهوة وأن الرجل سيتمادى أكثر.
لاحقا بدأ الرجل يتصل بها خلال وجودها في المنزل ليسألها إن كانت بحاجة لأي شيء، ولا يلبث أن يضيف ” شو لابسة، لابسة شورت؟ لاتترددي استحمي ودللي نفسك”. رغم حاجتها الماسة للعمل إلا أنها لم تستطع أن تتغاضى وتسكت عن تصرفاته، “إذا أردت مني فعلاً أن أستمر بالعمل، يجب عليك أن تتوقف عن هذه التصرفات” قالت له ذلك مراراً، دون جدوى.

عرض عليها الرجل أن يقدم لها كل ما تريد من أثاث لمنزلها الذي تعيش به، كما عرض أيضا بأن يتكفل بمصاريف المدرسة لأولادها، المطلوب منها كان فقط مجاراته، “لا أريد أن أمارس الجنس معك، أريد فقط أن ألمسك وأن تنامي بحضني، وأن تقولي لي كلاماً جميلاً. كل ما أريده هو بعض الحنان”، هذا ما كان يردده الرجل.
تقول “أم جمال” إن وضع أولادها، جعل الأفكار تتضارب في رأسها، هي في حاجة وهناك من يعرض عليها مقابل بعض التنازلات، ثم لا تلبث أن تطرد الفكرة من رأسها، فإن قامت بتنازلات صغيرة الآن ستطالب بأكثر لاحقاً. في الأسبوع الثاني قررت “أم جمال” التوقف عن العمل “الآخرة ولا الدنيا، والرزقة على الله”، هذا ما قالته السيدة لصاحب المنزل حين أبلغته بقرارها.

لـ “آية“، أربع وعشرون عاماً، قصة مختلفة تماماً، إلا أنها وهي تسرد قصتها تبدأ بالجملة نفسها التي بدأت بها “أم جمال”، تقول: “وصلت إلى لبنان مع أخوتي وأمي، أبي وأخي الأكبر استشهدا في سوريا، هربنا من القصير (حمص) إلى لبنان سيراً على الأقدام، لدى وصولي الى لبنان ظننت أن الكوابيس انتهت، الا أنني سرعان ما اكتشفت أنها لم تكن إلا البداية فقط، لكوننا سوريون، نحن الحلقة الأضعف، الأكثرية تنظر إلينا بدونية، كأننا لسنا بشرا، خلال سنوات عيشنا في لبنان تعرضنا لكل أنواع العنصرية” تقول آية.
لم يكن مضى على وصولهم أشهر، حتى اعتقل أخاها، لفقت له تهمة من قبل شخص يعمل معه، بعد أن وقع بينهما شجار، التهمة كانت أن الأخ ينتمي لتنظيم إرهابي. “أخي المسالم، الذي لم يحمل السلاح في حياته”.

بعد اعتقاله، لم تتمكن عائلته من معرفة مكانه، كانت آية تحاول طوال الوقت إيجاد حل للوصول إلى أي معلومات عن أخيها، إلى أن صادف في إحدى المرات أنها كانت تتكلم على الهاتف، أثناء وجودها في سيارة أجرة، سمع السائق مشكلتها، وأخبرها أنه عسكري متقاعد وأن له معارف ويمكنه مساعدتها. فرحت آية، ظنا منها أن الدنيا لا تخلوا من “ولاد الحلال” بحسب تعبيرها. أخذ رقم هاتفها ليتواصل معها لاحقا، حين يحصل على تفاصيل أكثر. وبالفعل لم تمض إلا أيام حتى هاتفها طالبا رؤيتها لأخذها لزيارة شقيقها، لم تتوجس آية شراً، فالرجل يبدو لطيفاً، كما انها لم تتوقع أن يستغل مصابها لغايات أخرى، إلا أن ما حصل كان العكس تماماً، بدلا من أخذها لرؤية شقيقها، انعطف إلى مكان مهجور وأجبرها على الترجل من السيارة.

“نزع عني حجابي، بدأت بالبكاء والتوسل بأن يدعني وشأني” تتوقف عن الكلام، ثم تضيف “لم يغتصبني، إلا أنه أخذ لي صوراً، ليبتزني بها لاحقا” وغضب كثيرا من رفضي وقال لي أن الكثير من السوريات يمارسن الجنس معه مقابل وجبة طعام”. تلعن “آية” الزمن والسبب الذي أوصلهم إلا هذه الحالة، وتقول “نحنا مو هيك”.
عاشت “آية” أياماً وليال من الرعب بعد الحادثة، لا سيما أن السائق لم يتوقف عن ابتزازها بالصور. كان يريد رؤيتها، وهي كانت تعرف مراده، وإن استجابت له، فهذا يعني أن الاغتصاب الذي نجت منه في المرة الأولى، لن تنجو منه في المرة الثانية. وعلى الرغم من خوفها الشديد من أن يقوم بنشر الصور، الا أنها قررت أن لا تقع أسيرة الخوف. “وهكذا نجوت، حين قررت أن لا أقع فريسة للخوف والابتزاز” تقول آية.

أما “رنا“، في الثلاثين من عمرها، تقول “هناك صورة نمطية عن السوريات، أن تكوني سورية يعني أنك بحاجة لمن يستر عليكي، أو أنك سهلة المنال”، تقص “رنا” ما حدث معها مع الوكيل لصاحب المنزل الذي استأجرته. “كنت أبحث عن منزل مع عقد إيجار لأتمكن من تسوية إقامتي، وأخيرا وجدت منزلاً مناسباً، التواصل لم يكن مع صاحب المنزل، بل مع المحامي الذي يبلغ حوالي الثمانين من العمر”.
كان المطلوب من “رنا” أن تدفع مسبقا إيجار ثلاثة أشهر، أثناء توقيع العقد، طلب منها الوكيل أن تجلس بقربه للتوقيع، شعرت برجله تلامس رجلها، أبعدت رجلها بشكل طبيعي ظناً منها أنه عن غير قصد. بعد عشرة أيام انتقلت إلى المنزل وهنا بدأت سلسلة التحرشات.
تقول “رنا” إنه ومنذ استلامها المنزل، بدأت تصل منه رسائل “كل يوم رسالة حب، ورغم عدم تجاوبي الا أنه لم يتوقف عن إرسالهم. الأمر الذي سبب لي ارهاق نفسي. اضطررت إلى حجب رقمه، وكنت أزيل الحجب في بداية الشهر، للاتفاق معه على موعد استلام الإيجار، لدى موعد استلام الإيجار، كان يأبى استلام المال من على الباب، إصراراً منه على الدخول، وفي كل مرة يطلب مني أن أسمح له بضمي “فقط خمس دقايق” وهنا يبدأ غضبي وأبدأ بالصراخ في وجهه، وكان يردد دائما أنه حيث يعيش هناك الكثير من اللاجئات السوريات المستعدات لتلبية طلباته إلا أنه يحبني أنا ويريد أن “يستر علي” ويطلب مني أن لا أخاف منه وأنه سيهتم بي ويدللني” .

في إحدى المرات، أتى ليأخذ الإيجار، وبدأ يقول لي أنه يبدو علي الاكتئاب، وأني لا أتقن العيش، وأن علي ممارسة الجنس لأتخلص من اكتئابي، وأنه مستعد للزواج بي”. هنا أجبته بأن عمره 80 سنة وأن عليه التعامل معي كابنة له، إلا أنه أصر علي أن رفضي له بسبب اكتئابي وأني ضمنياً أريده. وسرعان ما بدأ بخلع ثيابه. وهنا فقدت صوابي وبدأت أصرخ للجيران لمساعدتي، وقمت بضربه بعصا المساحة إلى أن خرج من المنزل”.

لا تنتهي قصة “رنا” مع التحرش هنا، أثناء بحثها عن منزل آخر، وجدت منزلًا في البناية التي يقطن بها زميل لها. اتفقت مع الناطور على موعد وذهبت لرؤية المنزل. لدى وصولها، قال لها الناطور إنه يبدو عليها التعب، وإنه سيقوم بتشغيل المكيف وبإمكانها أن تخلع ثيابها. وسرعان ما أضاف أنه وفي حال قررت السكن في هذا المبنى سيقوم بتدليلها، وأنه خبير في التدليك لا سيما للمناطق الحساسة للنساء. “لم أستطع التحمل أكثر، أخذت أغراضي وهربت”. ولكني هذه المرة قمت بالتبليغ عنه لمسؤول البناية، وبعد التحقيق تبين أن الناطور قد سبق وتحرش بالعديد من السوريات الا أنهن لم يبلغن عنه، وهكذا تم طرده”.

هذه قصص لثلاث نساء من فئات عمرية مختلفة، تعرضن للعنف الجنسي والنفسي، وبالتأكيد هناك عدد كبير ممن يتعرضن للأمر نفسه. سواء من السوريات واللبنانيات. فأسباب العنف الجنسي تزداد بحسب المعايير الاجتماعية والثقافية، وكلما كان وضع المرأة هشاُ أكثر كلما ازداد تعرضها للعنف الجنسي، فاللجوء وعدم حيازة النساء على إقامات، على سبيل المثال، يجعلهن هدفا سهلاً للاستغلال.

نضال أيوب

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.