يطعمونه ويلعبون معه ثم يرونه على المائدة.. خروف العيد أول خسارات الطفل

يطعمونه ويلعبون معه ثم يرونه على المائدة.. خروف العيد أول خسارات الطفل

(الحل) – “عندما كنت في الخامسة، جاء أبي من السوق جاراً خلفه خروف صغير، وقال لنا اعتنوا به جيداً، أطعموه واسقوه، هذا خاورف العيد. كان جميلاً جداً، أطلقنا عليه أنا وأخوتي اسم سمسم. لم يبق عندنا طويلاً، قال لي أخي إن أمي قامت بطبخه أول أيام عيد الأضحى. بكيت كثيراً، لكن أختي قالت لي إن أخي كان يمزح”. راما فيصل طالبة صيدلة مقيمة في كندا.

للأطفال وخراف العيد قصة مختلفة، فظهور هذا الكائن اللطيف في بيوتهم فجأة، هو مبعث فرح وتسلية وألفة. فمعظم الأطفال في البلاد التي تحتفل بعيد الأضحى، يعيشون مغامرات مع خراف العيد، ويبنون معهم علاقة قوية على مدى عدة أيام، قبل أن يشهدوا ذبح هذا “الصديق” مع طلوع فجر العيد.

تقول راما إنها لا تنسى مشاعر الحزن والخوف التي انتباتها عندما استيقظت صبيحة العيد ولم تجد الخروف “سمسم”.
بداية ظنت أنه هرب، وذهبت تبحث عنه في محيط المنزل. تصف راما باحة دارهم “كانت الساعة قد تجاوزت السادسة صباحاً، وساحة دارنا الاسمنتية كانت داكنة ورطبة، وقطرات ماء خفيفة تتسرب من خرطوم ماء أزرق وسطها. أحب رائحة الماء على الإسمنت لكن وقتها لم تكن الرائحة جميلة”.

تضيف راما أن أحداً لم يخبرها ماذا حل بالخروف الصغير، ظلت تسأل عنه لمدة يومين إلى أن قال لها أخاها أن والدتهما قد طبخت “سمسم” أول أيام العيد وأن راما أكلت من لحمه اللذيذ.
لم تكن راما لتتقبل هذه الفكرة بأي شكل من الأشكال، بكت كثيراً ولم تقتنع إلى أن قالت لها أختها أن أخاها كان يمزح معها.

قصة راما تتكرر مع عدد كبير من الأطفال، حتى أن منهم من يشهد عملية ذبح خروف العيد، وغالباً ما تبقى هذه القصة في ذاكرة الطفل إلى أن يصبح راشداً، فمنهم من يتفهم خلفيتها ويتقبلها ولا يمانع تعريض أطفاله لنفس التجربة من باب العادات والتقاليد والتعاليم، ومنهم من يرفضها ويعتبرها مخالفة لمبادئ تنشأة الأطفال وعدم تعريضهم لمشاهد وأفعال عنيفة كالذبح وإراقة الدماء.

اكتمال ابراهيم، سيدة متزوجة ولديها ثلاثة أطفال مقيمة في كندا، تقول عن “أضحية العيد”:
“أنا لا أراها حدثاُ عنيفاً، لقد تربينا عليها. نعم كنا نخاف عند ذبح الخروف، لكن بعد ذلك اعتدنا على الأمر، وبات يشكل تقليداً ننتظره على مدار العام”.

تضيف: “ممنوع هنا في كندا أن يتم ذبح الأضحية من قبل أي شخص يرغب في ذلك، فالأضاحي تذبح في مسالخ متخصصة. لو كان يسمح لنا بالذبح في البيوت، كأنت سأعرف أولادي على هذه العادة”.

تخالفها الرأي بثينة صالح، أم لولدين ومقيمة في كندا تقول: “أعلم أن جدي وأبي كانا دائما يقومان بذبح الأضاحي، إلا أن أمي كانت دائما تطلب من أبي ألا يحضر الخاروف إلى البيت
وألا يدعنا نلعب معه، لأنها كانت تدرك قسوة الموضوع على الطفل، فهي بنفسها عانت منه عندما كانت صغيرة ومازال محفور في ذاكرتها”.

تتابع: “طفلاي مولعان بالحيوانات، لا يمكنني أن أبرر لهما ذبح حيوان في المنزل سنوياً تحت أي ذريعة، تستطرد ضاحكة: “لن يتقبلا هذا الأمر وسيخافان كثيراً، عندما يكبران سيعرفان هذا التقليد وليحكما عليه بنفسيهما”.

بدورها تقول الباحثة الدرامية والاجتماعية ومديرة المشاريع الإعلامية والثقافية في منظمة “مدني”، ملاك سويد: “تعريض الأطفال للتعامل مع ما يسمى خروف العيد، ومن ثم ذبحه، من شأنه أن يفقد الطفل ثقته بالعالم المحيط ويزعزع علاقته الآمنة بكل من حوله، لأنه وبعد الاطمئنان روحياً لكائن أليف، يرى فعل غاية في القسوة بحقه فيشعر تشييء كل الموجودات وغياب المعنى العاطفي والوجداني الحقيقي لصالح المادي والنفعي، حيث يتحول الخاروف لأطباق وأصناف طعام متعددة”.

تضيف سويد، “هذه العملية هي الشرخ العاطفي الأول والأقسى، وبمعنى آخر أنها الصدمة العاطفية الأولى والمبكرة والعصية على الفهم والتفسير بالنسبة للطفل”.

يبقى الاحتفال بالمناسبات كل حسب معتقده وعاداته، حرية شخصية لايمكن إلا أن نقابل بالاحترام، إلا أن إعادة النظر ببعض الممارسات وإيجاد حلول وسطية للابقاء عليها لكن بطريقة تضمن عدم التسبب بضرر نفسي أو عاطفي للطفل، يمكن أن يجنبه صدمات قد تؤذي مشاعره وتترك عنده ندوباً يمكن تجنبها.

إعداد: صفا سليم – تجرير: سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.