(الحل) – في مجتمعات تعامل المرأة على أنها درجة ثانية تواجه النساء مصائر متعددة تعاكس في غالبها رغباتهن، حيث لاتملك الواحدة منهن اتخاذ قرارت تتعلق بحياتها كاختيار شريكها أو العمر الذي حددته للزواج أو استطمال تعليمها وخوضها غمار الحياة العملية. نسلط الضوء في هذا التقرير على ثلاث نماذج لنساء كن ضحية زيجات قسرية لم تدم واخترن بعدها أن يكملن دراساتهن باعتبار التحصيل العلمي كان حلماً لكل منهن مذ كن بعمر الطفولة.

جسّدت “زهرة فاضل” (27 عاماً) من ريف #دير_الزور_الشرقي، قصة نجاح امرأة كسرت بإرادتها قيود المجتمع البالية، وشقّت طريقاً محفوفاً بالمصاعب متغلبة على جميع الظروف والعقبات التي واجهتها، عاشت في كنف عائلة فقيرة، إلا أن ظروف المعيشية السيئة، لم تمنعها من التميز في دراستها والحصول على علامات مرتفعة متفوقة بذلك على قريناتها في المدرسة، غير أنها لم تفكر يوماً بأن عادات وتقاليد مجتمعها ستخطفها من حلمها في التفوق والنجاح في دراستها وهي في سن الـ 15 عاماً.

تأسفت “زهرة”، في حديثها لموقع «الحل»، للظلم الذي تتعرض له نسبة كبيرة من الفتيات في المجتمع الشرقي حبيس العادات والتقاليد القديمة، حين تلجأ العائلات المحدودة الدخل إلى تزويج بناتها دون النظر إلى قابليتهن للزواج ومدى وعيهن بمسؤوليته وأعبائه، فكل ما يهم هو التخلص منها دون الالتفات إلى مستقبلها التعليمي حتى ولو كانت من المتفوقات.

كانت “زهرة” ضحية لزواج مبكر في سن الـ 15، حيث أجبرتها ظروف المعيشة القاسية للرضوخ لقرار عائلتها، إلا أن هذا الزواج لم يدم سوى خمسة أشهر، لأنه لم يكن وفق الأسس المطلوبة وأهمها التوافق في الفكر والعمر بين الزوجين.

وعلى الرغم من نظرة المجتمع الدونية “للمطلقات” إلا أن بطلة قصتنا، قررت متابعة دراستها وشق طريقها نحو النجاح، على الرغم من كافة العقبات التي كانت تواجهها سواء من الناحية المادية على صعيد وضعها العائلي أو من المحيط العام الذي كانت تعيش فيه، والذي لولا إرادتها القوية وشجاعتها لما استطاعت التغلب عليها.

حصلت زهرة على معدل كبير في الثانوية العامة بفضل دعم والدتها لها، محاولة إجبار الجميع ممن حولها بالتخلي عن نظراتهم المسيئة لها، وجعل عائلتها تشعر بالفخر بعد كل الضغوطات التي تحملوها لإكمال دراستها.

التحقت “زهرة” بمعهد الأعمال النسوية في محافظتها (ديرالزور) اختصاراً للوقت والتكلفة، علماً أن تحصيلها العملي يخولها لدخول أحد أفرع الهندسة، حيث تابعت دراستها ضمن المعهد المذكور مختصة بالخياطة وتصميم الأزياء، لتحصل على المرتبة الأولى خلال سنتي الدراسة، مبرهنة بذلك قدراتها العلمية العالية، حيث تمكنت بعدها من الحصول على فرص تدريب عن طريق المعهد ذاته، مكنتها من صقل موهبتها والتمرس في مجال التصميم والخياطة بشكل أكبر.

تم تعين “زهرة” كمدرسة لمادة الرسم والتدبير المنزلي في المدرسة الإعدادية في منطقتها، كما قامت بعمل دورات خاصة في منزل عائلتها، لتعليم النساء الخياطة والتصميم، لتكون مصدر دخل آخر لها ولعائلتها الفقيرة، حيث تمكنت من أن تصبح سيدة منتجة ولها مكانتها لدى نساء منطقتها على العموم.

اقترح “دار المرأة” التابع لمجلس ديرالزور المدني في ريف ديرالزور الشمالي الشرقي مؤخراً، على “زهرة” أن تكون إحدى المشرفات على مشاريع دعم وتمكين النساء في المنطقة أيضاً، الأمر الذي عزز ثقتها بنفسها أكثر كونها تعرضت لتجربة مريرة، ستحاول من خلال تواجدها في المشروع تقديم النصائح والإرشادات لكافة النسوة والفتيات اللواتي تعرضن لحالات مشابهة لها، عن كيفية الثبات وتحدي المجتمع لتصنع كل واحدة منهن قصة نجاح مختلفة.

أصبحت زهرة التي كادت أن تكون ضحية للعادات والتقاليد، سيدة أعمال ناجحة، بعد أن كانت وعائلتها تنتظر المساعدات الإنسانية من المنظمات وبعض الأشخاص، كما وأصبحت ملهماً لعدد كبير من نساء منطقتها.

“نورهان فياض” (23عاماً ) من مدينة الميادين، تتشابه قصتها كثيراً مع زهرة ولكن بفروق بسيطة،
تقول “نورهان” لموقع “الحل”، “تجربة الزواج الفاشل التي عشتها على مدار عام كامل، والتي انتهت بالطلاق، منحتني القوة والإصرار على المتابعة في حياة جديدة، فمن مخاض الألم والمعاناة تولد لدي الإبداع، ففي العام الذي انفصلت فيه عن زوجي، عدت للدراسة ونجحت في الثانوية العامة بمعدل مرتفع والآن أكمل تعليمي في فرع علم الأحياء بجامعة الفرات في ديرالزور”.

تابعت “نورهان” حديثها، “تم تزويجي في سن السادسة عشر، بدون موافقتي، حيث أجبرني والدي على ترك المدرسة آنذاك والرضوخ لأمره، تعرضت للتعنيف المستمر والشتائم من قبل زوجي الذي يكبرني بـ 20 عاماً، على مدار العام والنصف، وبعد محاولات عدة من قبل والدي الذي شعر بتأنيب الضمير لأنه كان سبباً فيما يحصل لي، من أجل إصلاح زوجي وردعه عما يفعله بي لسبب أو بدون، إلا أنه لم يتغير، بل أصبح يزيد العيار في كل مرة يلتقي بأبي وأكون فيها محور حديثهما، إذ قام في إحدى المرات بضربي بسيخ حديدي أدى لكسر كبير بيدي اليمنى، وكدمات كبيرة أيضاً في وجهي ورأسي، استدعى تدخل والدي وأقربائي بشكل أكبر ليساعدوني على الطلاق والخلاص منه.

براء محمد رشيد (25) عاماً من ريف ديرالزور الشرقي، ضحية أخرى لزواج القاصرات، أرغمت على ترك تعليمها في الفترة التي تقدم فيها ابن عمتها لخطبتها والذي يكبرها بـ 10 أعوام وهي ابنة 16 ربيعاً، توقفت الحياة بالنسبة لـ “براء” في اللحظات التي أصبحت فيها بعيدة عن مدرستها حلمها الذي كانت تتشاركه مع صديقاتها في المدرسة بأن تكون طبيبة أسنان في المستقبل تداوي كل من تعرفه بالمجان، لكن كل ذلك تلاشى في اللحظات الأولى التي دخلت فيها “براء” عالم جديد بأعباء ومسؤوليات جديدة، لم تكن في حساباتها مطلقاً.

تقول “براء” لموقع الحل، “زواجي لم يستمر سوى عام واحد فقط كان اليوم الواحد فيه يعادل 100 عام ، أجهضت خلاله مرتين، والسبب صغر سني وجسمي النحيل، بحسب الأطباء، فحياتي كانت أشبه بجحيم، مشاكل مستمرة مع زوج متشدد كثير الظن لا يقرأ ولا يكتب، ووالده الذي يصر على تزوجيه من امرأة أخرى تستطيع أن تنجب له ذكوراً يخلدون نسبهم، بدلاً مني، ليصل الأمر أخيراً إلى الطلاق والخلاص من أسوء حقبة زمنية عشتها خلال حياتي”.

تقول “براء” بإصرار “لم أعيش دور المرأة المطلقة، ولم أندب حظي أبداً، بل على العكس تماماً، تماسكت وقررت أن استعيد حياتي التي فقدتها في زواج فاشل، متجاهلة كل المثبطين من حولي”.
عادت براءة إلى المدرسة بدعم من شقيقها ووالدتها، إذ تمكنت من تحصيل معدل كبير في الثانوية العامة، خولها من تحقيق حلمها في دخول كلية طب الأسنان، وهي الآن في السنة الرابعة بجامعة دمشق.

عدي العبدلله

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.