لبنان (الحل) – صدرت قبل أسابيع دراسة إحصائية عن “الدولية للمعلومات” في لبنان، تضمنت معلومات وأرقام قلما تنشر، إذ إن آخر إحصاء رسمي للسكان في لبنان جرى سنة 1932، ولم يجري بعده أي إحصاء رسمي لأسباب متعلقة بالسياسة والطائفية من جهة، والفوضى وحالة الحرب الأهلية التي فرضت نفسها من جهة أخرى.

بحسب “الدولية للمعلومات” فإن عدد اللبنانيين مع نهاية 2018 يبلغ 5.5 مليون نسمة بزيادة 426% عن الإحصاء الماضي، وفي التفاصيل كانت نسبة زيادة المسيحيين ما نسبته 174.5% مقابل 785.1% لدى المسلمين، ففي إحصاء 1932 كانت نسبة المسيحيين من مجمل المواطنين 58.7% أما المسلمين فـ 40%، وهذا النسبتان أصبحتا في العام 2018 30.6% للمسيحيين و69.4% للمسلمين، وكانت نسبة الارتفاع الأكبر عند العلويين (1052%) ثم الشيعة في المرتبة الثانية (946%)، أما المرتبة الأخيرة فللروم الأوثوذكس (147%).
وبين 4.2 مليون من اللبنانيين المقيمين و 1.3 مليون من غير المقيمين في نهاية 2018 جاء الشيعة بالمرتبة الأولى 31.6% ثم السنة 31.3%.
بطبيعة الحال أثارت هذه الدراسة الإحصائية جدلاً كبيراً في لبنان، سواء في التصريحات السياسية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أثارت المخاوف بشأن ما يسمى “الصيغة اللبنانية” وميثاق 1943، في ظل محاولات رئيس االتيار الوطني الحر ووزير الخارجية جبران باسيل فرض المناصفة بين المسيحيين والمسلميين في التعيينات الرسمية بخلاف الدستور الذي يحصر هذه المناصفة في وظائف الفئة الأولى فقط.

ميثاق 1943 المعروف بالميثاق الوطني هو اتفاق شفهي جرى بين قيادات مسيحية وإسلامية سنية وشيعية، ويتضمن الاتفاق على أن رئيس الجمهورية مسيحي ماروني، ورئيس الوزراء مسلم سني، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي، ونائبه مسيحي من الروم الأورثوذكس، بينما يتقاسم المسيحيون والمسلمون أعضاء مجلس النواب بنسبة 6 إلى 5 لصالح المسيحيين، وتضمن الاتفاق غير المكتوب قبول المسيحيين بشيء من الهوية العربية للبنان بدل المناداة بهوية غربية في مقابل تخلي المسلمين عن المطالبة بالوحدة مع سوريا.
استمر العمل بهذا الميثاق عقود طويلة رغم بعض الإشكالات السياسية التي تطور بعضها إلى صدامات مسلحة مثل حوادث 1958، ثم الحرب الأهلية التي بدأت سنة 1975 لأسباب سياسية-طائفية وانتهت إثر اتفاق الطائف سنة 1989، الذي حافظ على مضمون ميثاق 1943 لجهة توزيع الرئاسات الثلاث الأولى، مع تغيير في صلاحيات الرئاسات وبشكل خاص تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى تقاسم مجلس النواب الذي صار على ضوء النتائج السياسية للحرب والتغييرات الديموغرافية على مدى العقود الماضية مناصفة بين المسيحيين والمسلمين بدل الغلبة السابقة للمسيحيين.

كانت هذه الحالة نتيجة متوقعة نظراً لممارسات المارونية السياسية منذ تأسيس لبنان الكبير الحالي وصولاً إلى ميثاق 1943 مع سلطات واسعة لرئيس الجمهورية، والتي لم تراع دوماً الشريك المسلم في الوطن، ما أثر على النظرة تجاه الالتزام اللبناني الإسلامي بالقضية الفلسطينية وتعاطفهم مع الفلسطينيين، وصارت نظرة المارونية السياسية ومن خلفها نظرة المسيحيين للقضية الفلسطينية نظرة تتعلق بشكل أساسي بالإنتماء المذهبي الطاغي على أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والذين نظر إليهم على أنهم خطر طائفي يهدد توازن الطوائف في لبنان المرعي بالميثاق الوطني.

خرج المسيحيون من الحرب التي اندلعت بشرارة فلسطينية مهزومين، فجرى تقليص قاس لصلاحيات رئيس الجمهورية المارونية لمصلحة رئيس الوزراء ومجلس الوزراء مجتمعاً، وتم اعتماد المناصفة في مجلس النواب، ثم شهدت السنوات الأولى من تطبيق الطائف عمليات تجنيس متكررة وواسعة شملت فلسطينيين ومسلمين كثر إلى جانب بعض المسيحيين، الأمر الذي عزز المخاوف الديموغرافية لدى المسيحيين مرة أخرى.

وبالإضافة إلى الهجرة المستمرة التي يقبل عليها المسيحيون أكثر من غيرهم لأسباب تاريخية واجتماعية، باتت نسبة المسيحيين في لبنان تقارب على نحو متعارف عليه دون قوله قبل دراسة “الدولية للمعلومات”، تقارب ثلث اللبنانيين، ما أدى في السنوات الاخيرة إلى طرح ولو بشكل غير مباشر فكرة المثالثة بدل المناصفة، أي تقاسم مجلسي النواب والوزراء بين المسيحيين والسنة والشيعة بالتساوي بدل المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وهو الأمر الذي أيقظ مخاوف قديمة مكبوتة لدى المسيحيين، ووجه من قبل الزعامات االسنية برفضه وإطلاق مقولة “أوقفنا العد” بمعنى أن التغير الديموغرافي لن يؤدي إلى تغير سياسي.

الشيعة الذين قد يكونون المستفيدين الأبرز من مثالثة مقبلة قد يكونوا رفضوها علناً، ولكن يعلم الجميع مصلحتهم في مثالثة مماثلة، خاصة منذ العام 2011 وتدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان والذي يقدر عددهم بما يقارب مليون ونصف من اللاجئين، أغلبيتهم الساحقة من المسلمين السنة.
إن كان حزب الله قد نجح بالترغيب والترهيب، وتحت شعار مقاومته لإسرائيل في اجتذاب وتحييد مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين السنة في لبنان عن طريق أحزابهم وفصائلهم التي تتمتع أكثرها إسلامية مثل حركة حماس بعلاقات ممتازة مع حزب الله، إلا أنه لم يستطع حتى الآن على الأقل فعل الأمر نفسه مع اللاجئين السوريين، مع ملاحظة أن هؤلاء اللاجئين أكثر من الفلسطينيين بأربعة أو خمسة أضعاف، وأن تقاربهم مع حزب الله أكثر صعوبة بسبب موقف أغلبهم المعارض لنظام الأسد وإدراكهم الدور المباشر وشديد السلبية للحزب ومقاتليه في صمود نظام الأسد وتهجير اللاجئين من أراضيهم ومنعهم من العودة إليها.

بعيداً عن مواضيع البطالة والعمالة والوطنية وكل ما يطرح تقليدياً في الشارع اللبناني تجاه قضية اللجوء السوري، لا يمكن لحزب الله -والمسيحيين تباعاً- أن يقارب موضوع اللاجئين السوريين بعيدًا عن المقاربة الطائفية، وبحسب أستاذ جامعي لبناني شيعي، “يدرك الحزب أن السوريين السنة الذي لطالما رفعوا أعلام حزب الله وصور قائده حسن نصرالله على سيارتهم وربما في محالهم وبيتهم إبان حرب تموز 2006 وقبلها، متجاوزين الفرق الطائفي كسنة تجاه الشيعة، لا ينسوا كشف الحزب عن وجهه الحقيقي من خلال مساهتمه إلى جانب نظام الأسد في قمع الثورة ودعم النظام وتطبيق سياسات بحق السوريين تكاد تشبه السياسات التي يدينها الحزب حين تطبقها إسرائيل بحق الفلسطينيين”.

يلفت رأي آخر إلى جانب مختلف من الموضوع بعض الشيء، وهو وإن كان تصوراً بعيد التحقق إلا أنه يبقى في مجال تفكير قادة حزب الله، وهو ما يتمثل في خضوع السوريين الذكور جميعاً للخدمة العسكرية الإلزامية وحصولهم على خبرة عسكرية لا بأس بها قد تجعلهم أفراداً مناسبين ووقوداً ملائماً للتسلح في وجه حزب الله ضمن الداخل اللبناني في حال توفر إرداة وتمويل إقليميين لذلك.
وبالنسبة للمثالثة على الصعيد السياسي، فهي قد تكون لزوم ما لا يلزم، فحزب الله باعتباره الممثل الأبرز للشيعية السياسية، يمارس دور الحاكم الأوحد للبلاد ولو من ضمن التركيبة الحالية المتوفرة، وتحقيق المثالثة السياسية دستورياً لن يغير في حقيقة إمساكه بالسلطة الفعلية في البلاد.

رجا أمين

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.