لهيب الحرب الأميركيّة الإيرانيّة على الأبواب.. والعراق أمام نتائجٍ كارثيّة

لهيب الحرب الأميركيّة الإيرانيّة على الأبواب.. والعراق أمام نتائجٍ كارثيّة

هذا القلق الجماعي ينبع من منطقٍ صارم وصلب، فبسبب موقعه الجغرافي وموقفه الاستراتيجي، فإن العراق حليفٌ وتابع في ذات الوقت لكلا القوتين المتعاديتين. وكلما ازدادت أزمة النووي الإيراني عمقاً، كلما تمزقت البلاد أكثر، والأسوأ من ذلك، أن كلتا الدولتين لهما قوات مسلحة على #الأراضي_العراقية، وفي أعقاب الحرب على تنظيم #داعش، تعزز وجودهما العسكري في السنوات الأخيرة.

——————————————————-

ترجمة- الحل العراق

لم يمنعهم قيض الصيف من الحضور، إنها صلاة الجمعة، حيث تجمّع عدّة آلاف في أحد شوارع #مدينة_الصدر، الحي الشيعي الكبير في #بغداد، فتراهم راكعين على سجادٍ ممزق يلفحهم حر الصيف تحت مظلات بسيطة تقيهم أشعة الشمس وهم يستمعون إلى عظات الإمام المنومة يلقيها من منبره.

وإن كان الجو السياسي في المنطقة لا يقل حرارةً عن سخونة الإسفلت، فإن رجل الدين هذا لا يقول شيئاً عن الموضوع. لا شيء عن دونالد ترامب وتهديداته المتكررة ضد #إيران ولا عن الأخطار المحدقة بالعراق جراء تزايد التصعيد بينه وبين إيران.

وبعد عشرة دقائق، تفرّقت الحشود وهي تتنفس الصعداء بانتهاء الخطبة والصلاة. لكن رجلاً من بين الحشود يرتدي طقماً غامقاً بقي واقفاً لا يبدو عليه الارتياح. حيث يقول #حكيم_الزُميلي، نائب عن كتلة #مقتدى_الصدر، بنفاذ صبر: «نحن نشهد الآن حرباً نفسية تذكرني بتلك الحرب التي شنتها #الولايات_المتحدة إبان دخولها للبلاد».

ويضيف: «الحرب بين الولايات المتحدة وإيران واقعة لا محالة، وهذا سيكون له نتائج كارثية على بلادنا».

قلقٌ يشهده الشارع العراقي إثر ازدياد التوتر بين #واشنطن و#طهران وانعكاس ذلك على الداخل العراقي. فالعراق حليفة وتابعة لكلٍ من الولايات المتحدة الأميركية وإيران. وبالتالي، فإن البلاد باتت ممزقة على نحوٍ متزايد بسبب ازدياد التوتر بين هاتين القوتين العدوتين.

فلدى كلّ من الولايات المتحدة وإيران قوات مسلحة على الأرض العراقية، وعلى ما يبدو، فإن نائب وزير الصحة السابق ليس وحيداً في تشاؤمه وقلقه من الوضع الحالي.

ففي حي #الشيخ_منصور في مركز العاصمة بغداد، يسود ذات القلق المحموم. حيث تقول عبير، البالغة من العمر خمسة وثلاثين عاماً، وهي تأكل الآيس كريم في أحد المقاهي: «لقد عايشنا الكثير من الحروب. لقد تعبنا».

ويضيف زوجها قصي: «المشكلة أن ترامب مجنون… وأن الإيرانيون يفضلون دائماً الحرب هنا بدلاً من أن تكون على أراضيهم».

هذا القلق الجماعي ينبع من منطقٍ صارم وصلب، فبسبب موقعه الجغرافي وموقفه الاستراتيجي، فإن العراق حليفٌ وتابع في ذات الوقت لكلا القوتين المتعاديتين. وكلما ازدادت أزمة النووي الإيراني عمقاً، كلما تمزقت البلاد أكثر.

والأسوأ من ذلك، أن كلتا الدولتين لهما قوات مسلحة على #الأراضي_العراقية، وفي أعقاب الحرب على تنظيم #داعش، تعزز وجودهما العسكري في السنوات الأخيرة.

فمن جهة، هناك ما لا يقل عن خمسة آلاف ومئتا جندي أميركي في العراق. ومن جهة أخرى، فإن المئات من عملاء #المخابرات_الإيرانية والمستشارين العسكريين الإيرانيين يصولون ويجولون في العراق. ناهيك عن عدد كبير من #الميليشيات_الشيعية العراقية التي هي على أتم استعداد لمهاجمة المصالح الأميركية إذا ما طلبت طهران منها ذلك.

وبالتالي وفي حالة نشوب حرب بين هاتين القوتين، فإنه من الممكن جداً أن يكون العراق ساحةً لمعركتهم. حيث يقول النائب الزميلي موضحاً: «نحن عبارة عن بيادق لعبة استراتيجية تتجاوزنا».

الاقتصاد العراقي في خطر:

لم يعد بإمكان رجال الأعمال العراقيين أن يتاجروا علناً مع طهران خوفاً من أن يتم إدراجهم على لائحة العقوبات الأميركية السوداء. وفي الواقع، فإن العراق يعاني اليوم بالفعل من عواقب الأزمة، على المستوى الاقتصادي بالدرجة الأولى. فالعقوبات التي فرضها البيت الأبيض على طهران تمنع أي تعامل بالدولار مع #نظام_الملالي.

ومع ذلك، فإنه وبـ 10.8 مليار يورو من التجارة السنوية، فإن إيران تظل الشريك الأول للعراق. لكن بشير الوندي، رجل أعمال عراقي ثري وكاتب وباحث، كان له رأياً آخر. حيث يقول مستنكراً: «مع كل هذه العقوبات، تم تعطيل كل شيء، فرجال الأعمال العراقيون يخشون من التواصل مع طهران علناً كي لا تدرج أسمائهم على لائحة العقوبات».

بينما يقول “عطا محمد”، تاجر كبير من #السليمانية في #إقليم_كردستان، موضحاً: «لقد بتّ أدفع جميع ما يُستحق علي نقداً لأنه لم يعد بإمكاننا تحويل الأموال».

أما على صعيد الدولة العراقية، فإن الوضع يبدو أكثر تعقيداً، فالعراق لا يمكنه الاستغناء عن جارته إيران التي تمدّه بثلاثين بالمائة من كهربائه. وإذا ما تم منع #بغداد من تسديد فواتيرها لطهران، والتي تراكمت ووصلت بالفعل إلى 1.7 مليار يورو، فإن البلاد سوف تتعرض لانقطاع كبير في التيار الكهربائي.

وفي السنة الماضية، أدى وضعٌ مماثل إلى اندلاع أعمال الشغب بشكلٍ واسع في #البصرة جنوب البلاد. ولتجنّب هذا السيناريو، أعلنت #الحكومة_العراقية أنها سوف تجد آلية للتحايل على العقوبات الأميركية على شاكلة الآلية التي تبناها الأوربيون. وقد أبدت إدارة ترامب موافقتها على ذلك. لكن ذلك لن يكون قبل شهر تشرين الأول من هذا العام.

وبسبب زيادة التوتر بين واشنطن وطهران، فإن العراق بات ومنذ عدّة أشهر مسرحاً للعديد من حوادث العنف. ففي شهر أيار الماضي، تعرّضت #السفارة_الأمريكية في بغداد لهجومٍ بالصواريخ.

وفي الشهر الذي تلاه، تعرض معسكر أمريكي شمال العاصمة لهجوم، أعقبه هجوم على شركة #إكسون_موبيل للبترول في جنوب العراق. وقد اتهمت واشنطن إيران والميليشيات الموالية لها في العراق بالوقوف وراء هذه الهجمات.

وقد نفت طهران والميليشيات الشيعية التابعة لها هذه الاتهامات، متهمة بدورها واشنطن وحليفتها #إسرائيل بقصف قواعد لهم، كما حصل في #أميرالي  التي تعرضت لهجوم بطائرة من دون طيار في التاسع عشر من شهر تموز الماضي.

كما أنهم يتهمون واشنطن بالوقوف وراء تفجير مستودع للذخيرة الاثنين الماضي. حيث يؤكد أسعد شاكر خزعلي، نائب عن #كتلة_الصادقون والتي تشكل #عصائب_أهل_الحق ذراعها العسكري، قائلاً: «بالتوازي مع الهجمات الأمريكية، فإن واشنطن تقوم ببناء معسكرات جديدة وتستمر باستقبال جنود أكثر إلى هنا».

وتطالب بلطف الميليشيات الموالية لإيران بالمزيد من الوقت، بينما تزداد النيران اشتعالاً. فهل يمكن للسلطات العراقية، التي أضعفت هذه الميليشيات بدرجة كبيرة، أن تمتلك ما يكفي من الوسائل لتقييدها؟

ففي بداية شهر حزيران، قام عادل عبد المهدي، رئيس الحكومة العراقية، بإجراء تجربة. وذلك من خلال إصدار قرار يلزم الميليشيات ومقاتليها، البالغ عددهم 110 آلاف مقاتل، بوضع أنفسهم تحت تصرف #الجيش_العراقي والتخلي عن قواعدهم العسكرية وأسلحتهم وكذلك أنشطتهم الاقتصادية.

وقال حينها مهند نجم العقابي، المتحدث باسم التعبئة الشعبية التي تضم بين جناحيها أغلب الميليشيات في البلاد، معقباً: «سوف نحترم هذا القرار حاله كحال كل قرارات الحكومة».

ومع ذلك وبعد شهر ونصف، لم يتغير شيء. فقادة هذا التحالف يطالبون بالمزيد من الوقت. وفي الواقع، فإن العديد من الميليشيات الشيعية شبه العسكرية ترفض الانصياع لهذا الأمر، حيث تنظر إليه على أنه صادر عن دونالد ترامب بهدف إضعافها.

وعدم الثقة هذه نجدها حتى في مسكن صغير في أزقة بغداد على ضفاف نهر دجلة. ففي الخارج، نجد العشرات من الرجال مسلحين بالكلاشينكوف يحرسون وسط الظلام. من بينهم أحمد موسوي، قائد كتائب سيد الشهداء، وهي ميليشيا موالية لطهران وإن كان زعيمها ينكر ذلك.

وعندما يتعلق الأمر بالقوات الأميركية، فإن هذا الرجل، الذي حُبس مدة ثلاث سنوات في سجن #مخيم_بوكا، يفقد بعضاً من رباطة جأشه. فيقول بنظرة غاضبة: «ماذا يفعلون في بلادنا حتى الآن؟ عندما ظهر تنظيم داعش لم أرهم يقاتلون. إنهم أفضل بكثير عندما يتعلق الأمر بضرب مقاتلينا».

وفي تحذيرٍ لـ #دونالد_ترامب إذا ما أراد هذا الأخير إشعال الحرب ضد إيران، يقول موسوي: «حينذاك، أستطيع أن أؤكد لكم أن الدموع سوف تُذرف في الولايات المتحدة. الكثير من الدموع».

 

 

عن موقع (Le Journal du Dimanche) الفرنسي- ترجمة الحل العراق

تحرير- فريد إدوار


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.