تعمدت تركيا مؤخراً على نشر أنباء مستمرة عن تزايد عودة لاجئين سوريين من مدن تركيا وولاياتها إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها في العمق السوري، لتدعم بذلك روايتها فيما يخص تحقيق الأمن والاستقرار في تلك المناطق، والتي تخضع لسيطرة فصائل وتشكيلات سورية مسلحة يشكل عناصر تنظيم «داعش» السابقون محوراً رئيساً فيها، إذ وثقت منظمات دولية وحقوقية انتهاكات وتجاوزات خطيرة قام بها هؤلاء تجاه المدنيين وصلت إلى مرحلة القتل في معظم الأحيان.

إلا أن مصادر مدنية من تلك المناطق نفت لموقع «الحل» بأن يكون عدد العائدين طوعياً كبيراً أو موازياً لعدد العابرين حديثاً لتركيا، مؤكدين قيام فصائل «درع الفرات» على اختلاف مسمياتها بانتهاكات مستمرة وخاصة تجاه المدنيين الكورد المتواجدين في مدينة #عفرين وريفها، في خطوة تشير بوضوح أنها تقوم بذلك إرضاء لتركيا، لأنها منافية تماماً للمبادئ والأهداف التي خرج من أجلها الشعب السوري في بداية #الاحتجاجات_الشعبية التي عمت البلاد في 2011 من أجل الدولة الوطنية المنشودة التي تجمع السوريين بكل شرائحهم.

التوسّع بالقوة

تمكن تنظيم «داعش» أواخر العام 2014، من فرض ذاته بالقوة على الأرض، بسبب استخدامه سياسة الترهيب والقتل ضد الناس الموجودين في مناطق سيطرته مهما كان السبب بسيطاً، وذلك بعد هيمنته على مساحات كبيرة وأراض شاسعة في كل من سوريا والعراق، ولعلّ الهجوم الذي شُنّه على مطار الطبقة في الرقة، وتعليقه رؤوس عشرات جنود الجيش السوري في الساحات العامّة لزرع الخوف في نفوس المواطنين هناك كانت نقطة الانطلاق نحو التوسع بالقوة؛ أو كما يقال بالحديد والنار.

لكن ما هو غير مفهوم كيف استطاع التنظيم رغم كل العنف الذي استخدمه على جذب وعناصر إلى صفوفه سواءً من داخل سوريا أو خارجها…! لكن بعد توزع وهروب العشرات لا بل المئات منهم إلى الانضمام لباقي الفصائل توضحت الصورة أكثر، وبات واضحاً هشاشة الأرضية والتفكير لهؤلاء الذي انضموا للتنظيم طمعاً بالرواتب والمكاسب.

استمارة الترحيل القسري
وفي تقرير لـ«هيومن رايتس ووتش» تم نشره في أواخر تموز/ يوليو الفائت، قالت فيه إن «السلطات التركية تحتجز السوريين وتُجبرهم على توقيع استمارات تُفيد برغبتهم في العودة إلى سوريا ثم ترحّلهم قسراً إلى هناك».

وفي ذلك قال جيري سيمبسون، المدير المساعد لقسم الطوارئ في «هيومن رايتس ووتشن»: «تزعم تركيا أنها تساعد السوريين على العودة طواعية إلى بلادهم، لكن ليس طوعياً ولا قانونياً بل بالتهديد بحبسهم حتى يوافقوا على العودة، وإجبارهم على توقيع الاستمارات، والزج بهم في منطقة حرب.

الفصائل العاملة بإشراف تركي
تتكون فصائل #درع_الفرات من كتائب عسكرية تابعة لفصائل #المعارضة_السورية المسلحة، ومن هذه الكتائب (فيلق الشام، لواء #السلطان_مراد، الفرقة 20، أحرار الشرقية، وجيش الشرقية)، حيث تضم غالبيتها عناصر وقادة سابقين في تنظيم «داعش».

يقول «أحمد» نازح من ديرالزور في مناطق «درع الفرات» وأحد المقربين من فصيليّ (أحرار، وجيش الشرقية)، إذ اكتفى بذكر اسمه الأول، لموقع «الحل»، إن «تركيا تعتبر كلاً من جيش الشرقية بقيادة المدعو «حسين حمادة»وأحرار الشرقية بقيادة المدعو «أبو حاتم شقرا»، حليفها الرئيس في عملياتها العسكرية في العمق السوري الذي سيطرت عليه، مع أنهما يضمان في صفوفهما الكثير من عناصر «داعش» السابقين منظمين بمجموعات لا يستطيع أحد من القادة الحاليين توجيه أيّة ملاحظات؛ أو إنذارات حيال أي تصرف؛ أو أمر يبدر من أي أحد منهم سواء تجاه المدنيين أو العناصر الآخرين من اللواء ذاته».
وأشار «أحمد» إلى أن «غالبية هؤلاء العناصر يمشون حفاة وشعرهم يتدلى على أكتافهم، ويرتدون الزي الباكستاني، في مظهر مشابه لما كان يقوم به عناصر «داعش» أثناء تواجدهم في #الرقة وديرالزور سابقاً، بحجة أنها أرض الشام، أرض الرباط والجهاد»، وفق تعبيره.
كما أن مجرد سماع صوت الأناشيد «الجهادية الداعشية» في سياراتهم أثناء تنقلهم في شوارع المدينة، بات امراً اعتيادياً لسكان المدينة أيضاً، وفقاً لأحمد عينه.

سيارات فارهة ورواتب خاصة
من جانبه، يقول أبو سعد، عنصر من #أحرار_الشرقية، في حديث لموقع «الحل»، بإن «المدعو (أبو حاتم شقرا) ليس لديه أيّة سلطة على عناصر (داعش) السابقين ضمن لوائه الحالي، بل يقوم بالتودد لهم ويحاول كسب رضاهم بأي شكل من الأشكال، وذلك أمر يثير الاستغراب لأي شخص يعرف (الشقرا)، فهو معروف بحبه للسيطرة والقيادة وفرض النفوذ على عناصره، إلا أن ذلك لايشمل المجموعات التي تضم عناصر داعش) السابقين، والذين يحضون بميزات عن بقية عناصر اللواء، فهم يمتلكون أفخم أنواع السيارات، ولا يمكن تأخير رواتبهم عن موعدها في بداية كل شهر على خلاف العناصر الآخرين».
وعند السؤال للعنصر عن أبزر مقاتليّ «داعش» السابقين في اللواء، أجاب، بأنه «توجد أسماء لامعة موزعين ما بين عفرين وجرابلس وهم المدعو مهران الخلف الصوفي الذي يتزعم الآن إحدى المجموعات في اللواء ويلقب بأبو المعتصم، وهو من ريف الرقة الشمالي، شغل فيما سبق منصب أمير عسكري في التنظيم بالقرب من مطار ديرالزور العسكري، وشارك في معظم اقتحامات التنظيم في المدينة أيضاً».

والمدعو خليل الأحمد النوري، من #العريشة، شغل منصب أميراً أمنياً في «جبهة النصرة» سابقاً، وعند دخول التنظيم إلى المنطقة، انضم إليهم في الشدادي، حيث شارك في اقتحام ريف #دير_الزور الشرقي عند سيطرة التنظيم المتطرف عليه، ويشغل الآن منصب مسؤول مجموعة في جيش الشرقية، ويطلق على نفسه لقب أبو العدية.

«درع الفرات» الحاضنة…
والمدعو باسل الحمود الشيخان، وشقيقه بشار، وهم من أهالي «مزرعة الجلاء» الذي تبعد عن محافظة الرقة 10 كيلو متر، يترأسان مجموعة استطلاع الآن في مدينة عفرين ونواحيها ضمن أحرار الشرقية، وعمل الشقيقان كعنصرين أمنيين لداعش أثناء سيطرته على المدينة.

وذكر «أبو سعد»، أسماء بعض العناصر المنتمين لفصائل أخرى بدرع الفرات ومنهم، المدعو محمد ياسين الزغير، من منطقة بزاعة التابعة لمدينة #الباب، حيث شغل منصب مسؤول في ديوان الموارد البشرية في التنظيم أثناء سيطرته على مدينة الباب، وأما الآن فهو يشغل منصب منسق ومسؤول العلاقات العامة في فصيل السلطان المراد، ويشغل ابنه البكر والمدعو شادي، مسؤول في الشرطة العسكرية في عموم مناطق درع الفرات.

المدعو حسين الدملخي، من بلدة «القباسين» وكان يعمل مع تنظيم «داعش» أثناء سيطرتهم على المنطقة بمنصب الأمير المسؤول عن معسكرات «أشبال الخلافة»، وحالياً يشغل منصب مسؤول عن مجموعة في لواء السلطان مراد شاه، بقيادة المدعو أبو عمشة.

سجل حافل بالانتهاكات
والمدعو صالح عبود الشحادة، من قرية القناية غربي #كوباني، شارك باقتحام كوباني بمنصب أمير مجموعة اقتحام في التنظيم آنذاك، بينما يشغل الآن منصب مسؤول مالي في الفرقة 20 بقيادة المدعو أبو برزان.

وهؤلاء لهم سجل حافل بالانتهاكات ضمن مدينة عفرين وريفها برفقة عناصر آخرين من الفصائل المذكورة أعلاه كافة، بحسب «أبو سعد».

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد كشف مؤخراً أن الانتهاكات التي تقوم بها فصائل درع الفرات في مدينة عفرين ونواحيها، تنوّعت ما بين القتل والخطف و #الاعتقال والنهب والسلب والابتزاز المالي والاستيلاء على ممتلكات الكورد بهدف إحداث #تغيير_ديموغرافي في المنطقة.

جيش الإسلام امتداد لـ«داعش» الجديد في درع الفرات

يقول «عبدالله» أحد عناصر الفرقة 20، إذ اكتفى بذكر اسمه الأول، لسلامته الشخصية، في حديث لموقع «الحل»، بأن «جيش الإسلام قد وصل مع مهجري الغوطة بعد اتفاق مناطق #خفض_التصعيد السابق، حيث توزع على مناطق درع الفرات وعفرين.
وأثناء ذلك، سارعت فصائل درع الفرات إلى قادة جيش الإسلام، ليطلبوا منهم الانضمام إليهم، إلا أنهم رفضوا ذلك، علماً أن العروض التي قدمت لهم كانت مغرية من حيث المال والسلطة الذي سيحضون بها، على حد قوله.
وفي رده عن سؤالنا حول سبب الرفض؛ أجاب: «أن السبب الرئيس كان الفكر الذي تحدث به (الديراني) وهو الشرعي وأحد أهم منظري #جيش_الإسلام عندما توجه بالحديث لبقية الفصائل بأنكم لاتملكون إيدلوجية ولا فكر (جهادي)، في الوقت الذي ما يزال فيه جيش الإسلام متبنياً لفكرة (الجهاد السلفي)، والذي يعد امتداداً للفكر الداعشي في المنطقة» وفقاً لعبدالله.

العناصر المدللة وشراء الذمم
يتابع حديثه، بأن «هناك الكثير من الأعمال التي يقوم بها جيش الإسلام مشابهة تماماً لما كان يقوم به التنظيم في المناطق التي يسيطر عليها، ومثالاً على ذلك الخدمات التي يقدمها والتي تشمل أبناء الغوطة بشكل عام وعناصرهم بشكل خاص، إذ لم يعد خافياً على أحد في منطقة الشمال ما يقوم به عناصر جيش الإسلام من تميز في المعاملة بداخل أيّة منطقة يتواجدون بها، في سياسة مشابهة تماماً لسياسية التنظيم، فعناصر الأخير وذويهم يحضون بامتيازات بكل شيء».

وذكر «عبدالله» ما قام به شرعيو جيش الإسلام في عيد الأضحى الفائت، حيث أقاموا صلاة العيد في ساحة خارج مدينة #الباب، في قرية #سوسيان، علماً بأنه يوجد مسجد في القرية، إذ أقيمت صلاتي العيد فيها، وبحسب «عبدالله»، أن هذه دعوة مخالفة كانت تقوم بها «داعش» بحجة إحياء السنة.
وتم دعوة أهالي الغوطة عن طريق المحفزات المالية بحجة تقديم معايدات للنازحين بمناسبة عيد الأضحى وتأمين المواصلات للذهاب إلى ذلك المكان، وهذه الخطوة لم تقم بها إلا «داعش» أيضاً، وفق قوله.

زرع الانقسام
يقاطع حديثنا «أبو عمر» مدني نازح من الرقة، متحدثاً إلينا بأسلوبه الشرقي البسيط قائلاً: «يا رجل أي إسلام وأي دين ينادون به، هؤلاء وجودهم مقسم للبلد فهم يتشابهون بكل شيء ويختلفون بالأسماء فقط، فعندما تجد باصاً للنقل في مدينة الباب مكتوب عليه لمهجري الغوطة، ألا يدعو ذلك للانقسام والمشاحنات، وعندما تقف عند سيارة شحن توزع مساعدات بإشراف جيش الإسلام، وتتقدم لتسألهم يجيبون بأنه فقط لأهالي الغوطة، إن هذه الأفعال تذكرنا بأفعال عناصر تنظيم (داعش) التي كانت تقدم دعمها فقط لعناصرها ولكسب الولاءات».
في النتيجة؛ أن ما هو أكيد أن العديد من انضموا إلى هذا التنظيم كان لأسباب اقتصادية، وحين نركز على كلمة «التأكيد» لأن تجارب سابقة وعديدة ما تزال في الذاكرة. وتتذكر المعارضة جيداً حين تخلّى بعض مقاتلي #الجيش_السوري_الحر عن مواقعهم، وانضموا لـ«جبهة النصرة» للسبب عينه، إذا كانوا يقبضون60 دولاراً شهرياً، وحين عرضت عليهم الجبهة 300 دولار شهرياً انضموا إليها فوراً، والأنكى أن قسم من هؤلاء التحقوا فيما بعد بتنظيم «داعش» الذي عرض عليهم رواتب أعلى من الجيش الحر والجبهة معاً!

إعداد: حمزة فراتي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.