علي الكرملي

على غير العادة في عراق ما قبل ٢٠٠٣، انتَشرَت مُنظّمات المُجتمَع المَدَني في عراق ما بعد ٢٠٠٣ كالسيلِ الجارف، إذ ما تَنْفَكّ من سَماع إنشاء مُنظّمة حتى تسمَع بانطلاق الثانية، وهكذا، فاستمرٍت بالتكاثر، حتى لا تكاد تخلو محافظة من عشرات المقرّات التابعة للمُنظّمات، ولن تمر من حَيّ أو منطقة أو شارع في #بغداد دون أن تجذب انتباهك (يافطة) تُبرز اسمَ هذه المُنظّمة أو تلك.

هكذا هو الحال في #العراق، العشرات بل المئات من #المُنظّمات التي وجدَت لها أرضاً خصبَةً في (#بلاد_الرافدين)، مُستَغِلَّةً حالَةَ #الفوضى والحروب والدمار والهزّات التي تمر بها البلاد، لتّمارس عملُها بحُرّية دونَ رقابَةٍ علَيها، فحقّقَت بعضُها إن لم تكُن كثيرها مطامحُها ومآربها التي أرادَتها منذ الوهلَة الأولى، بجَنب المُعلَن منها، من نهضَة وتوعية للمُجتَمَع، وإن كانَت الأخيرة لم تتحقّق إلاّ هامشِياً.

«قدمت #منظمات_المجتمع_المدني، مجموعة ليست بالقليلة من البرامج العامة والمتخصصة أيضاً، فاستطاعت أن تصل إلى شباب من أديان وطوائف مختلفة لتجمعهم سويةً، ومن ثَمَّ ينطلقون لاستكمال ما بدأوا به، ناهيك عن وجود الحوارات بين فئة الشباب والطبقة السياسية وغيرها»، يقول الناشط والصحفي “علي عبد الزهرة”.

ويضيف لـ ”الحل العراق“، «لكنها لم تُحقّق الهدف المنشود بعد، وذلك لأن مخرجات تلك البرامج لا تتناسب وحجم مدخلاتها، والدليل واضح للعيان، فالمنظمات هذه تدين نفسها، بإعادة إنتاج برامج سبق وأن تم تنفيذها من قبلها في وقت مَضى».

«أي بمعنى أن البرامج غير ذات جدوى، لأنها غير مبنية على أساس سليم، بتشكيل بنية حقيقية لتطوير هذه الشرائح من المجتمع، وهذا الكلام يشمل الأغلب، وليس جميع منظمات المجتمع المدني، إذ توجد نماذج جيدة نوعا ما، لكنها معدودة»، مُوضّحاً

مهنةٌ للمنفعة المادية دون منفعة المجتمع

جل منظمات #المجتمع_المدني المنتشرة في العراق من شماله وإلى جنوبه، تعمل ومذ سنوات ليست بالبعيدة ولا بالقريبَة، على ترسيخ بعض المفاهيم والموضوعات للمُجتمع والمُشاركين في #الورشات التي تُقيمُها، وتحاول جاهدة أن تُطَبّعها في أدمغتهم، من خلال التكرار ولا شيء سوى التكرار، فما هي تلك المواضيع؟

«لا يمكن حصر الموضوعات التي ركزت عليها المنظمات، فالمنظمات كثيرة وكل منها تعمل بتوجهٍ مختلف، لكن حسب اختلاطي وعملي مع البعض كمشاركة في ورشٍ تدريبة فإنَّ المواضيع تركزت بين #بناء_السلام والحوار ورصد خطابات الكراهية، بالإضافة إلى ترسيخ مفاهيم المواطنة الحاضنة وغيرها»، تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان “أنسام البدري”.

وتُضيف لـ ”الحل العراق“، «فضلاً عن أن بعض المنظمات تركّز على الموضوعات التي تشغل الرأي العام في الوقت الحاضر من ظواهر غير انسانية، وسير عمل الحكومة في مختلف القطاعات، وما إلى ذلك، لكن يمكن القول أن أبرز الموضوعات التي اجتمعَت جميع المنظمات في تناولها دون اختلاف، هي (التحرر، والتنوع، تمكين المرأة، وتمكين الشباب)، بالإضافة  إلى دعم #الأقليات، ودعم #النازحين،».

ثمّة العديد من المنظمات، تُقيم وتعقُد الورش والدورات في مناطق سياحية داخل البلاد أو خارجها في بلدان مجاورة وأُخرى تبتعد في رقعتها الجغرافية، وتمتد أحياناً لتعبر حدود القارات، فترى سيل من المتقدّمين على تلك الورش لغرض ربح تذكرة البعثة والسفر، أكثر من أي شيء أو غرض آخر، أي لا اهتمام بمحتوى ما سيتعلّمه أو يتلقاه، المهم هو المُتعة.

«في الوقت الحالي، ومن خلال متابعتي لهذا المجال وتجاربي فيه، تأكّدت أن جُلّ المنظمات المعنيّة بالمجتمع المدني قَد أَمسَت (مهنة) تُمتهن للمنافع المادية أولاً وبشكل رئيس، ليأتي بعدها التفكير بالمنافع العامة للمجتمع، بل إنه حتى أغلب المِشاركين في الورش والدورات التي تُقيمُها المُنظمات، باتوا يُشاركون لأجل المنفعة الخاصة، لا للتعلّم، وتطبيق مشاريع الورش مُستقبلاً»، يقول الناشط والإعلامي “أيمن أحمد”.

مُبيناً في حديثه لـ ”الحل العراق“، إن «أغلب المشاركين حال وصولهم إلى الورشة في المنطقة المُنعقدة فيها، يتركون (اللب) ليتشبثوا (بالقشور) – المرح – وللأسف بعض المنظمات لا تعير ذلك أيما اهتمام، تُمارس الأمور (الشكلية) ولا يعنيها الباقي، فما يهمُّها هو كسب الأموال والتصوير وما شابه ذلك».

أهدافٌ غير واضحة لمصلحة الجهة المُموّلة

كل المُنظمات التي تعمل في العراق، وحتى تلك التي تعمل في بقية بلدان العالم، تأتي إلى الجمهور والمجتمع، على أنها صاحبة رسالة سامية له، وتسعى إلى تطويره وتلقينه على التعايش السلمي والحوار البنّاء وبناء قيَم المواطنة الحقيقية لديه، ذلك هو من خططها نعم، لكن هل ذلك سيَدُرُّ عليها بشيء؟، فمن غير المنطقي أن لا تحمل أي منظمة مهما اختلَفَت تطلُّعاتها، أهدافاً خاصّة تسعى نحوَها.

تقول الناشطة المدنية، والعاملة في إحدى مُنظمات المجتمع المدني،” رُؤى العُبيدي” لـ ”الحل العراق“، إنه «بعد عام ٢٠٠٣، بدأ عمل المنظمات الدولية في العراق بعدد قليل، جلها تعمل في الجانب الإنساني، قد يكون البعض منها تعمل فعلاً بصدق لصالح المجتمع والنهوض به، لكن في الوقت الراهن تسعى كثيرُها لبث بعض الأفكار التي ترسمها سلفاً من خلال دس السم بالعسل لتحقيق مآرب شخصية».

«المنظمات (جميعها) لا تخضع إلى الرقابة المشددة من دائرة المنظمات، نتيجة ذلك ازداد عددها بشكل مفرط، وأغلبها غير واضحة أهدافها، إذ أن لكل منظمة أهدافها الخاصة والعامة، وما يطرح هو الهدف العام، أما الخاص فلا يعلم ولا يعرف به إلا السائرون في أغوار هذه المنظمة أو تلك، والقائمون عليها، بالتالي لا يمكن القول أن هناك أهداف سامية، فحتى السامية، في جانبها الآخر، فائدة للجهة الممولة والمؤسسة»، تُضيف.

غير ربحية.. شعارٌ موحّد للجميع والهدف مُبهم

هُناك العديد والعديد من المُنظمات التي توجد في العراق، بخاصة في العاصمة (بغداد) تقول وتدّعي بأنها مُنظّمات (غير ربحية) ولا تسعى إلى الربح مُطلقاً، إنّما هدفها الأول والأخير هو التوعية والتمكين والنهوض بالمجتمع لا غير، ولكن كيف ومن أين يُمكنها تدبير وتوفير المكانات والأمور اللوجستية، وكذا تمويل الأفراد العاملين فيها إن كانت هي (غير ربحية) كما تقول؟

يقول مُدير إحدى المُنظّمات سابقاً لـ ”الحل العراق“، إن «المنظمات غير الحكومية، جميعها حسب قانون دائرة المنظمات التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء، هي منظمات (غير ربحية)، لكنها تدبر أمورها المادية عن طريق المنح، إذ أن أغلب تلك المنظمات التي تدعي أنها (غير ربحية) هي من الممكن أن تكون كذلك، لكنها مدعومةٌ من جهةٍ سياسية أو دينية أو حزبيّة».

ويُبيّن، «كل المنظمات، تهدف للربح رغم أنها ترفع شعار (منظمة غير ربحية)، والمطلع على المبالغ المرصودة للمشاريع التي تنفذها هذه المنظمات، سيصدم بمبالغ قد تصل إلى أضعاف الموازنة العامة للبلد، هذه المنظمات تمولها منظمات وسفارات ودول لتنفيذ المشاريع التي تعمل عليها، هذا غير أن بعضها مدعومةٌ من جهاتٍ سياسية تخضع لدول الجوار والمنطقة».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.