يسعى النازحون من أهالي #داريا في #ريف_دمشق بكل طاقتهم للعودة إلى مدينتهم، بعد سنوات من النزوح القسريّ عنها بسبب الحرب. لكن تلك العودة تصطدم بعوائق وإشكالات كبرى، قد تُختزل بالتقصير الحكومي، والسياسة الانتقائية التي تتبعها الأفرع الأمنية بحق الأهالي الرغبين بالعودة.
فبالرغم من الحديث المكثف عبر الإعلام عن عودة أهالي داريا إلى مدينتهم، إلّا أنّ عدد الأسر التي استقرت فيها لم يتجاوز 300 أسرة، وذلك بسبب عدم جاهزية الخدمات في المدينة، وعدم إعطاء أذونات العودة لمعظم النازحين منها.
كما أنّ تكاليف العودة والاستقرار في المدينة عالية، ومعظم النازحين يواجهون أزمات معيشية واقتصادية، في ظل الانهيار الكبير في الاقتصاد السوري بشكل عام.

إجراءات أمنية مشددة وأذونات دخول محدودة
يتوجب على الراغبين بالعودة إلى “داريا” تسجيل أسمائهم لدى الحاجز الأمني المثبت على مدخل المدينة، وبعد ذلك يتم رفع الأسماء للدراسة الأمنية من قبل كافة أفرع المخابرات، ومن يوجد لديه أو لدى أقربائه (مشاكل أمنية) يتم رفض دخوله، ويتم تجاهل إيراد اسمه لدى المكتب التنفيذي لمدينة داريا (القائم بأعمال المدينة حالياً).

وقد اشتكى مئات المدنيين من عدم ورود اسمهم في قوائم الدخول المعلنة على الرغم من مرور أشهر على تسجيلهم.
وبحسب مصدرٍ من الأهالي (رفض التصريح عن اسمه لأسباب أمنية) فإنّ الأذونات الممنوحة للعودة قليلة العدد، وهناك عشوائية في العمل، وتراشق للمسؤولية عن ذلك بين المكتب التنفيذي والجهات الأمنية المسؤولة عن المدينة.

وأشار المصدر إلى أنّ معظم المسجلين في طوابير الانتظار للحصول على إذن الدخول، يعانون من اختلاف أرقام تسجيلهم، ففي حين يتم منحهم رقماً للدخول، يختلف ذلك الرقم عند وصولهم ويُمنع دخولهم، إضافةً للمعاملة السيئة التي يتعرضون لها عند السؤال عن سبب ذلك.

تجاهلٌ حكوميّ وإعادة إعمار ذاتية
لم تقدم حكومة دمشق الدعم اللازم لمجلس داريا الذي يسعى بكل طاقته لإعادة إعمار المدينة التي تعرضت لواحد من أعنف الحملات العسكرية في سوريا، حيث تجاهلت معظم طلبات المخصصات من الوقود والآليات، ما دفع المكتب التنفيذي لطلب الاجتماع بأصحاب الآليات من المدينة، وبعد اجتماع كان عنوانه “من لا يأكل بيده لا يشبع” تم الاتفاق على تنظيف شوارع المدينة ونقل الأنقاض التي لا تزال فيها منذ سنوات بشكل طوعي ودون انتظار الجهود الحكومية، التي يبدو أنّها لن تكون.

ومع تقصيرها في المجالات الخدمية فإنّ حكومة دمشق لم تكن أفضل حالاً في التعامل مع المساجد المهدّمة بفعل القصف، فتجاهلت تماماً تقديم ما يلزم لإصلاحها وترميمها أو إعادة إعمارها، ما دفع الأهالي لجمع مبالغ مالية فيما بينهم، وقاموا بترميم مسجدين ليتسنى لهم الصلاة في مدينتهم التي غابوا عنها لسنوات، وعلى الرغم من عدم تقديم المحافظة لأي دعم، إلّا أنّ صفحات إعلامية محسوبة عليها تبنت الترميم واحتفت به وكأنّه مشروع مدعوم بالكامل من المحافظة.

أعمال سريعة ومطالب بالتحسين
لوحظ على المشاريع التي نفذها المكتب التنفيذي للمدينة والفرق التطوعية انخفاض الجودة، والسرعة في التنفيذ، وذلك لتعجيل العودة إلى المدينة قدر المستطاع، ومباشرة الاستفادة من المنشآت التي تضررت بشكل جزئي، وأظهرت الصور الواردة من المدينة تُظهر تآكل أبنية المدارس، وعدم طلاء جدرانها أو صفوفها لتأمين أجواء إيجابية للطلاب.

وينطبق الحال ذاته على معظم المشاريع في المدينة، التي لم يتم إمدادها بالكهرباء أو إصلاح شبكة المياه فيها بشكل كامل، أو تعويض عدادات المياه التي تم “تعفيشها” من قبل عناصر القوات النظامية، ومع ذلك فإنّ الأهالي يطمحون للعودة ولو على ركام المنازل، فقد اكتفوا من مرارة النزوح لأكثر من سبعة أعوام.

ممنوعات كثيرة وحياة عنوانها الحذر “وتمسيح الجوخ”
يعيش الأهالي الذي حصلوا على إذن العودة في داريا بحذر كبير، لأنّ “الغلطة بكفرة” والخطأ عاقبته وخيمة، و غالباً يضطرون للسؤال عن كل خطوة قبل تنفيذها، حرصاً على ألّا تكون محظورة أو ممنوعة، وعلى الرغم من ذلك فقد وقع البعض في الخطأ ودفعوا ثمنه، حيث تم إخطار الأهالي بالسماح لهم بترميم منازلهم وإعادة إعمارها، قبل أن يتفاجأ قسم منهم بورشات من محافظة ريف دمشق تقوم بهدم المنازل التي أعادوا تشييدها من جديد بحجة عدم وجود ترخيص، مع التهديد بالمحاسبة والمساءلة في حال تكرار “المخالفة”.

ودفع الخوف من الانتماء لداريا والحاجة لإظهار الولاء للنظام بعض الأهالي بالزج بأبنائهم في صفوف القوات النظامية، مقابل الحصول على مزايا إضافية أو الأمل بنجاة من الممارسات التعسفية للنظام بالقول “أنا بعثت ابني على الجيش” أو “ابني عسكري وكلنا بخدمة الوطن”، كما يحاول البعض إثبات الانتماء من خلال دفع مبالغ مالية لضباط ومسؤولي النظام بشكل دوري تحت مسمى الهدايا.

وتبقى مدينة داريا واحدة من رموز الحراك الثوري وفي سوريا، فقد قدمت خلال سنوات طويلة من الحصار ما عجزت عنه مناطق مفتوحة الإمداد والدعم، وصمدت أكثر من خمسة أعوام بوجه حملات النظام العسكرية، كما وتعرض أهلها لانتهاكات إنسانية كثيرة، كان أبرزها #مجزرة_داريا التي ارتكبها عناصر النظام بعد اقتحام المدينة في آب 2012، ولا يزال الآلاف من أبنائها في سجون النظام، على الرغم من الوعود التي قطعت لهم بالسعي للإفراج عنهم، فهل تعود لها الحياة في ظل المحاولات الحثيثة من أهلها ومسؤوليها المحليين، أم أنّ للنظام وحلفائه كلمة أخرى؟.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.