أعلنت أنقرة هذا الأسبوع عن قمة ثلاثية حول سوريا ستعقد بين زعماء تركيا وروسيا وإيران، بالعاصمة التركية في 16 أيلول/سبتمبر الجاري، بهدف بحث التطورات في إدلب، واتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي تعيشه المحافظة.
لكن القمة القادمة تأتي بعد اجتماع ثنائي لرئيسي تركيا (رجب طيب #إردوغان) وروسيا (فلاديمير بوتين) في موسكو، بعيداً عن أي حضور إيراني، حيث جرى الوصول إلى اتفاق “لإزالة بؤر العناصر الإرهابية في منطقة إدلب”.

إيران العجلة الثالثة
يشير وجود “العجلة الثالثة” إيران في اجتماع الزعماء القادم إلى أن الدول الثلاثة مازالت مصرة على إبقاء شكلية “آستانا”، التي تعد نواة أي اتفاق يجري في الشمال السوري، حيث ينوب الأتراك عن المعارضة، بينما تنوب إيران وروسيا عن دمشق والميليشيات الأجنبية الشيعية بما في حزب الله.
قالت روسيا صراحة إنها تريد للعناصر الإيرانية والجماعات الموالية لها أن تخرج من سوريا، وبوادر الخلاف بين الجانبين تجلت عند وقوع اشتباكات بين فصائل حكومية مدعومة من موسكو وعناصر الحرس الثوري، في حلب، ومناطق أخرى في سوريا.

مرحلة مساومات ميدانية جديدة
الوضع العسكري في إدلب اليوم يتجلى بوجود قوي لهيئة تحرير الشام (نواتها جبهة النصرة)، وتقدم مستمر للجيش السوري بدعم روسي، وشبه غياب لأي وجود إيراني، أو للفصائل السورية المعارضة المدعومة من أنقرة.
فصائل “غصن الزيتون” الموالية لتركيا تتحجج بهيئة تحرير الشام لعدم تدخلها لحماية إدلب من الجيش السوري، بينما غياب الدوري الإيراني يعني شيئاً واحداً، وهو أن روسيا، الجهة الأقوى في مناطق غرب الفرات لا ترحب بامتداد النفوذ الإيراني، خصوصاً في منطقة ذات أغلبية سنّية، قد يحدث فيها عمليات انتقامية بناء على الدين أو الطائفة أو الولاء السياسي.
وتؤكد مصادرنا -على عكس ما يُشاع- عدم مشاركة أي مقاتل إيراني أو تابع لحزب الله في معارك إدلب الأخيرة، أو بعبارة أكثر دقة، عدم السماح لأي منهم بالمشاركة، والاكتفاء بمشاة الجيش السوري، وطيران الجيش الروسي.
ويؤكد غياب العنصر الإيراني المعروف “بشراسة” قتاله على الأرض، أن مرحلة جديدة من المساومات الميدانية قد بدأ، إذ من النادر أن يغيب مقاتلو حزب الله والحرس الثوري عن المعارك الكبرى، والتي لها دور في تغيير المعطيات الميدانية.

خلاف على تقاسم المكاسب
أيار العام الجاري شهد أول خلاف موثق بين روسيا وإيران، حين قامت الشرطة العسكرية الروسية بشن هجوم ضد مسلحين مدعومين من إيران، كانوا متمركزين في مطار حلب الدولي، وعقب الهجوم، اعتقلت الشرطة العسكرية الروسية عددا من زعماء الميليشيات الإيرانية، في ما عده البعض حلقة أخرى ضمن التوترات القوات الإيرانية والروسية في سوريا، بحسب ما ورد في تقرير لـ “صوت أمريكا”.
وأفاد المحلل المختص بالشؤون الإيرانية (فيليب سميث) بحديث سابق لـ “صوت أمريكا”، بأن “هناك خلافات واضحة بين روسيا وإيران داخل سوريا… تستطيع أن ترى مثل ما حدث مؤخرا في حلب وبؤر التوتر، بسبب استمرار النشاط الإجرامي هناك. كل طرف يريد قطعة من السلطة”.
وأضاف سميث قائلاً: “أعتقد أن الأمر يعود لنقطة (من يتحكم في ماذا)، وما طبيعة السلطة التي يتقاسمها كل منهم. لكن لا أعتقد بالضرورة أن هذا سيؤدي إلى خلافات كبيرة بين القوات الإيرانية والروسية هناك”.

جذور المشكلة بين طهران وموسكو
وتعود جذور الخلافات الإيرانية الروسية إلى ملفات غير سورية، إذ أن موسكو تنادي صراحة بدعم تل أبيب، وبالمقابل، كانت مساجد طهران في كل جمعة تهتفُ “الموت لإسرائيل.. الموت لأمريكا”.
وترى طهران أن “تيار المقاومة” الذي تتزعمه، لا يتناسب مع التوجهات الروسية المحابية لإسرائيل، والمتوافقة بشكل أو بآخر مع واشنطن، إذ لطالما كانت اجتماعات “لافروف – كيري- منذ جنيف 1 في العام 2012، هي التي يُبنى عليها مواقف سياسية وميدانية استراتيجية.
وتعزز الخلاف الإيراني الروسي في سوريا، بعد دخول الجيش الروسي بشكل رسمي في الصراع السوري أواخر العام 2015، وجاء الدب لينهش من الكعكة السورية الهشّة أصلا، فاستحوذ على النفوذ في المنطقة تلو الأخرى، من حلب إلى حمص وصولاً إلى دمشق والجنوب.
ووضعت موسكو يدها على الفوسفات والغاز والمحصولات الزراعية، بالإضافة لاستيلائها مؤخراً على المرفأ الرئيسي في طرطوس، وعلى مطار دمشق الدولي، بينما كانت موسكو تغض الطرف عن كل الضربات الإسرائيلية، والتي أوجعت طهران في عقر دار الأسد.

دعم دمشق أتعب إيران المنهكة
منحت الحكومة السورية للروس ميزات وعقود طويلة أجل تحقق لموسكو مكاسب اقتصادية جيدة، بينما بقت إيران المنهكة اقتصادياً مصدر تمويل لدمشق، ويبدو أنها تعبت من هذا الدور الذي عزز كراهية الشارع السني في الشرق الأوسط لطهران ونهجها في المنطقة.
وحاولت الحكومة في دمشق إرضاء الإيرانيين للتأكد من استمرار الدعم الإيراني، ما اضطرها مطلع هذا العام إلى توقيع 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم “لتعزيز التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي والعلمي والثقافي والبنى التحتية والخدمات والاستثمار والإسكان”.
الاتفاقيات الجديدة رغم قلة أهميتها بالمقارنة مع العقود التي جرى توقيعها مع طهران تغضب الروس، فموسكو ترغب أن تكون القوة الوحيدة التي تسيطر على سوريا، فهي في النهاية دولة عظمى تتحكم بفرض الشروط، وخصوصاً أنها الدولة الوحيدة التي تملك قوة جوية تقاتل في سوريا بدعم من العاصمة.
ويبدو في المحصلة أن إيران “طلعت من المولد بلا حمّص” فهي التي عملياً من قدمت مقاتليها ودمائهم على جبهات المعارك، بينما الروسي بقي يقاتل من السماء “في الملعب النظيف” لكن تتجلى سياسة الغابة، والبقاء للأقوى على الأرض السورية، إذ لا يمكن لطهران أن تقارع موسكو او تناحرها أو حتى تنافسها، بل ستبقى محدودة الإمكانيات والمساحة.. وقطعتها من الكعكة “تناسب حجمها” بالنسبة لأحجام الدول الكبار المتصارعة في سوريا!

وماذا عن المستقبل في الشمال؟

وبالعودة إلى شمال سوريا، حيث يسود الترقب للخطوة التالية بالنسبة لما سيجري، إلا أن أغلب التوقعات تتجه إما لاستكمال العمليات العسكرية السورية الروسية، وتقدم سريع وصولاً إلى معرة النعمان، وبالتالي تأمين كامل طريق حلب الدولي بقوة السلاح، أو إلى تسوية سياسية تفضي بانسحاب فصائل المعارضة من جانبي الطريق الدولي، وإعادة الحياة للطريق الذي يصل حلب بدمشق واللاذقية.
وفي كل الاحتمالات، يبدو أن الروسي والتركي، ومن الخلف أميركا، هم من يقررون خواتيم الأمور، أما السوري والإيراني، فيكتفون بالمشاهدة، أو أحياناً غضّ الطرف!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.