مؤشرات تصاعد الصراع الروسي-الإيراني، لم تعد خافية على أحد؛ على الرغم من أن تدخلهما في سوريا، كان بحجة مساعدة السلطة السياسية، وإنقاذها من السقوط أمام كبر حجم الاحتجاجات الشعبية السلمية منذ 2011، إلا أن طول الحالة واستمرارها وضعتهما في مأزق المستنقع السوري، فتحول التدخل من أجل إنقاذ نظام الحكم إلى تنافس على من يستحوذ أكثر على مناطق النفوذ وتوزيع كعكة الاقتصاد السوري على بعضهما، والذي كان سبباً في تنامي هذا الصراع وظهوره على السطح، وأضحى يتجه للتصعيد على جميع الأصعدة وفي مختلف المجالات، فروسيا التي ساندت القيادة السورية عسكرياً على الأرض، وسياسياً في المحافل الدولية، وحتى اقتصادياً لا تقبل بأن تتم منافستها من أيّة دولة، حتى وإن كانت الحليفة إيران التي قدمت دعماً عسكرياً واقتصادياً هائلاً للحكومة السورية طيلة السنوات الثماني الماضية.

وبرز الخلاف الروسي الإيراني مؤخراً بشكلٍ واضح، حتى أصبح واضحاً للعيان ما يتم بين الحليفين اللدودين من صراع على المكاسب والنفوذ في البلد التي جعلها السلطات الحاكمة مزرعةً للأطراف الدولية الطامحة للظفر بمقدراتها والحصول على ما يمكن من ثرواتها بأيّة وسيلة.

جنوب دمشق وسباق السيطرة

تشكّل منطقة جنوب دمشق مركزاً للتنافس الإيراني الروسي، فبعد أن أحكمت #إيران قبضتها على منطقة «السيدة زينب» وجعلت منها قلعتها الحصينة في محيط العاصمة، حاولت بسط نفوذها إلى مناطق أخرى مثل (الحسينية، الذيابية، وحجيرة)، إلّا أنّ #روسيا لم تسمح بذلك، فسارعت لتوجيه الحكومة السورية إلى العمل على إعادة النازحين من هذه القرى بشكل سريع، حتى مع عدم جاهزيتها خدمياً، وذلك بعد نشاط كبير في حركة بيع العقارات في هذه المنطقة نتيجةً لسياسة السماسرة المتعاونين مع جهات إيرانية المتمثلة بتأكيد استيلاء إيران وميليشياتها على هذه المناطق بشكل دائم، لدفع أهالي المنطقة للبيع والتخلي عن فكرة العودة.
في الجهة الأخرى عملت روسيا على نشر عناصرها في مناطق (يلدا، ببيلا، وبيت سحم)، التي كانت هدفاً مباشراً للميليشيات المدعومة من طهران، منذ أن كانت تحت سيطرة المعارضة، وحتى بعد تنفيذ اتفاقيات المصالحة فيها، كما بسطت نفوذها على أحياء مخيم اليرموك، الحجر الأسود، والتضامن)، وباتت المتحكم الأول بها واستفادت من بعض المزايا الموجودة فيها في صفقات دولية.

تنسيق الحليف مع العدو غير المشترك

استهدفت إسرائيل القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها في سوريا، بضربات منظمة عدّة، ما تسببت لها بخسائر بشرية وتقنية وعسكرية كبيرة، وجاءت هذه الضربات على الرغم من التحصينات والترتيبات الأمنية الإيرانية العالية، لتُعلن روسيا في وقتٍ لاحق علمها وتنسيقها مع إسرائيل بما يخص الضربات التي تستهدف بها إسرائيل مواقع داخل سوريا، الأمر الذي زاد من الشرخ وأظهر حدة الخلاف بين الطرفين المناصرين لحومة السورية وقيادتها.
وعلى الرغم من الاستهداف المتكرر لمواقع النظام الحيوية والنقاط الإيرانية، إلّا أنّ روسيا أصرّت على التنسيق مع إسرائيل، لا بل وساعدتها في الحصول على رفات الجندي «زكاري بوميل» المفقود منذ حرب 1982، حيث عُثر عليه بعد البحث في مقبرة مخيم اليرموك، مع الاعتماد على معلومات من المخابرات السورية السرية حول مكان الدفن الذي بقي مجهولاً لأكثر من ثلاثة عقود، فزاد هذا الأمر الطين بلّة فيما يخص العلاقة الروسية الإيرانية.

انقلبت الآية في داريا… إعمار الكنيسة وإهمال المقام
حاولت إيران شراء الأراضي بأسعار مرتفعة حول مقام «سكينة» المزعوم، لبسط سيطرتها في المدينة المتاخمة للعاصمة، إلّا أنّ روسيا أخطرت مجلس المدينة بضرورة توعية السكان وعدم بيع منازلهم بأي ثمن، مع التأكيد على اقتراب عودتهم إليها، فتوقفت حركة البيع بشكل كامل، ولم تتمكن إيران من تحقيق هدفها بتشكيل قوة جديدة لها في ريف دمشق بعد منطقة «السيدة زينب».
وسعت روسيا بعد ذلك على تنمية المشاريع الخدمية ولو على حساب الأهالي ذاتهم في حال تقصير المحافظة، وتم إبلاغ المسؤولين فيها على ضرورة تنظيف وتجهيز المنطقة المحيطة بكنيسة داريا، والعمل على إعادتها للعمل بأي شكل، ولو كان ذلك بتكاليف منخفضة وأعمال مؤقتة لحين صرف مخصصات لترميمها بشكل كامل، وقد أشرف مسؤولون من النظام على هذه العمليات التي بدأت قبل أسابيع ومن المقرر أن تنتهي خلال أيام، وفي الوقت نفسه لم يتم تسجيل أية مشاريع في محيط مقام سكينة الذي كانت تسعى إيران لتشييده من جديد وتثبيت نقاط لها فيه.

ولم يعد خافياً على أحد تطور التنافس الإيراني الروسي ليتحوّل إلى خلاف كبير، فبعد سنوات من البذل السخي في الحرب يسعى الطرفان الأكثر تأثيراً في سوريا لتحصيل المكاسب، ولكن كل طرف في اتجاه يرى نفسه الأكثر تضحيةً، وبالتالي الأكثر استحقاقاً لجنيّ الكم الأكبر من الأرباح، فهل سيتطور الخلاف بين الشريكين السابقين إلى حرب نفوذ، أم أنهما سيجدان طريقاً مشتركاً لتقاسم «غلال الحرب» التي أِوقدوا نارها طيلة السنوات التسع الماضية؟
إن الإجابة على ذلك السؤال ستؤكده الوقائع على الأرض، مع إصرار روسيا على أنها قادرة على الإمساك بالورقة السورية على «طريقتها»، وفرض التسوية السياسية، أو حسب الوصف المتداول دولياً «الحل السياسي» والتي تعزز نفوذها وتخدم مصالحها. لأن المؤشرات التي تحدثنا عنها في المقدمة، تؤكد أن التنسيق لم يعد موجوداً وما زرعه الطرفان في سوريا يجب أن يحصده طرف واحد، وهو ذاته الذي سيحاول أن يكون المستحوذ على إعادة الإعمار منفرداً!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة