كغيرها من مؤسسات الدولة، تغلغل الفساد في مؤسسات الجيش السوري من أصغر نقطة حراسة إلى أكبر معبر حدودي، ولعلّ أي شخص سافر إلى لبنان يلاحظ كيفية دفع السائقين للرشاوي على العلن. إذ ينتقل السائق من حاجز إلى آخر وكل نقطة لها تسعيرة مختلفة، فحاجز الرابعة يأخذ باكيت مالبورو والجمارك تتقاضى أتاوة وقدرها خمسمئة ليرة سورية، أما باقي الحواجز فمئتا ليرة تفي بالغرض.

وواحدة من أشهر طرق الفساد في الجيش هو ما يُعرف بـ «التفييش»، إذ يضطرّ أي جندي إلزامي لدفع مبلغ مالي بشكل دوري أو شهري لكي يُعطى حقه في الإجازة والنزول إلى منزله لرؤية عائلته وأبنائه.

وهذا ما حصل مع ضياء (اسم مستعار) إذ سُحب من أحد الحواجزا العسكرية لأداء الخدمة الاحتياطية، لكنه حاول كثيراً أن يجد أي طريقة تُعيده إلى عمله، ليُعين عائلته ويستكمل أجار منزله وأقساط أغراضه.

وكما هي العادة أيضاً في أي قطعة عسكرية هناك ما يُسمى بـ «المفتاح» وهو صلة الوصل بين الضابط المسؤول وبين الجنود، لكي لا يكون الضابط في الواجهة.

تواصل ضياء (33 سنة) مع المفتاح، وبالفعل توصّل معه إلى اتفاق يقضي بأن يأخذ الضابط كامل مرتبه الشهري وقدره أربعون ألف ليرة بالإضافة لمبلغ خمسين ألف ليرة، مقابل أن ينزل ضياء من القطعة العسكرية، وشطب اسمه من جدول المناوبات ويحضر فقط في حالات الطوارئ والاستنفار.

وبالفعل بقي ضياء على هذه الحالة منذ العام 2017، لكنه تفاجئ في الأشهر الأخيرة بازدياد طلبات الضابط، فصار يطلب مع المبلغ المتفق عليه سابقاً، أموراً مثل حلويات فاخرة أو إصلاح سيارته أو رخام من أجل كسوة منزله، وكان يجهد ضياء في تأمين هذه المتطلبات لكنه في النهاية عجز عن تنفيذها.

ينقل لنا ضياء أن الضابط انفجر غضباً منه حين علم أنه لا يستجيب للأوامر بشراء الأغراض التي تلزمه، فوقع أمراً بنقل ضياء من ريف درعا إلى جبهة إدلب حيث المعارك المتحدمة.

وقع ضياء في حيرة من أمره، فالذهاب إلى إدلب هو الموت المحتم بالنسبة له فهو غير متدرب على القتال، وجسمه لا يساعده في الحركة والركض كالشباب العشريني، لذلك قرر أخيراً أن يستدين مبلغاً من المال من أجل إحضار الرخام المطلوب.

يتابع ضياء والذي يمثل حالة من آلاف الحالات من الجنود الواقعين في كابوس الخدمة الإلزامية، أن الضابط لم يقبل بالرخام، وطلب خمسة ليرات ذهب كاملة من أجل شطب اسمه من مهمة إدلب (قيمتها حوالي مليون ليرة)، ورضخ الأخير للأمر وراكم ديونه واشترى للضابط الليرات المطلوبة.

ولدى السؤال والاستفسار عن حالات مماثلة، خرجت مئات القصص المشابهة، فالضباط يطلبون طلبات خيالية من الجنود لكي لا يتم إرسالهم إلى المناطق الساخنة أو حتى يسمح لهم بالنزول ولو إجازة صغيرة.

كما يحرم الجنود أبناء الطبقة الفقيرة والغير قادرة على دفع الأتاوات، من حقهم في الإجازات والنزلات الدورية، وبقي أحدهم وهو من دير الزور مدة ثمانية أشهر متواصلة دون أن يتمكن من النزول ولو لإجازة واحدة وذلك بسبب عدم تمكنه من جمع المال الكافي لإعطائه للضابط!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.