أسهمت الهجمات على المنشآت #النفطية_السعودية، يوم السبت الماضي، في تغيير قواعد الاشتباك في الصراع والتنافس الذي تشهده المنطقة.

وذلك من خلال اختيار أهداف غاية في الأهمية ترك استهدافها تداعيات على #الاقتصاد العالمي برمته، كما أن دقة التنفيذ فرضت واقعاً جديداً سيكون له تداعيات على دول #المنطقة أمنيا وسياسياً واقتصادياً.

هل تؤدي الهجمات إلى مواجهة عسكرية في سوريا والمنطقة

ضخامة الهجمات على منشأتي #أرامكو النفطية السعودية، التي تعتبر الاقوى منذ حرب #الخليج الثانية عام 1991، أدت إلى زيادة حدة التصعيد في المنطقة، خاصةً أن الولايات المتحدة، والسعودية وجَّهوا اتهامات لإيران بـ “المسؤولية” عن هذه الهجمات.

إذ قال الرئيس الأميركي (دونالد ترامب)، بشأن الرد على الهجمات، إن الحرب هي الخيار النهائي في التعامل مع إيران، وإن هناك الكثير من الخيارات الكثيرة الأخرى قبل اللجوء إلى ذلك.

فيما حذَّرت إيران بأن ردها سيكون حاسماً إذا تم الاعتداء عليها، مشيرةً إلى أنها قامت بتحديد مجموعة من الأهداف التي سيتم ضربها، ومن بينها قاعدة “العديد” في قطر، وقاعدة “الظفرة” في الإمارات، و”الأسطول الأمريكي” في بحر عُمان.

ومما لا شك فيه أن الهجمات حملت رسائل سياسية إيرانية واضحة على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك بغض النظر إن كانت طهران أو أحد وكلائها في المنطقة كالحوثيون أو حزب الله العراقي من قام بهذه الهجمات.

فعلى المستوى الإقليمي، انخرطت إيران والسعودية في السنوات الماضية في حروب وكالة في عدد من الملفات في المنطقة، حيث يتواصل القصف السعودي على الحوثيين كما تعرضت فصائل من الحشد الشعبي للقصف.

وشهدت البوكمال بريف دير الزور، في الأيام الأخيرة قصفاً استهدف فصائل إيرانية وعراقية في مدينة البوكمال السورية، بما يخدم مصالح #السعودية في الحد من نفوذ إيران في تلك المناطق.

ولقد سعى كل طرف للحد من نفوذ منافسه، وكل ذلك كان يتم دون أن يؤثِّر على قطاع #الطاقة، إلى أن قامت الرياض منذ أشهر بزيادة إنتاجها لتعويض إمدادات طهران في السوق بعد العقوبات الامريكية عليها ومنها منع تصدير نفطها.

من شأن الهجمات الاخيرة تغيير هذا الوضع، بخاصة أن الأسلحة المستخدمة قادرة على التسبب بضرر مدمر للبنى التحتية المتعلقة بالإمدادات النفطية لـ “أرامكو”، مما قد يخلق ردعاً إيرانياً للحد من نفوذها الاقليمي ويتسبب بمشاكل داخلية سعودية.

ويوجه رسالة واضحة بأن منع إيران من بيع نفطها سيقابله منع دول المنطقة كذلك.

أما على المستوى الدولي، فإن الهجمات تأتي في إطار استراتيجية طهران للرد على العقوبات الأمريكية التي أدت إلى خنق اقتصاد إيران من خلال منع تصدير النفط وذلك بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في أيار العام الماضي.

الهجمات الأخيرة على أرامكو لا يبدو أنها منفصلة عن الهجمات، التي تعرضت لها ناقلات النفط في مضيق هرمز وخليج عمان مؤخراً، علماً أنها حدثت بعد إلغاء واشنطن الإعفاءات الممنوحة لـ 8 دول منها الصين والهند لشراء النفط الايراني مطلع أيار الماضي، وصولاً إلى إسقاط الحرس الثوري الإيراني طائرة أمريكية بدون طيار متطورة في 20 حزيران الماضي دون أن تجابه بأي رد حقيقي من الولايات المتحدة والسعودية.

لذلك فان طهران تحاول تعزيز نفوذها وإجبار الغرب على تخفيف #العقوبات عليها مقابل الحد من هذه الهجمات وتجميد أنشطتها النووية، التي تسارعت وتيرتها في الآونة الأخيرة.

أرامكو… ضربات موجعة وأكثر جرأة

على الرغم من أن هجمات أرامكو لم تكن الأولى على منشآت نفطية سعودية، إلا أنها كانت أكثر جرأةً وإيلاما ليس للسعودية فحسب، بل للاقتصاد العالمي أجمع، كون المنشأتين المستهدفتين تعتبران من أهم المرافق النفطية في العالم.

فاختيار الأهداف هذه المرة كان غايةً في الأهمية، فحقل خريص يعتبر أكبر مشروع نفطي في العالم بإنتاج يومي يصل الى 1.2 مليون برميل يومياً، فيما تعتبر بقيق أكبر منشاة لأرامكو مع قدرة على تكرير تصل الى 7 % من الإمداد النفطي العالمي.

كما أن تنفيذ الهجمات كان في غاية الدقة من خلال استخدام تكنولوجيا بسيطة نسبياً، وهي الطائرات المسيرة (درونات)، إذ تمتعت بقدرة تدميرية كبيرة على الرغم من أن المنشآت المستهدفة تقع في العمق السعودي، وتبعد مئات الكيلومترات عن الدول المجاورة للمملكة.

وأشار “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” إلى أن “الأسلحة المستخدمة في الهجمات كانت دقيقة للغاية، فعلى سبيل المثال، ضُربت جميع خزانات فصل الديزل شبه الكروية البالغ عددها 12 خزاناً وعرضها 30 متراً والمتواجدة في منشأة بقيق في وسطها تقريباً”.

وكان الحوثيون استهدفوا في أيار الماضي محطتي ضخ أنبوب نفطي، كما أعلنوا في 17 آب الماضي تنفيذ عملية استهدفت حقلاً ومصفاة نفطية قرب الحدود مع الإمارات، وتم تنفيذ هذه الهجمات باستخدام طائرات مسيرة.

الطائرات المسيرة… قدرة تدميرية عالية

على الرغم من إعلان جماعة أنصار الله (الحوثيون) مسؤوليتهم عن الهجمات الأخيرة باستخدام 10 طائرات مسيرة ذات محركات نفاثة وعادية، تصريحات وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) أنه “ما من دليل على أن الهجمات جاءت من اليمن وأن الأدلة تشير إلى ضلوع إيران”، وهو ما تنفيه الاخيرة، فإن الحقيقة الواضحة هو أن هذه الطائرات لم تهدد أمن السعودية، بل شكلت خطراً كبيراً على الاقتصاد العالمي.

وقال محققون في الأمم المتحدة إن الحوثيين حصلوا على طائرات مسيرة متطورة يمكن أن يصل مداها إلى 930 ميلاً (1500 كم).
بدوره، قال (فيم زوينينبرج) الباحث البارز في الطائرات بدون طيار في منظمة “PAX” وهي منظمة سلام هولندية إن “الطائرة المسيرة المستخدمة قد تصل تكلفة إنتاجها إلى 15 ألف دولار فقط”.

وأشار إلى أنها “أعطت الحوثيين أفضلية من خلال صعوبة اكتشافها وقدرتها التدميرية العالية، التي لا تتناسب مع تكلفة إنتاجها”.

لم تسهم الهجمات الأخيرة، في الكشف عن عدم قدرة السعودية على مواجهة الطائرات المسيرة فحسب، بل كشفت أن الاقتصاد العالمي معرضٌ للخطر في حال استمرار استهداف المرافق النفطية في المملكة، التي بلغت موازنتها العسكرية في عام 2018 نحو 67 مليار دولار، وهي أضعاف ميزانية إيران وإسرائيل العسكرية مجتمعتين.

صدمة نفطية تفوق ما حصل في الحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت

أحدثت الهجمات على “بقيق” صدمة نفطية لا تقل أهمية عن تلك الصدمات التي شهدها الاقتصاد العالمي نتيجة لإحداث تاريخية كبيرة، فيما توقع خبراء أن يكون التأثير المباشر لتلك الهجمات قصير المدى.

فقد أدت الضربة إلى خفض انتاج السعودية، ثالث أكبر مصدر للنفط في العالم، بنحو 5.7 مليون برميل يومياً، أي ما تصل نسبته إلى 5 % من الإمدادات العالمية، وهو ما يفوق الصدمات النفطية، التي حدثت اثناء الثورة الايرانية عام 1978، والحرب العراقية الإيرانية عام 1981، وغزو الكويت عام 1990.

وأسفرت الهجمات عن ارتفاع اسعار النفط بنحو 20 %، بينما قفزت أسعار العقود الآجلة في الولايات المتحدة إلى 15 %، وهو أعلى ارتفاع يومي تشهده أسعار النفط منذ 20 عاماً، إلا أنها عاودت وانخفضت جراء تطمينات من خلال تعويض السعودية انخفاض انتاجها من مخزوناتها الاستراتيجية، التي وصلت إلى 188 مليون برميل في نهاية حزيران الماضي، وسماح الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) باستخدام احتياطات الخام الاستراتيجية الأمريكية.

وقال الخبير الدولي في سياسة الطاقة، (نيك باتلر) إن “التأثير المباشر للهجمات قد يكون قصير المدى.. لقد تكيفت السوق النفطية بسهولة خلال العامين الأخيرين مع خسارتها لأسباب سياسية لأكثر من مليوني برميل يومياً من إنتاج فنزويلا وإيران”.

تأثير مباشر على الاقتصاد السعودي والعالمي

تعتبر أرامكو الرافعة الأساسية للاقتصاد السعودي، إذ شكلت على مدى 8 عقود المورد الأساسي للدخل في المملكة، ولذلك فإن تداعيات الهجوم عليها ستكون كبيرة على المستوى الداخلي.

وإن انخفاض الانتاج بنحو 50% في السعودية، كما حدث في الهجمات الأخيرة، سيؤدي إلى خسارة جزء من العائدات النفطية، التي قُدِّرت العام الماضي بنحو 111 مليار دولار.

كما أن الهجمات، قد تسهم بتقويض القيمة السوقية لشركة أرامكو، التي تقدر بـ 2 تريليون دولار، وتؤخر الاكتتاب العام على أسهمها (حيث تعتزم المملكة إدراج 5% من أسهمها في الاسواق العالمية في تشرين الثاني المقبل)، وذلك بعد أن شهد المستثمرون مستويات المخاطرة في عائدات الشركة وأعمالها المستقبلية.

في حين، قال (جيفري هالي) كبير محللي الأسواق في منطقة آسيا، والمحيط الهادي إن “الهجمات أزالت فعلياً القدرة البديلة للسعودية على زيادة خفض النفط بملايين البراميل يومياً ردًا على الأحداث العالمية، من أجل الحفاظ على أسعار النفط مستقرة”.

والأسوأ من ذلك أن الضربات شكلت تهديداً للاقتصاد العالمي، من خلال تأثر الإمدادات النفطية وهذا لا يمكن تقديره في الوقت الحالي وقد يستغرق عدة أسابيع لمعرفة مدى تضرر المنشآت المستهدفة، وكلفة إعادتها للعمل وفق مستوياتها السابقة، وقدرة السعودية على إجراء تفاهمات لتعويض انخفاض إنتاجها النفطي بخاصة أن النفط السعودي يشكل نحو 20% من احتياجات الصين الهائلة، و35% من احتياجات اليابان، بالإضافة إلى أن كوريا الجنوبية وسنغافورة والفلبين تعتبر دول مستوردة أساسية للنفط من المملكة.

هذه التهديدات تأتي في سياق صعب يعيشه الاقتصاد العالمي من خلال الحرب #التجارية بين الصين والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الحديث عن مؤشرات على ركود اقتصادي في الغرب، بالتالي فإن أي اختناق في أسواق النفط العالمية قد يؤدي إلى ازمة اقتصادية كبيرة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك مستفيدين من التصعيد الأخير كالولايات المتحدة وروسيا أكبر منتجَين للطاقة في العالم، من خلال ارتفاع الأسعار وإمكانية ضخ كميات إضافية من نفطهما في السوق العالمية لتعويض الانخفاض الحاصل.

لقد أعلن ترامب عقب الهجمات بأن بلاده أصبحت الآن المنتج الأول للطاقة في العالم، ولا تحتاج إلى نفط وغاز الشرق الأوسط.

تصريحات ترامب قد تثير تكهُّنات حول كيفية تدخلها بشأن هذه الهجمات، ومنها ما ذهب إليه المحلل النفطي في مجلة فوربس الاقتصادية الشهيرة (ثيوفانيس ماتسوبولوس) عندما قال “ربما لا تبذل الولايات المتحدة مجهوداً من أجل وقف حرب مباشرة بين الخصمين الأكبر بالعالم (السعودية وايران).. ويمكن أن توافق روسيا على مثل هذا السيناريو إذ أن أسعار النفط المرتفعة ستعود بالفائدة على منتجيها”.

ويبقى التساؤل، هل الخطوة الإيرانية بضرب منشآت نفط سعودية، ستنجح في تغيير اللعبة الاقتصادية في المنطقة، وتساهم في بيع النفط الإيراني وتخفيض العقوبات؟، أم أن الهجمات ستعزز موقف الداعين لشن ضربات على إيران لوقف تمددها في المنطقة؟

إعداد وتحرير: نوار محمود

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.