لفهم تحولات الحالة النسائية السورية في العهد البعثي، لا بد من إلقاء الضوء على هذه الحالة في ظل الدستور والقوانين السائدة في #سوريا والتي تحكم المجتمع ككل، كما يجب أن نلقي نظرة على مدى تعلمها وريادتها مجتمعياً خلال العقود الماضية، وعلى دورها في المجال الاقتصادي، وكيف عمل النظام الحاكم دؤوباً على تدجينها في تنظيم واحد “الاتحاد النسائي” ليحكم أفكارها ونشاطها وتطورها بلا رقيب.

المرأة في الدستور البعثي
ساد #الدستور_السوري “الدائم” الصادر في عام 1973 ﻛﺄﻋﻠﻰ وﺛﯾﻘﺔ ﺗﻌﺎﻗدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﻼد طوال أرﺑﻌﯾن ﻋﺎﻣﺎً، إلى أن ﺻدر اﻟدﺳﺗور اﻟﺟدﯾد ﻋﺎم 2012، والذي لم ينص في الواقع على أية فروق جوهرية في نظرته للحالة النسائية في سوريا رغم مرور حوالي نصف قرن من التحولات المجتمعية العميقة على البلاد.
أربعون عاماً والسوريات محكومات بدستور لم يذكر المرأة إلا في مادتين متأخرتين (رقم 44-45). تنص المادة 44 على: “الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة”، وبناءاً على هذه المادة لم يتم تأسيس أية جمعيات أو مؤسسات أو إصدار أية قوانين تعمل على حماية #النساء_المعنفات، أو النساء اللواتي اخترن العيش بعيداً عن أسرهن. وتكمل ذات المادة: “تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه وتحمي الأمومة والطفولة” ليجعل الدستور الدولة مسؤولة عن حماية الزواج، وليس #الحقوق المتساوية لشريكي الحياة الزوجية.

لا بد أن يلاحظ من يقرأ #الدستور_السوري أنه وبالرغم من إدعاء النظام الحاكم بأن سوريا دولة “علمانية” و “مدنية” إلا أن جوهر الدستور السوري هو أحد أهم الأدلة على أنه مشابه لكل دساتير دول الاستبداد السياسي التقليدية، من حيث مركزية التشريعات الدينية في التشريع، والميل لتعزيز المحافظة الاجتماعية. أما فيما يخص #المرأة، فلا تشير أي من القواعد الدستورية إلى دور واضح أو محدد للنظام السياسي وأجهزته فيما يتعلق بالدفاع عن حقوق النساء ومشاركتهن في المجتمع السوري. كما لا توجد أية نصوص خاصة بمسؤولية الدولة عن تأسيس تنظيمات مدافعة عن حقوق المرأة على سبيل المثال، كما لم يشر الدستور إلى مسؤولية الدولة في حماية #المؤسسات_المدنية التي تنشط في هذا المجال.

المرأة في القوانين السورية
ربما يقول البعض أن الدساتير ليست ذات فاعلية مؤثرة مباشرة على الشأن اليومي للمواطنين السوريين، ولكن لا يمكن إنكار حقيقة أن #القوانين تقوم بذلك بشكل مباشر. تمزج القوانين السورية بين القيم العرفية المجتمعية والأسس التشريعية الدينية مع بعض المحددات المدنية. ولذلك فهي بالنهاية قوانين محافظة، بعيدة عن قيم #المساواة بين الرجل والمرأة، ودائماً ما تضع المرأة في موضع تبعية للرجل، كما تكرس الولاية عليها بأشكال مختلفة، سواءاً أبوية، زوجية أو مهنية. ويبدو هذا أكثر وضوحاً في نصوص #قانون_الأحوال_الشخصية السوري الذي لم ينصف #المرأة على مدى عقود من الزمن. هذا ولا تأخذ القوانين السورية بالحسبان تدهور مكانة المرأة في السلم الاجتماعي، ولا تتخذ أي إجراء للحول دون ذلك. فهي لا تعترف على سبيل المثال بجريمة #العنف_الأسري الذي يمارس ضد المرأة، ولا تضع قوانين للحد منها، ولا تدعم أي مؤسسات أو تنظيمات لحماية المعنفات.
كما ذكرنا آنفاً، إن القوانين السورية مهادنة للطبقة الأكثر محافظة في المجتمع، وهناك اختلاف واضح بين الهوية التي تروج الدولة لها حول نفسها بأنها دولة مدنية علمانية، وبين جميع النصوص الدستورية والقانونية التي تصدرها.

المرأة السورية في قطاع العمل العام (الحكومي)
لا تشكل #النساء_السوريات إلا نسبة صغيرة من مجموع العاملين في #سوريا، حيث كانت تبلغ هذه النسبة 17% فقط في عام 2011 وارتفعت في عام 2017 لتصبح 33% بحسب أرقام مكتب الإحصاء السوري، وهي نسبة متدنية، ليس قياساً بدول العالم الأول فقط، بل قياساً بالدول المحيطة بسوريا.

لا تشكل المرأة حضوراً حقيقياً في الحياة الاقتصادية السورية بشكل عام، مما يلعب دوراً كبيراً في إقصائها اجتماعياً واعتبارها “درجة ثانية” غير قادرة على تنمية حضورها. هذا وقد ساهمت الدولة بهذا التهميش من خلال عدم تحقيق أي شكل من أشكال المساواة بين الرجال والنساء في استيعابها وقبولها لطالبي العمل، فبقيت أعداد الرجال من العاملين في القطاع العام، ضعفي عدد العاملات فيه. إن كانت هناك نصوص دستورية تدافع عن دور المرأة الاقتصادي، فهي لم تخلق أية قوانين وأعراف موازية لتطبيقها بشكل فعلي. على سبيل المثال لم تصدر الدولة أية قوانين تحدد نسبة الحد الأدنى لمشاركة المرأة في أي من القطاعات الاقتصادية التابعة للدولة.

لم تتمكن تحولات الاقتصاد السوري على مر العقود من احتواء الوجود النسائي في الحياة الاقتصادية. فبرغم التطور من الاقتصاد الزراعي والصناعي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مروراً بالاقتصاد الاشتراكي في العقدين التاليين، وأخيراً نحو اقتصاد الخدمات والسوق الحرة منذ بداية الألفية الجديدة، لم تستطع القوانين أن تحمي النساء وتزيد من مساهمتهن في الحقل الاقتصادي السوري، مما سبب بالنتيجة تراجعاً لمكانة #المرأة_السورية اجتماعياً.

المرأة والتعليم
تحتل سوريا مركزاً متأخراً من حيث انتشار #الأمية بحسب برنامج #الأمم_المتحدة الإنمائي، إذ أنها كانت قبل بداية النزاع السوري في المرتبة 119 من أصل 177 دولة. وأكثر ما يميز سوريا عن غيرها من الدول هو الفروق الشاسعة لانتشار الأمية في أوساط الذكور والإناث، حيث كانت تشكل نسبة الأميات #الإناث فوق سن الخامسة عشر 23.5% من مجموع عدد الأميين في الدولة، علماً أن هذه النسبة لم تتغير على مدى عشرة سنوات (من 2001 وحتى 2010)، بعد أن كانت تتراوح بين 40-60% من مجموع #النساء خلال العقدين الثامن والتاسع من القرن الماضي. ويعود انتشار الأمية بين النساء إلى عدة أسباب تأتي في مقدمتها البنية المجتمعية التي لا تهتم بتعلم المرأة أولاً وبعدم وجود قوانين تكفل حمايتها من الزواج المبكر أو من التسرب من التعليم ثانياً.

الاتحاد العام النسائي السوري
عمل النظام السوري منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي بتشكيل التنظيمات الرديفة لحزب البعث الحاكم، في جميع قطاعات المجتمع كأداة لتفرده بالحكم السياسي، ومن أجل ذلك أوجد تنظيمات الطلبة والمنظمات المهنية المختلفة، هادفاً من وراء ذلك إلى تفريغ التنظيمات المجتمعية التقليدية من محتواها. نتيجة لذلك تم تهميش العناصر التي لا تتماهى مع المقاصد السلطوية لـ #حزب_البعث وباتت هذه التنظيمات أدواتاً لضبط الحركة المجتمعية وإخضاعها للتدجين سياسياً وتنظيمياً وذهنياً وشعاراتياً.

تأسس #الاتحاد_العام_النسائي عام 1967، كتجمع لعدد من التنظيمات النسائية السورية، وكغيره من التنظيمات تحول إلى مؤسسة جهازية لضبط الحركة المجتمعية خلال حكم الرئيس حافظ الأسد عام 1970. وكما هو معروف تلقى هذا الاتحاد كل أشكال الدعم المالي والإعلامي من الدولة من قبل مختلف الوزارات السورية. لم تكن لهذا الاتحاد أية رؤى واضحة فعالة للدفاع عن حقوق المرأة، كحقها مثلاً في المساواة في الدستور والقوانين أو حمايتها من العنف الأسري، وتعزيز دورها وحضورها الاقتصادي والثقافي والمجتمعي كما يفترض به، بل كان مجرد تنظيم سياسي الأهداف وأداة سلطوية لضبط العمل المدني المنظم ضمن شريحة واسعة في المجتمع السوري، والدليل على ذلك بدا جلياً عندما كانت تتعارض مصالح السلطة الحاكمة مع حقوق الفئة التي كان يدعي تمثيلها، فنرى الاتحاد النسائي حينها وهو يسير وراء مصلحة السلطة بعيداً عن تطلعات النساء وحاجاتهن. ومن الجدير بالذكر هنا أن الحكومة السورية كانت قد وقعت على عدة اتفاقيات دولية تخص #النساء ولكنها كانت دائماً ما تتحفظ على المواد الخاصة بالمساواة أو بالحرية كحق إعطاء المرأة السورية الجنسية لأطفالها، أو حقها بالتنقل والسكن أو تلك الحقوق الخاصة بالمساواة عند الزواج وفي حالات الولاية وغيرها.

رغم كل هذه التحفظات لم يقم الاتحاد ولا لمرة واحدة بالاعتراض أو بممارسة أية ضغوط على صناع القرار السوريين، متجاهلاً ما ينصه الدستور حول أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، ومبرراً ذلك بأن هذه التحفظات ما هي إلا وسيلة للحفاظ على الاستقرار المجتمعي السوري.

لقد استطاع حزب البعث السيطرة التامة على حركة النساء خلال كل السنوات الماضية من خلال تعليبها في تنظيم واحد، رافضاً أي طلب خاص بإنشاء تنظيمات أخرى تحلق خارج السرب، وأحكم السيطرة على هذا التنظيم بأن جعل كل السياسات والخطط والممارسات تصدر من أعلى السلم الهرمي في التنظيم والذي دائماً ما كان موالياً للنظام الحاكم مؤتمراً بأمره دون السماح لأي طروحات جديدة مخالفة قد تصدر من القواعد الشعبية للتنظيم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.