في عام 2015، عندما كان الطريق إلى القارة الأوروبية مفتوحًا بوجه اللاجئين، كان أوّل ما يفكّر هؤلاء، عند وصولهم للجزر اليونانية، هو كيفية الخروج منها وإكمال طريقهم نحو أثينا ثم مقدونيا في الطريق إلى غرب أوروبا. ولكن اليوم، وبعد إغلاق الطريق بموجب اتفاق “وقف تدفّق المهاجرين” الذي توصّلت إليه تركيا والاتحاد الأوروبي، أصبحت هذه الجزر بمثابة سجنًا كبيرًا للاجئين الواصلين إليها في ظل الظروف الخدمية القاسية من جهة، واستحالة أو صعوبة مغادرة هذه الجزر من جهةٍ أخرى، وازداد الأمر مؤخّرًا بعد موجة اللجوء “المصغّرة” التي بدأت مؤخّرًا على خلفية ترسانة قانونية وضعتها تركيا لتنظيم وجود السوريين على أراضيها.

الضغط أفقد السلطات السيطرة
وصل عدد المهاجرين المتدفقين على الجزر اليونانية والقادمين من تركيا إلى مستويات قياسية هي الأعلى منذ 2016، حيث توضّح “وزارة حماية المواطنين” اليونانية في آخر إحصاء لها يوم الثلاثاء الفائت 17 أيلول، أن هناك أكثر من 26 ألف مهاجر وصلوا إلى جزر بحر إيجة اليونانية، وهو أعلى رقم مسجل منذ سريان الاتفاق الموقع بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عام 2016 لوقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
وأوضحت الوزارة أن عدد الأشخاص الذين يصلون إلى تلك الجزر قادمين من تركيا قد تضاعف تقريبًا منذ شهر نيسان الماضي عندما كان عددهم يصل إلى حوالى 14 ألف شخص.
هذا الواقع، دفع السلطات اليونانية لإطلاق العنان تجاه عدم قدرتها على التعامل مع هذه الأرقام الضخمة، حيث أعلنت السلطات اليونانية أن مخيم “موريا”، الواقع في جزيرة ليسبوس، لم يعد بإمكانه استيعاب موجة جديدة من اللاجئين.
ونقلت وكالة “اسوشيتد برس” عن مسؤولين في المخيّم الواقع في جزيرة ليسبوس أنّ “الجزيرة لم يعد بإمكانها استقبال مزيد من الوافدين الجدد، في المخيم المكتظ والذي يحتوي على أكثر من 440% من سعته.
وأوضح المسؤولان أن مخيم “موريا” يضم ما يزيد عن 12 ألف لاجئ، في حين تبلغ طاقته الاستيعابية ثلاثة آلاف لاجئ. وأشارا إلى أنه لا سبيل لاستضافة المزيد من اللاجئين، إذ إن القادمين حديثا إلى المخيم يضطرون إلى النوم في العراء، أو في خيام تقع خارجه، وأكد المسؤولان أنه سيتم قريبا نشر إعلان رسمي بشأن المخيم.

ماذا يجري في الجزر؟
تجيب الإحصاءات الواردة حول ضغط اللاجئين على المخيّمات على جزء من التساؤلات حول الوضع المعاشي داخل الجزر اليونانية.
فقد رياض الأمل عندما كان عالقًا في تركيا بلا وثائق، فقرّرَ التوجّه نحو اليونان وقال لـ “موقع الحل”: “كان لديَّ تصوّر مسبق بأن الحياة ليست وردية في هذه الجزر، ولكن مشكلتي كانت بعدم امتلاكي للوثائق لذلك قدمت إلى هنا”، ولكن على الرغم من الاستعداد النفسي المسبق، صُدم رياض بالوضع العام هناك.
يشرح أحمد مشاهداته داخل جزيرة ليسبوس المكتظّة باللاجئين “كل شيء ليس مثاليًا هنا وغير صالح للعيش الآدمي، ننتظر لساعات للحصول على وجبة الطعام كما أن أماكن النوم عشوائية وغير صالحة للنوم”.

ويوضّح أن المخيّمات بشكلٍ عام منتشرة بشكلٍ عشوائي، حيث موضوعة بطريقة غير منظّمة ولا تتوفّر فيها أدنى الخدمات، كونها عبارة عن خيم خشبية وقماشية منتشرة في مناطق زراعية أو بين الغابات تكتظ بآلاف اللاجئين من مختلف الجنسيات.

عند وصوله إلى الجزيرة لم يجد مكانًا له في (الكامب) حيث يتم تجميع اللاجئين الواصلين حديثًا قبل تجميعهم على المخيّمات، فتم وضعه داخل خيمة قماشية وسط منطقة تشبه الغابة، مع عشرة لاجئين من جنسيات مختلفة. واصفًا المكان بأنّه أشبه بالسجن الكبير المحاط بالسياج المعدني. ويقول أيضًا: “التقيت بلاجئين لديهم أمراضًا بحاجة لعناية خاصة ولكن لا يوجد عناية طبّية، حيث لا تزيد العناية عن وجود مراكز صحية للرعاية الأولية ومنح إسعافات ضرورية، كما أن الأطفال لا يحصلون على التعليم، عدا عن نسبة الجريمة المرتفعة داخل المخيّمات بين اللاجئين أنفسهم”.

لا وثائق ولا عبور
يضع معظم اللاجئون السوريون الواصلون إلى الجزر اليونانية، حدًّا أعلى وآخر أدنى لطموحاتهم، فالحد الأعلى يكمن بالوصول إلى أثينا وإيجاد مهرّب لتأمين جواز سفر (مضروب” له من أجل إكمال رحلته إلى إحدى الدول الأوروبية، أما الحد الأدنى، فيكمن بتقديم اللجوء في اليونان والحصول على الوثائق هناك، ومتابعة إجراءات لم الشمل بالنسبة للمتزوّجين.
ولكن أيًا من الحلّين لم يكن سهلًا فالعبور نحو أثينا أمرًا غاية في الصعوبة، وكذلك الموافقة على طلب اللجوء.
يبرّر وليد الحجي، وهو لاجئ سوري انتقل من تركيا إلى اليونان قراره بأن المشكلة الرئيسية لمعظم السوريين تكمن بالحصول على الوثائق التي لا تتوفّر في تركيا، ويقول: “ففي أسوأ الأحوال، إن لم أتمكّن من الوصول إلى أوروبا، فإنّني في اليونان أضمن حصولي على حق اللجوء وإقامة نظامية في دولة أوروبية” يبرّر وليد مغامرته.
ولكن بحسب لاجئين قدامى سألهم “الحل” عن اللجوء في اليونان، فإن العملية ليست بالأمر السهل، حيث ترفض السلطات الكثير من طلبات اللجوء في حال لم تقتنع بملف الشخص الذي تقدّم بطلب اللجوء.

كما تدرس الحكومة اليمينية برئاسة كيرياكوس ميتسوتاكيس إلغاء عمل لجان الاستئناف المكلفة إعادة النظر بطلبات اللجوء في حال رفضها، ما يعني عدم منح اللاجئ المرفوض فرصة للطعن بقرار الرفض، بحجّة ” اختصار الوقت، بعد تراكم أعداد كبيرة من طلبات اللجوء”.

ومن جهةٍ أخرى، فإن العبور إلى البر اليوناني ومغادرة الجزر بات أمرًا بالغ الصعوبة، حيث يتم عن طريق مهرّبين بمبالغ مرتفعة ولا ينجح أبدًا.
وفيما تتفاقم أزمة اللجوء في اليونان، يستمر الاتحاد الأوروبي بالتمسّك باتفاق “وقف تدفّق المهاجرين” في حين أن الطريق من تركيا بات مهدّدًا بأن يتم فتحه بشكلٍ كامل، ما يزيد معاناة اللاجئين العالقين في الجزر اليونانية، دون أن يتضح في الأفق أي قرار لتحديد مصيرهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.