كيف تتعامل تركيا مع التقارير الحقوقية عن الانتهاكات في عفرين؟

كيف تتعامل تركيا مع التقارير الحقوقية عن الانتهاكات في عفرين؟

بعد اتهام لجنة التحقيق الدولية حول سوريا، لفصائل «غصن الزيتون» بأنها «ما تزال ترتكب جرائم حرب في عفرين، تتمثل في أخذ الرهائن والمعاملة القاسية والتعذيب والنهب»، نفت إدارة الشرطة العسكرية مساء 11 أيلول الفائت، أن يكون لها أيّة صلة بمقتل المدني «حمادة حسين حنيف» تحت التعذيب بناحية راجو، أو تنفيذها لاعتقالات في قرية كفر صفرة بناحية جنديرس، والتي أدت إلى جرح أربعة مدنيين واعتقال آخرين.

وكان تقرير اللجنة الدولية، قد وصف الأوضاع في منطقة عفرين بـ«الرهيبة»، مشيراً إلى أن ضحايا عمليات الخطف في كثير من الأحيان، كانوا «من أصل كردي».
قبل ذاك التاريخ بشهر وفي الـ11 من آب تحديداً، أكدت دراسة أجراها الباحث السوري #خير_الله #الحلو تحت عنوان «عفرين بعد السيطرة التركية: تحولاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية» أن تركيا «فرضت تغييراً ديمغرافياً هادئاً وسريعاً في #عفرين عبر إحلال سكان #عرب من المهجرين والنازحين محل #الأكراد المهجرين».

بيانات غير مسبوقة
لكن التنصّل من المسؤولية ومحاولة تبرئة الذمة عبر بيانات «غير مسبوقة» على ما نقل نشطاء، لم تكن شأن إدارة الشرطة العسكرية وحدها، إذ أعقبها إعلان الفيلق الثالث في “الجيش الوطني” كشفه لـ”متورطين” في حادثة مقتل المسن “محي الدين أوسو وزوجته حورية محمد بكر” أثناء سطو مسلح على منزلهما في الـ25 من آب الفائت بحي الأشرفية شرقي عفرين، وذلك بعد أن حمّلتْ عائلتهما فصيل “الجبهة الشامية”، التابع للفيلق، مسؤولية مقتلهما.

الإعلان جاء عبر تصريح نقلته وكالة «سمارت»، قال فيه مدير المكتب الإعلامي للفيلق، رأفت جنيد إن “أربعة أشخاص من مهجري غوطة دمشق الشرقية، اعترفوا بمسؤوليتهم عن الحادثة”. لكن الوكالة أشارت إلى محاولتها التواصل مع “الشرطة العسكرية” في منطقة عفرين، للحصول على تفاصيل أكثر عن تطورات الحادثة وسير التحقيقات، “إلا أنها لم تتلق إجابات على استفساراتها”.

اللافت أن لواء «السلطان سليمان شاه»، المعروف بـ”العمّشات”، وفصيل تجمع “أحرار الشرقية”، أصدرا بعدها تعميمين متزامنين يمنعان عناصرهما “منعًا باتًا من قطع الأشجار تحت طائلة المسائلة القانونية والشرعية”، وهما فصيلان سبق أن اتُهم عناصرهما بقطع الأشجار في عفرين، والاتجار بحطبها على نطاق واسع، العام الفائت.

آخر هذه البيانات جاء بعد انتشار مقطع مسرب يُجبَرُ فيه طفلان على تنظيف دورات المياه، اعترفت “قوات الشرطة في مديرية أمن شران” لاحقاً أن عناصرها عاقبت الطفلين المعتقلين بتنظيف دورات المياه، معتبرين ذلك عملاً فردياً، مشيرة إلى أنه مصور بتاريخ قديم، وأن الطفلين سجنا بتهمة «اغتصاب» طفلة.

كبش فداء
الصحفية «أمينة مصطو» ترى أن محاولات الفصائل التنصل مما “ارتكبته من جرائم” يعود إلى وجود “ضغوطٍ دولية على تركيا، نتيجة ارتفاع معدل الجرائم بحق السكان المحليين”، مؤكدة أن “نشر الانتهاكات، بات يلقى تجاوباً أكبر مما كان قبل عام”. وتضيف «مصطو» في حديثها لموقع «الحل نت» أن الفصائل باتت تخشى من لجوء تركيا، إلى «خيار تحميل أحدها مسؤولية الجرائم والتضحية به ككبش فداء، كما فعلت سابقاً»، لذا هي ترى أن إصدار الفصائل لهكذا بيانات ليس إلا محاولة لإبعاد الشبهات عنها.

وكانت منظمات حقوقية دولية كـ«هيومن رايتس واتش»، ومنظمة العفو الدولية، ومراكز دراسات، إضافة إلى منظمات سورية ونشطاء، قد ساهموا خلال العام الفائت في تسليط الضوء على الانتهاكات الواسعة التي تجري في منطقة عفرين عبر تقارير دورية. لكن هل تساهم مثل هذه التقارير وما ينتج عنها من ضغوط على تركيا في تخفيف نسبة الانتهاكات الممنهجة بحق المدنيين؟

حصار إعلامي وحقوقي
يقول مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، إن تركيا ترفض السماح للمؤسسات الإعلامية أو المنظمات الحقوقية الدولية أو السورية أو حتى التركية المعارضة، بدخول المدينة والاضطلاع على حقيقة الأوضاع، وذلك يأتي «ضمن خطة تهدف لعزل المدينة وممارسة صمت إعلامي وحقوقي حولها»، وفق تعبيرها.

الاتهام السابق يتقاطع مع ما حدث مع عائلة شيخو في ناحية شيخ الحديد، وكيف أن فصيل العمشات «اعتقل في25 آب، 10 أشخاص من العائلة التي ينتمي إليها الناشط مصطفى شيخو المقيم في لبنان، ليطلق سراحهم في اليوم التالي، بعد أن تعهّد الناشط بإغلاق حسابه على الـ«فيسبوك»، وعدم نشر الانتهاكات التي يتم ارتكابها في عفرين من قبل المجموعات المسلّحة التابعة للمعارضة السّورية”، وهذا وفق ما تؤكد منظمة «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة»، في تقرير صدر بداية أيلول الحالي.

الجدير ذكره، أن عائلة «شيخو» كانت قد فقدت أحد أبناءها، “أحمد شيخو” تحت التعذيب على يد “العمشات” خلال شهر حزيران من العام 2018، رغم أنه كان يشغل نائب رئيس المجلس المحلي في ناحية شيخ الحديد، الموالي لتركيا. وتضيف الصحفية «أمينة مصطو» أن كثيرين ممن تعرفهم بعفرين قاموا بحظرها من التواصل بمختلف أشكاله “خوفاً من تعرضهم لمحاسبة الفصائل”.

حملة «سلام» واعتقالات متزايدة!
ورغم أن «الجيش الوطني السوري» والشرطة العسكرية المواليين لتركيا، أكدا في بيان إطلاق المرحلة الثالثة مما سمياه بـ«حملة السلام» على استهداف «عملاء النظام و(داعش) والأحزاب الانفصالية pkk، و…»، إلا أن نشطاء وجهات حقوقية توثق انتهاكات فصائل غصن الزيتون منذ سيطرتها على المنطقة، أكدوا ارتفاع وتيرة الاعتقالات بحق المدنيين، منذ إعلان الحملة في الـ26 من آب الفائت.

وكان معدل «الاعتقالات التعسفية والتوقيف» بحسب منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد وصل خلال شهر أب إلى «ما لا يقل عن80 حالة، في مقابل 63 حالة خلال تموز، و56 حالة خلال حزيران». في المقابل يقول مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا إن «إجمالي عدد المعتقلين في سجون المعارضة الموالية لتركيا في منطقة عفرين ومناطق درع الفرات وصل إلى /5471/ شخص، تعرض منهم /646/ للتعذيب، وقتل /34/ آخرين تحت التعذيب في السجون». لكن «مصطو» ترى أن ما يتم توثيقه ونشره من انتهاكات، “لا تشكل 5 % من نسبة الجرائم التي تحدث على الأرض”، ذلك أن “الناس تخاف من نشر ما تتعرض له من انتهاكات”.

الهدف «تطفيش» السكان
إلى جانب ذلك؛ تُظهر التقارير الحقوقية أن الحملة الأخيرة لم تستثنِ النساء وكبار السن من الاعتقالات تعرض بعضهم للضرب والتعذيب. في حين قال مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا إن الاعتقالات طالت أيضا مُرحَّلينَ قسراً من تركيا، كحال الشاب «إسماعيل كور سيدو» الذي عاد إلى ناحية راجو مؤخراً، مضيفاً أن مصيره «ما يزال مجهولاً بعد اختطافه من قبل فصيل (المنتصر بالله) منذُ قرابة شهر، و أن الفصيل كان قد عرض فدية مالية لإطلاق سراحه». وتقول أمينة مصطو إن «الاعتقالات الأخيرة طالت مدنيين سبق أن اعتقلوا لخمسٍ أو ست مرات، وكما كل مرة هناك تحقيقات وسجن ودفع فدية».

وترجع «مصطو» أسباب الفصائل للاعتقال وزيادة الضغوط على المدنيين إلى «عدم وجود منازل فارغة لإسكان النازحين من مناطق إدلب، والحل وفق الفصائل هو تطفيش السكان المحليين». فيما قالت لجنة التحقيق الدولية في تقريرها إن مقيّمونَ لهما، ذكروا أن السكان المحليين ينظرون إلى موجات التوقيف الأخيرة على أنها ترمي في المقام الأول إلى توليد إيرادات مالية للجماعات المسلحة. مضيفة أنها، «تلقّت تقارير مفادها أن شباناً أُوقفوا بشبهة التبعية لهياكل كردية، قد أُجبروا على دفع غرامة قدرها 400 دولار من أجل إطلاق سراحهم»، بحسب تقريرها.

ما بين الهجرة والقلق
وتصف الصحفية ممارسات الفصائل بأنها «جرائم ممنهجة دفعت بالكثير من المدنيين للنزوح إلى حلب؛ أو كوباني؛ أو الهجرة إلى أوروبا، والهدف منها هو تغيير ديمغرافية المنطقة الكردية». هكذا يرى النشطاء والحقوقيون أن الخيارات أمام مدنيي عفرين محدودة، فإما الرضوخ للضغوط المفروضة عليهم واختيار النزوح والهجرة، أو اختيار البقاء ضمن ظروف قلقة، ترتفع فيها احتمالية تعرضهم للانتهاكات.

لكن رغم ذلك برز تطور لافت في سياق حملة «السلام» الأخيرة، عكسه موقف وتعامل الجيش التركي وفصائل المعارضة بخصوص جريمتين: الأولى هي مقتل المدني «محي الدين أوسو وزوجته حورية محمد بكر في عملية سطو بعفرين، والثانية هي مقتل المدني حمادة حسين حنيف تحت التعذيب براجو، وكيف أن الجيش التركي أعاد مؤخراً استخراج جثة (حمادة)، من أجل التحقُقْ من سبب وفاته». وذلك بعد ما تناقلت أنباء حول تقديم عائلته لشكوى، واعتقال الضابط المسؤول عن تعذيبه.

السؤال المطروح: هل من الممكن أن تشكل هاتين القضيتين بداية لتحول إيجابي، تجاه وقف الانتهاكات الممنهجة، وما تؤدي إليه من تغيير ديمغرافي؟

هل من جديد؟
تشير الصحفية «مصطو» إلى حدوث حالات مشابهة لجريمتيّ مقتل «محي الدين أوسو وزوجته وكذلك حمادة حسين حنيف»، وذلك من حيث أن عوائل ضحايا الانتهاكات عادة ما تقدم في البداية شكوى ضد المجرمين، ولكن «الفصائل تعمل في مثل هذه الحالات على عقد مصالحات، وهو ما يتم غالباً، ذلك أن لا خيار أمام العوائل سوى الموافقة، والسبب هو الخوف من انتقام الفصائل».

كذلك نجد أن ما توصل إليه تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة سوريا، من أن الأهالي يرون أن لا جدوى من تقديم الشكاوى بخصوص الانتهاكات التي ترتكبها فصائل «غصن الزيتون»، لكون المجالس المحلية والشرطة العسكرية والموظفين الأتراك، يظلون إما غير راغبين في تقديم سبل انتصاف فعالة، أو غير قادرين على فعل ذلك.

أخيراً؛ وفي هذه الجزئية، وإذا ما وضعنا بعين الاعتبار، أن هناك تركيزاً إعلامياً من الإعلام الموالي والرسمي لتركيا على هاتين القضيتين، في مقابل تجاهل عشرات الجرائم المماثلة التي ما تزال تحدث في المنطقة ذاتها، وفق ما تراه «مصطو»، من المنطقي حينها، أن لا ترقَ التوقعات بخصوص نتائج التحقيق في الجريمتين المذكورتين، إلى سوية «حدوث تحول نوعي تجاه وقف سيناريو التغيير الديمغرافي». خاصة وأن المرحلتين السابقتين من حملة السلام المزعومة، انتهت بالتضحية بفصيل «شهداء الشرقية» الذي قُتِلَ وجُرِحَ 31 من عناصره، وهرب قائده «أبو خولة»، كما خرجت عائلات مقاتليه إلى ناحية جنديرس، وفق ما أكدت وسائل إعلام معارضة حينها.

ويبدو أن حملة «السلام» ليست إلا «محاولة تركية للالتفاف على تقارير الانتهاكات في عفرين، بمبررات أمنية واعتقالات كيدية»، وفق ما يذهب مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا.

من عذب حمادة؟!
نفى رئيس قسم الشرطة في ناحية راجو «محمد علاء الدين حشيشو» في لقاء مع موقع «بوابة حلب»، تعذيب «حمادة حسين حنيف وقتله»، مُقراً أن «اعتقاله تم من قبل قيادة الشرطة وفيلق الشام في 29 آب الفائت، ليتم تسليمه إلى محكمة مدينة عفرين في 5 أيلول الجاري».

وقال «حشيشو» إن المتهم اعترف أثناء التحقيق بمشاركته في مجزرة «عين دقنة» المشهورة، وأنه كان ضمن الذين مثلوا بجثث عناصر الجيش السوري الحر. مضيفاً أنهم «أسعفوا السجين ثلاث مرات إلى المشفى العسكري، نتيجة تكرار الإقياء لديه ليتبين إصابته بشظية في الكبد في وقت سابق، حيث توفي بشكل مفاجئ أثناء مثوله أمام القضاء بمحكمة عفرين في التاسع من الشهر الجاري»، وفق ما ورد. فيما نشرت عائلته مقطعاً مصوراً وصوراُ لجثة «حمادة» تظهر عليها آثار التعذيب والضرب، متهمين من اعتقلوه بقتله تحت التعذيب.

غيض من فيض
وسبق أن اتهمت منظمة #هيومن_رايتس_ووتش” فصائل «غصن الزيتون» بعد 3 أشهر فقط من سيطرتها مع الجيش التركي على عفرين، بـ«الاستيلاء على ممتلكات المدنيين الأكراد ونهبها وتدميرها وإسكان مقاتليهم وعائلاتهم في منازل السكان»، وهو ما شكل بداية لاتهام تركيا بإتباع سياسية قائمة على إحداث التغيير الديمغرافي في المنطقة.

فيما قال تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية في بداية آب من العام 2018، إن «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبت في عفرين، وإن ذلك تم بتواطؤ تركي». كما توصل الباحث السوري «خير الله الحلو» في الدراسة التي أجراها لمصلحة مشروع #زمن_الحرب_وما_بعد_ الصراع_في_سوريا تحت إشراف الجامعة الأوروبية في فلورنسا، إن أنقرة «أحدثت تغييراتٍ في نسبة التمثيل السكاني عند تشكيل المجالس المحلية في عفرين، فارضةً تقسيماً غير عادل كان للعرب حصّة كبيرة منه، وأُسُساً لوجود التركمان بصفتهم القومية في عفرين. كما أوجدت «نخبة سياسية كردية جديدة من الموالين لها، وأقصت التكنوقراط الأكراد عن العمل في المجالس المحلية».

الصورة من الأرشيف

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.