لم يعد خافياً على أحد من المتابعين للشارع السوري، وتحديداً في دمشق، انحسار الدور الإيراني وغيابه في بعض المناطق، على حساب تمدد وانتشار الأذرع الروسية بشكل واضح للعيان، ووصول وتبوء الشخصيات المدعومة روسياً للمناصب العُليا على حساب تلك التي تنسحب تحت العباءة الإيرانية.

ربما كانت ذروة وضوح الأيادي الروسية حين أقيل رجل إيران الأول في سوريا، اللواء جميل حسن، مدير إدارة المخابرات الجوية، وتعيين نائبه المحسوب على موسكو، تلا ذلك عدة قرارات عسكرية وأمنية أطيح من خلالها بالشخصيات المقرّبة من إيران، وارتفعت شخصيات أخرى مقرّبة من الدب الروسي.

وتتزامن هذه الأيام مع الذكرى السنوية الرابعة للدخول العسكري الروسي الذي حصل في أيلول 2015، وبدأت معها تتغيّر تفاصيل الخارطة السورية الميدانية والسياسية، لكن ما الجديد الذي يحدث داخل البيت السوري؟

يرى متابعون ومحللون أن موسكو نجحت سنة تلو الأخرى من السيطرة على مفاصل القرار الروسي، وأعطى بوتين ضوءاً أخضر لنتنياهو كي يستهدف المصالح الإيرانية الحيوية بصواريخ إسرائيلية على مدار سنوات، ما أنهكها عسكرياً بشكل كبير، وأبعد العناصر الإيرانية عن كثير من المواقع الحساسة.

وخلال ذلك، تمكن بوتين من الدخول إلى مفاصل المؤسستين العسكرية والحكومية، ولحق ذلك تغلغله في المؤسسة الأمنية، بعد أن تمكن من كسب الرجل الثاني في سوريا، اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني في البلاد، والمستشار الأول لبشار الأسد.

ويظهر أن موسكو باتت مصدر القرار الأول لدمشق، وبوتين يُملي على دمشق ما يجب فعله، والأخيرة قد تناقش في بعض التفاصيل، لكن لا يحق لها رفض الأوامر أو المماطلة في مناقشتها، لذلك أذعن للحملة التي طلبتها موسكو في جمع الأموال من رجالات الحرب، والتي بدأت برامي مخلوف، ولم تنته بعد.

يلاحظ المراقبون قلة زيارة المسؤولين الإيرانيين، في الوقت الذي تخرج تصريحات شبه يومية من الخارجية الروسية تتعلق بدمشق والسلطات السورية، كما بات خط موسكو دمشق يشبه كراجات البولمان، المحملة بالمسؤولين الروس، ويرافقهم أحياناً مستشارين واقتصاديين ورجال أعمال، بينما بات من النادر أن نسمع أن مسؤولاً إيرانياً زار سوريا.

في السياق أيضاً، يدقق المتابعون فيرون أن الأسد غاب عن الساحة الإعلامية، بعد أن ملأ الشاشات العالمية والمحلية بمقابلات إعلامية في العامين 2017 و2018، لكنه غاب عن إدلاء أو تقديم أي مقابلة تلفزيونية دولية في العام 2019 والذي شارف على نهايته.

أما في المجال العسكري، فتوقف الجيش السوري على حدود مدينة إدلب بانتظار الأوامر الروسية، والتي هي من أعلنت فعلاً المعركة سابقاً وهي من أعلنت الهدنة من مركز قرارها في قاعدة حميميم بريف اللاذقية.

وفي السياق ذاته، لا بد من التذكير أن الإيراني لم يغب رغم تراجع دوره، بل لا يزال حاضراً بأدوار خفية، مثل الحركات الفنية والثقافية التي يحاول أن يمرر من خلالها رسائله، كما لا زال آلاف الجنود والمستشارين الإيرانيين منتشرين بالخفاء على الأراضي السورية، لكن بعد النظرة الشاملة على الخارطة السورية، يُلاحظ أن الغائب الأكبر هذه الأيام هو حزب الله اللبناني!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.