نشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية تقريراً بينت فيه الدور الذي تلعبه الصين في دعم استقرار سوريا والمصالح التي تسعى لتحقيقها من مكاسب اقتصادية في البلاد، في الوقت الذي سعت كل من الولايات المتحدة وروسيا وغيرها من بلدان التحالف التركيز على الدعم العسكري وهدرت أموالها على الأسلحة والقنابل. فالموقع الاستراتيجي لسوريا على طول طريق التجارة التاريخي عبر الشرق الأوسط وأوربا يمنح بكين حافزاً لدعم الاستقرار في هذه البلاد التي مزقتها الحرب.
ويبين التقرير بأن قصف روسيا لمواقع المعارضة المسلحة في سوريا والدعم المفتوح لنظام بشار الأسد في سوريا يعني أن دور موسكو في السنوات الستة من الحرب الأهلية السورية حقق ذروته في العام 2017. لكن التغيير في ثروات الأسد في سوريا كان ممكناً أن يتم من خلال راعي أقل شهرة وهو الصين.

إن صعود الصين على المسرح العالمي ليس بالأمر الجديد، لكن مؤتمر الحزب الشيوعي في شهر تشرين الأول سلّط الضوء فقط على كيف أصبحت قوة الرئيس الصيني شي جين بينغ. فقد خصص بينغ موارد واسعة لإصلاح الجيش الصيني وتطوير طرق التجارة التاريخية عبر آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا وأوربا. وفي كلتا المساعي لبينغ، فإن في بقاء الأسد في سوريا منفعة لبكين. “يمكن أن تكون سوريا المحور اللوجستي بالنسبة للصين. فتاريخها هو المفتاح لتحقيق الاستقرار في المشرق، مما يعني بأنه يجب أن يدمج ضمن خطة الصين في المنطقة. فمن المنظور الأمني، إذا لم تكن سوريا آمنة فإن استثمارات الصين لن تكون في البلدان المجاورة آمنة كذلك”، يقول كمال علام، محلل عسكري سوري وزميل زائر في المعهد الملكي البريطاني للدراسات والخدمات الأمنية والدفاعية، في حديث لنيوز ويك. ويضيف موضحاً: “من الناحية الثقافية، فإن الطبيعة العلمانية للحكومة السورية تعني بأنها تتلائم مع بيان الحزب الشيوعي العام. فسوريا في ظل بشار الأسد قبل الحرب كانت مزيجاً من الاشتراكية والاقتصاد المعتمد على السوق، مع التركيز بشكل خاص على التعليم والولاء للدولة فوق الدين. هذا جذّاب بالنسبة إلى الصين، خاصة في منطقة حيث الدول المجاورة موبوئة بانتشار الأصولية الدينية”.

وقد توافقت الأخلاقيات الاستبدادية المعادية للغرب لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا على الدوام مع النظام الاشتراكي الصيني. فقد زودت بكين سوريا بالسلاح منذ تسعينيات القرن الماضي على الأقل، لكن ذلك لم يحدث مباشرةً بعد أن تولى بشار الأسد السلطة عقب وفاة والده حافظ الأسد في العام 2000، حيث ازدهرت هذه العلاقة، بحسب علام. فعندما صعد الأسد، الشاب الذي تدرب على طب العيون في المملكة المتحدة، إلى الرئاسة في سوريا كان مبدئياً قد استُقبل بحفاوة من قبل الشرق والغرب، وسرعان ما سعى للاستفادة من العلاقات الدولية. وفي العام 2002، اقترحت الصين إنشاء مركزاً لإنتاج صواريخ سكود في سوريا. وبحسب أحد الدبلوماسيين، فإن الصين أصبحت واحدة من أكبر خمسة مزودين للسلاح بالنسبة لسوريا. ولم يتوقف تدفق السلاح بعد عامٍ من اندلاع الاشتباكات بين قوات الأمن والمحتجين السوريين والذي تحول إلى حربٍ أهلية شاملة في كافة أنحاء البلاد.
وسرعان ما دعمت دول الغرب وتركيا والخليج العربي الجماعات المسلحة المتنوعة التي دعت لإسقاط حكومة الأسد في العام 2011، إلا أن الصين وروسيا تدخلتا لمنع التدخل الأجنبي خلال تصويت الأمم المتحدة في شهر تشرين الأول من ذلك العام. وقرار روسيا كان سهلاً. فموسكو ودمشق تجمعهما علاقات جيدة على الأقل منذ العام 1971، العام الذي أستلم فيه حافظ الأسد السلطة وانحاز بقوة إلى الاتحاد السوفييتي طوال الحرب الباردة. وفي ذلك العام سمح للسلاح البحري الروسي بالعمل من قاعدة قبالة مدينة طرطوس الساحلية في سوريا، ومنح الاتحاد السوفييتي قوة عسكرية في البحر الأبيض المتوسط في حين مُنِحَت سوريا صداقةً مدى الحياة.

وبينما يمكن لحربٍ باردة ثانية أن تندلع بين كل من موسكو وواشنطن، فإن الدعم الصيني لنظام الأسد كان يروج لمصالحه الخاصة في الخارج. فقد باعت الصين السلاح لسوريا وأرسلت عدداً محدوداً من الأفراد لتدريب القوات السورية، إلا أنها استطاعت الابتعاد عن الطريق الذي سلكته كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من خلال تركيزها على عملية إعادة الإعمار والمساعي الاقتصادية. وقد أوضح علام لنيوز ويك هذه النقطة، قائلاً: “لا تواجه الصين نفس المخاطر كالروس والإيرانيون. فهي لم تتورط في القتال، وبذلك لم يخلق أي سوء نية تجاهها. عادةً ما يبتعد الصينيون عن التدخل السياسي، لذلك سوف ينجحون”.
إلا أنه وبحسب تصريحات السفير السوري لدى الصين عماد مصطفى لرويترز في أيار من العام 2017، فإن لدى الصين مصلحة أمنية في تحقيق الاستقرار في سوريا، حيث قال: “ينبغي على الصين، وكذلك كل الدول الأخرى، أن تكون قلقة جداً”. حيث يُعتقد أن ما يزيد عن خمسة آلاف صيني يقاتلون في سوريا إلى جانب المنظمات الجهادية مثل القاعدة وتنظيم داعش الذي أصبح ذي نفوذ متزايد على المعارضة مع استمرار الحرب.

وكانت وكالة أسوشيتيد برس قد أجرت مقابلات في الشهر الماضي مع رجال من الأيغور ، والذين اعترفوا بالذهاب إلى سوريا للانضمام إلى صفوف المعارضة والمجموعات الجهادية ضد الأسد. وكان أحد المسلحين قد اعترف بأنه لا يهتم فيما إذا بقي الأسد في السلطة أم سقط، هو فقط يهتم بكيفية استفادته من التدريبات العسكرية التي تلقاها لشن هجمات ضد الصين. ويقول علام بهذا الخصوص: “يعتمد الصينيون على الجيش العربي السوري من أجل المعلومات الاستخباراتية عن مقاتلين من الأيغور”.
ولطالما اتهم الأيغور الدولة في الصين بقمعها للهوية الثقافية والدينية والعرقية للمجتمع المسلم. “مخاوف الصين من الإسلاميين في سوريا متجذرة من مخاوفهم بشأن الإسلاميين في الداخل الصيني”، يقول جيفري أرونسون، خبير شؤون الشرق الأوسط ورئيس مؤسسة مجموعة مورتن الاستشارية، في حديث لنيوز ويك. ويضيف قائلاً: “إذا ما فكرت الصين في تقديم الدعم للمعارضة السورية، فهناك القليل جداً من الأسباب التي تجعلها تفكر في الأمر، حتى بالنسبة لما تسمى بالمعارضة العلمانية التي بالكاد تتواجد”.

وكان يُنظر إلى جهود روسيا الناجحة في دعمها لقوات النظام السوري والحلفاء في استعادة السيطرة على حلب، المركز الثوري السابق، في شهر كانون الأول من العام 2016 على انه نقطة تحول في الحرب، حيث عانى الثوار من أكبر هزيمة لهم حتى الآن. وفي محاولة لمساعدة المعارضة تعويض حصتهم في مستقبل البلاد، تدخلت تركيا لتشرف على عمليات الإخلاء، كما انضمت إلى جهود روسيا وإيران الجديدة في إنهاء النزاع. وقد تم قبول عملية السلام المستمرة هذه، والتي تتخذ من العاصمة الكازاخستانية “أستانا” مقراً لها، بحذر من قبل الغرب الذي فضل إجراء محادثات مستمرة في جنيف. ومع ذلك، تبنت الصين المبادرة التي قادتها موسكو وتم تعيينها في شهر أيلول كـ “دولة مراقبة محتملة”. وقد التقى وزير الخارجي الصيني بمستشارة الأسد السياسية والإعلامية بثينة شعبان في الشهر الماضي لمناقشة “الدور العظيم للصين في هذه العملية”.

وقد بدأت الصين، في خروج آخر عن الغرب، بضمان حصتها الاقتصادية من عملية إعادة إعمار البلاد التي مزقتها الحرب. وكانت الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء قد طالبت بأن تسفر عملية السلام عن انتقال سياسي قوي، والتي لم ترغب واشنطن بأن تتضمن الأسد. بينما جهات أخرى، مثل الصين، يخالفونها الرأي، حيث يصبون مجمل اهتمامهم على الاستفادة من الفرص المربحة من متابعة تغيير النظام في البلاد التي تقع على مفترق طرق الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. حيث تعتبر المنطقة رابطاً رئيسياً لمبادرة الحزام والطريق الصيني، أو مبادرة “حزام واحد، طريق واحد”، والتي أعدت لبناء وتوسيع طرق التجارة التاريخية في الصين عبر آسيا ومنها باتجاه أوربا وإفريقيا.
من جهته أشار تشين يونغ، نائب رئيس جمعية التبادل الصيني العربي، إلى أن الشركات الصينية كانت تدعوا كل يوم للحديث عن سوريا. وقال في حديثه إلى وكالة نيوز بلومبيرغ الشهر الماضي: “إنهم يرون إمكانيات ضخمة للعمل هناك، لأنه من الضروري أن يتم إعادة إعمار البلاد بأكملها”. في حين رفضت الولايات المتحدة إرسال المال، والأسوأ من ذلك أنها صرفته فقط على القنابل المتساقطة.

وأوضح أرونسون بأن الصين ترى في سوريا فرصة كبيرة للاستفادة منها. حيث اختتم حديثه لنيوز ويك بالقول: “يرى الصينيون نهايتنا بأخذ المال من المصرف ووضعه في لا شيء. الصينيون منذهلون من هذا. هم لا يفهون ذلك ويرون الأمر كفرصة فقط. نحن، إلى حد ما، لسنا في مجال إعادة إعمار البنية التحتية والتنمية التي ترتبط مباشرة بوجودنا العسكري. سوف نبني قواعد عسكرية ومهابط للطائرات. أما الصينيون فسوف يبنون خط سكة حديدية أو ميناء، إنهم يستثمرون في المستقبل. كنا نقول أن التجارة تتبع العلم، ولكن مع الصينيين، فالعلم يتبع التجارة”.

ترجمة موقع (الحل نت)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.