“أن تكوني سوريّة في بلد يستيقظ كل يوم على صوت القنابل ورائحة الموت، فهذه مصيبة.. ولكن أن تكوني كذلك ويحاربك الموت من الداخل.. من جسدك ذاته.. فالمصيبة أكبر” هكذا ابتدأت سليمى “أم محمد” حكايتها.. الشابة الدرعاوية الثلاثينية التي تحارب سرطان الثدي منذ سنتين ونصف.

حكاية سليمى
تروي سليمى قصتها منذ البداية “من المرعب أن تكتشف امرأة ما إصابتها بالسرطان، خاصة إن كانت مثلي أماً لثلاثة أطفال أكبرهم لم يتجاوز العاشرة من العمر”. تخرج سليمى صورة أطفالها من حقيبتها، صورة مهترئة نوعاً ما لولدين وفتاة صغار، يشبهانها إلى حد بعيد. تبتسم وتكمل كلامها “هم أملي ودافعي للحياة، هم نقطة ضعفي التي تكسرني، ونقطة قوتي لأكمل طريق الألم كي أبقى معهم. لا أريد أن تربيهم امرأة غيري فهي لن تكون حنونة ومحبة ومعطاءة لهم كما أنا أفعل”.

لم تكن تعاني سليمى من أي ألم في ثدييها سابقاً، ولكنها قررت أن تجري فحص كشف السرطان عندما كانت في زيارة لبيت قريبتها هدى والتي كانت بدورها قد أخذت موعداً لإجراء الكشف. بعد حديث طويل بين الامرأتين، استطاعت هدى أن تتغلب على عناد سليمى وتقنعها بأن تأخذ موعداً معها لتذهبا سويةً وتتسايران على الطريق وربما تشتريان بعض الحاجات الضرورية للأطفال. جاءت نتيجة الفحص ولم تستطع سليمى أن تفهم شيئاً من حديث الطبيب بعد سماعها جملة “للأسف النتيجة ليست كما نتمنى”. لم تكن تتخيل يوماً أن شيئاً من هذا القبيل سيصيبها هي أو أسرتها، ولكنها أيقنت في ذاتها أن الصراع بدأ وأنه لا يشبه أي صراع كانت قد عاشته يوماً. تقول سليمى “مرت أمامي صور كل الناس الذين سيبكون يوم دفني، ورأيت أطفالي يلبسون الأسود. لم أحتمل كل هذا الألم وفي تلك اللحظة قلت للطبيب: هل هناك أمل؟ ابتسم لي وأجاب (طبعاً لا تخافي. عليكِ أن تقومي بتحاليل أكثر وأن تبدأي جلسات العلاج الكيماوي في أقرب وقت، ولكن هذا سيتطلب منكِ السفر إلى دمشق من أجل كل جلسة). أنا أحمد الله أنني من أسرة مرتاحة مادياً إلى حد جيد، وسأتمكن على خلاف غيري من السفر ومن دفع تكاليف الجلسات الباهظة. ومن هنا بدأت رحلة العلاج”.

تكمل سليمى “خضعت لعملية استئصال الورم في يناير/ كانون الثاني 2017، وبدأت بعدها جلسات العلاج الكيميائي. كنت أعتقد أن الألم الأكبر سيكون بسبب الدواء وتأثيراته الجانبية كتساقط الشعر أو الإقياء، ولكنني أدركت لاحقاً أن السفر من مدينتي إلى مركز العلاج في دمشق هو المشكلة الأكبر. لم يكن الطريق آمناً، بل كانت تمر عليً ساعات وأنا في السيارة أتشهد فيها وأتلو صلواتي الأخيرة مستعدة لأن أُقتَل في الانفجارات أو بسبب القناصة، أو أن أتعرض للاختطاف. كان القلق والخوف يبدأان عدة أيام قبل الجلسة. خوف من الموت على الطريق وآخر من الموت بسبب المرض”.

في مركز العلاج
تصف سليمى الوضع في مركز العلاج قائلة: “عدد المرضى في الغرفة حيث أتلقى العلاج كبير جداً رغم أنه مشفى خاص، ربما لأن أسعار الجلسات هنا مقبولة أكثر من أماكن أخرى. يأتي المرضى من كافة المدن إلى هذا المركز المتواضع الإمكانيات من أجل الحصول على جرعات الحياة. انتظار الدور يتطلب ساعات من الصبر، والجو الحار في الغرفة الغير مكيفة يسبب الغثيان. لقد كانت أشهراً طويلة من الألم لا أعرف كيف كانت ستمر من دون دعم زوجي وحب أهلي ووقوفهم إلى جانبي”.
الخوف من الموت أصبح دافعي للحياة
أصبحت سليمى اليوم بصحة جيدة حتى أن شعرها عاد إلى النمو من جديد. ولكنها أكدت على أنها ما زالت تواصل اختبارات كشف السرطان المتكررة، هي وأخواتها لأن هذا المرض يمكن أن يكون عائلياً والكشف المبكر عنه يساعد في علاجه بشكل أسهل. ختمت سليمى حكايتها قائلة: “لقد علّمني السرطان أن أعيش كل يوم بسعادة وأن أقوم بنشاطاتي اليومية مع الناس الذين أحبهم، وأن أخبرهم دائماً عن أهميتهم في حياتي. لولا دعمهم لا أعتقد أنني كنت سأتمكن من المضي قدماً في رحلة العلاج التي زادتها الحرب صعوبة وألماً”.

سليمى ليست الوحيدة
كانت سليمى من المحظوظات اللواتي استطعن الوصول إلى العلاج في ظروف الحرب القاسية في سوريا، ولكن هذه الحرب التي بدأت في عام 2011 أسفرت عن سوء الحالة الاجتماعية والاقتصادية وتدهور الخدمات الطبية والظروف الخطيرة التي تهدد الحياة. أجل لقد أسفرت هذه الحرب عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى. ولكن يجب ألا نغفل أيضاً عن إدراج المرضى المصابين بالسرطان في هذا العدد، والذين كان يمكن إنقاذهم إذا كانوا قادرين فقط على تلقي العلاج اللازم. لقد تحولت سوريا بسرعة إلى أسوأ أزمة إنسانية وطبية في القرن الواحد والعشرين حيث أفادت منظمة الأمم المتحدة أن أكثر من 11 مليون شخص عاشوا تحت الحصار وعانوا من نقص شديد في الغذاء والمساعدات الطبية وبشكل خاص الرعاية لأمراض السرطان. وكان سرطان الثدي أكثر الأورام الخبيثة شيوعاً حسب الدراسات، وتأتي بعدها سرطانات الدم والقولون والرئة. مشكلاً بذلك سبباً رئيسياً للوفيات بين النساء في سوريا.

الكشف المبكر وانتشار الثقافة الذاتية
يلعب الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي الدور الأهم في العلاج التام والبقاء على قيد الحياة، ويرجع ذلك إلى حقيقة أنه عندما يكون المرض أقل تقدماً وانتشاراً، يصبح علاجه أسهل وأقل تكلفة. وفقاً لجمعية السرطان الأمريكية، فإن 98٪ من النساء اللواتي يكتشفن المرض ويعالجنه مبكراً يكملن حياتهن بشكل طبيعي، وتتناقص هذه النسبة لتصبح 84٪ عند النساء اللواتي انتشر مرضهن إلى الغدد الليمفاوية قبل بدء العلاج، و28٪ عند النساء اللواتي انتشر السرطان في أجسادهن إلى الأعضاء الأبعد.
في بيئة لا تتوافر فيها الموارد والدعم أو العلاج الصحي للجميع، يجب على المرضى بشكل عام المشاركة في الحفاظ على صحتهم والبقاء على دراية باحتمالات تعرضهم لعوامل الخطر المحتملة. وبالنسبة لمرضى سرطان الثدي بشكل خاص، يمكن أن يؤدي تطوير برامج تعليمية محلية حساسة ثقافياً لتعليم النساء أهمية الفحص الذاتي إلى انخفاض معدلات الوفيات من هذا المرض، كما يمكن أن تصبح مثل هذه المبادرة طريقة للكشف المبكر وبالتالي تقليل حالات المرض المتقدمة في المناطق المحرومة من معظم متطلبات الرعاية الصحية.

معلومات قد لا تعرفها عن سرطان الثدي
– لا يصيب هذا المرض النساء فقط، بل الرجال أيضاً ولكن بنسبة أقل، حيث يصاب به ما يعادل قرابة ألفي رجل سنوياً، ولكن للأسف رغم صغر هذا الرقم مقارنة بأعداد النساء المصابات إلا أن معدل الوفيات بهذا المرض لدى الرجال أعلى، وذلك بسبب غياب التوعية لديهم، وبالتالي التأخر في الكشف عن المرض وعلاجه.
– لا يؤثر ضيق الملابس أو نوع حمالات الصدر التي ترتديها المرأة على احتمالية الإصابة بهذا المرض، والفكرة الشائعة حول ما تسببه حمالات الصدر من أذى في الجهاز اللمفاوي والإصابة بالسرطان خاطئة.
– سرطان الثدي كغيره من أنواع السرطان لا يمكن أن ينتقل بالعدوى لأنّ هذا المرض هو نتيجة نمو غير منضبط لخلايا متحوّلة بدأت تنتشر في الأنسجة الأخرى من الثدي، وليس جرثومة تنتقل من شخص لآخر باللمس أو بغيره.
– لا يهم أن يكون الثدي كبيراً أو صغيراً، ففي كل الأحوال الفرص متساوية للإصابة بهذا المرض، حيث أنه يتطور في الخلايا التي تبطن الفصيصات (أي الغدد المنتجة للحليب)، وجميع النساء لديهن العدد نفسه منها، بغضّ النظر عن حجم الثدي.
يعتقد البعض أن استخدام مزيل العرق قد يكون سبباً للإصابة بسرطان الثدي، إما بسبب المواد الكيميائية المستخدمة في تكوينه أو بسبب منع الجسم من التعرق بشكل صحيح مما يسبب تجمع السموم في الغدد اللمفاوية مسببة السرطان. ولكن لا توجد أية دراسات تؤكد هذا الاعتقاد بل هي مجرد فرضيات من دون إثبات.
– إصابة أحد الأقارب من الدرجة الأولى بهذا المرض يزيد من فرصة الإصابة به، ولكن هذا ليس حتمياً حيث أن 10% من الإصابات وراثية فقط، والنسبة المتبقية تعزى لعوامل أخرى كنمط الحياة وسواها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.