لايزال معظم سكان #دمشق وريفها يعانون من انتشار جرائم القتل والتي زادت معدلاتها خلال سنوات الحرب، فقد تم تسجيل عشرات الجرائم بدوافع وطرق مختلفة، الأمر الذي أدى لتعقيد الوضع الأمني في المنطقة حيث تواجه مشاكل كبيرة وعلى أكثر من صعيد.

بحسب ما أعلنت وزارة الداخلية التابعة لحكومة النظام في إحصائية نشرت في الشهر الثاني من العام الجاري فقد شهدت دمشق وريفها 24 جريمة قتل، وأنّ النسبة أصبحت 1.8 لكل مئة ألف.

وساهمت الحرب برفع نسبة الجريمة من خلال سهولة الوصول إلى السلاح، واستساغة القتل، إذ قُتل مئات الآلاف من السوريين بسبب النزاع الحاصل في البلاد، كما كان لإهمال الملاحقة الأمنية والقانونية لكثير من الجرائم الأثر الأكبر لانتشارها وتضاعف نسبتها.

أسباب مختلفة وطرق متنوعة

تعددت أسباب ودوافع جرائم القتل ولم تعد تقتصر على أسباب جوهرية وخلافات كبيرة، إذ أصبح القتل يحدث بسبب مشاكل أسرية عادية، أو خلافات مادية صغيرة، أو حتى بدافع الانتقام من غير وعي، كما حصل مع مراهق قتل والده بسبب زواجه الثاني عبر إطلاق النار على رأسه في #دمشق، وإقدام مجموعة أطفال على قتل صديقهم لأنّهم لم يكونوا يرغبون بصداقته في مدينة #الرحيبة في #القلمون_الشرقي بريف دمشق.

الباحث النفسي “محمد أنس” (اسم مستعار) قال: إنّه ومع اختلاف الدوافع فقد اختلفت أيضاً الطرق التي تُنفذ بها الجرائم، وبات الإعلام يتناقل أنباء جرائم بأساليب لم تكن موجودة حتى في مخيلة كتاب الدراما أو السينما، وفق قوله.

وأرجع “أنس” هذا التطور السلبي في عمليات القتل إلى عدة أسباب، أبرزها بروز تنظيم “داعش” إعلامياً خلال السنوات الماضية بعمليات قتل مبتكرة، من خلال الحرق والتفجير وغيرها من طرق الإعدام، إضافةً لانتهاكات النظام بحق المدنيين وقتل مئات الآلاف من السوريين، وتطور الاتصالات ووسائل التواصل، والتي أصبحت في متناول الجميع، وبدون حدود أو ضوابط واضحة، ما سهّل تعلّم أساليب جديدة للقتل من خلال الأفلام أو حتى بعض الصفحات والمواقع أو الأخبار ذاتها.

تجاهلٌ حكومي

على الرغم من ارتفاع نسبة الجريمة والزيادة الملحوظة في عدد جرائم القتل المرتكبة في مناطق سيطرتها، تتجاهل حكومة دمشق هذه الظاهرة كلياً، فلم تنظم دورات للتوعية، أو تحاول مكافحتها من خلال ضبط السلاح المنتشر بين السكان، ولم تقم بتطبيق أحكام عادلة بحق المجرمين المتورطين بهذه الجرائم، حيث يساهم الفساد القضائي بنجاة بعض المجرمين من الأحكام المنصوص عليها في الدستور السوري.

ويرى متابعون أنّ دور الحكومة في مكافحة الجريمة يقتصر على ملاحقة المجرمين بعد تنفيذ جرائمهم، وعرض صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعد القبض عليهم بسبب “سذاجتهم” أو ارتكابهم أخطاء بدائية أثناء ارتكاب الجريمة، حيث لم يتم تسجيل أي حالة إنقاذ أو منع للجريمة منذ أكثر من عام في دمشق وريفها.

عناصر متورطون

أكدّ عنصر من شرطة النظام (رفض التصريح عن اسمه لأسباب أمنية) أنّ عناصر من الجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام تورطوا في أكثر من جريمة في دمشق وريفها، وكان آخر هذه الجرائم قتل فتاة في مدينة #التل ونقلها إلى منطقة أمنية في محيط مدينة #دوما في #الغوطة_الشرقية بريف دمشق، دون أن يواجه القتلة أي مشكلة على الطريق على الرغم من التشديد الأمني ووجود أكثر من ثمانية حواجز بين المنطقتين.

وأضاف الشرطي أنّ هناك جرائم ارتكبها عناصر من النظام والميليشيات الرديفة التابعة له، كما حصل في مدينة #بلودان في القلمون الغربي، حيث أقدم عنصر من الدفاع الوطني على قتل امرأة مسنة بهدف سرقتها، ناهيك عن بيعهم السلاح بشكل غير قانوني للمدنيين، خصوصاً السلاح الذين تسلّمته أجهزة الأمنية من فصائل المعارضة بعد اتفاقيات المصالحة في مناطق مختلفة من ريف دمشق.

جرائم عائلية وتفكك أسري

لم تلعب العلاقات الأسرية وصلة القرابة دوراً في الحد من تلك الجرائم، بل على العكس استغل بعض المجرمين هذه العلاقات في تنفيذ جرائمهم، وقتلوا أقربائهم لأسباب مختلفة، منها المادية ومنها الاجتماعية أو حتى النفسية.
وقد شهدت مدينة #جديدة_عرطوز جريمة قتل نفذها شاب بحق جدته وزوجها بهدف السرقة، حيث كان يعلم بوجود مبلغ مالي معهما في المنزل، كما أقدم شاب على قتل والده وإحراق جثته في مدينة #جرمانا بعد خلاف عائلي، قبل أن يتهمه بمحاولة اغتصاب أخته، حسب تصريحات والدته وأخته.

وفي واحدة من أسوأ الجرائم التي وقعت في العاصمة قام عنصر في الدفاع الوطني التابع للقوات النظامية بقتل زوجته وأولاده الثلاثة ومن ثم الانتحار في حي التضامن جنوبي دمشق، حيث لم تُعرف أسباب ودوافع الجريمة، لتبقى تلك الجريمة بتفاصيل مجهولة في ذاكرة الدمشقيين حتى اليوم.

حلول واقتراحات

يرى الباحث النفسي “محمد أنس” أنّ الحلول لهذه الظاهرة تبدأ بتوعية المجتمع الذي لا يزال يعاني من آثار الحرب التي تجتاح البلاد، وتنعكس عليه سلباً على كافة الأصعدة، من خلال تنظيم دورات توعية حول خطر هذه الظاهرة على المجتمع، وضرورة الحد منها بشتى الوسائل الممكنة، وقد يكون ذلك عبر المدارس والجمعيات والمساجد والبلديات أيضاً.

كما شدد “أنس” على ضرورة إعلان العقوبات المطبقة على القتلة عبر وسائل الإعلام، لما لها من أهمية كبيرة في ردع الأشخاص عن الإقدام على الجريمة بعد التفكير بعقوبة ذلك، والعمل على سياسة شاملة لنزع السلاح من المدنيين وضبطه بيد العسكريين.

فعلت الحرب ما فعلته بالمجتمع السوري، ووضعته في دوامة من المشاكل الكبرى، ولعلّ جرائم القتل واحدة من أبرز تلك المشاكل، إذ يتم الإعلان عن كشف عشرات الجرائم في كل عام، ناهيك عن الجرائم التي لم يتم اكتشافها أو الإعلان عنها ولاذ مرتكبوها بالفرار، على الأقل حتى الآن، فهل سينجح نشطاء المجتمع والمسؤولين المحليين في كل منطقة بالحد من هذه الظاهرة، مع غياب دور الحكومة الفعلي، أم ستستمر بالتطور إلى أن تصل لمستويات تهدد السلم الاجتماعي وحياة السوريين؟.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.