ضرب الصحفيين وتحطيم مؤسساتهم.. القمع جزاء من يكشف القمع في العراق

زياد النجّار

من الفتحة الضيقة لنافذة المكتب، في الطابق الثالث من البناية، تمكن #رائد_المعموري مراسل قناة (TRT) عربية في #بغداد من الهرب مع زملائه، لكنهم لم يكونوا يعلمون أن رحلة أكثر مشقّةً بانتظارهم، تشبث “رائد” وزميلاه بحديد النافذة الخارجي، كانوا يتسلقونها بشكل عرضي نحو البيت الذي يجاور بناية الشركة، أو نحو مجهول آخر، كانت نتيجته حين قفزوا الثلاثة إصاباتهم بكدمات ورضوض وجروح.

«تلقينا تحذيرات مسبقة في اليوم الذي سبق اقتحام مكتب قناتنا، كانت جهة مجهولة يرتدي عناصرها اللباس الأسود، وطلبوا منا الكفّ عن تغطية أحداث #التظاهرات»، يقول “رائد”.

يتلمس ساقَه المكدومة ويكمل حديثه لموقع “الحل”: «هذه الفعلة وضعت السلطات موضعاً محرجاً، وبدّدت ما تبقى من صورتها الحسنة، ففي النهاية هو قمع للحريات وتضييق واستهداف للصحافة».

على طريقة العصابات

في اليوم الخامس من #التظاهرات_العراقية التي خرجت نهار الأول من تشرين الأول أكتوبر، كان هناك اقتحام آخر غير اقتحام مكتبي قناة (TRT) والعربية، وقع على بُعدِ شارعٍ من مقر المكتبين، في منطقة شارع #أبي_نؤاس أيضاً، لكنه كان أكثر وحشيةً من الأول، حين دخلت القوة المسلحة سوداء الثياب مقرّ قناة NRT عربية واعتدت على كادرها بالضرب وصادرت هواتفهم وأكمل عناصرها فعلَتَهم بتحطيم أجهزة القناة ومعداتها، ولم يسلم حتى أثاثها من هذا التحطيم.

أحد الصحفيين العاملين في NRT عربية، فضّل عدم كشف اسمه خوفاً من الملاحقة، يصفُ ساعة الاقتحام بأنها «وقتٌ مقتطعٌ من الجحيم» ويضيف: «إن المفارقة المريرة في ما جرى أن الاقتحام وقع على مرأى ومسمع من قوات الشرطة الاتحادية التي يقع مقرّها قبالةَ مقر القناة بالإضافة لسيارة لشرطة النجدة متمركزة مقابل القناة مباشرةً أيضاً».

في نهاية السبت، اليوم الخامس من التظاهر سجلت النقابة الوطنية للصحفيين أكثر من /43/ اعتداءً وانتهاكاً بحق صحفيين ومؤسسات صحفية خلال خمسة أيام فقط من التظاهرات وتغطيتها.

اغتيال القوانين على يد «مجهولين معلومين»

لم تجرِ جميع هذه #الاعتداءات والتضييقات وما لحقها، على نحوٍ قانوني، فهي تمثل انتهاكاً صريحاً لـ #الدستور_العراقي الذي ينص في المادة /38/ أولا (أ): تكفل الدولة حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، و (ب): تكفل حرية الصحافة والطباعة والإعلان والنشر، وفقرات الفقرة أولاً من المادة /37/ التي تكفل جميعها كرامة المواطن وتمنع مساءلته والتحقيق معه واحتجازه إلا بقرار قضائي، وهذا ما لم يكن موجوداً.

إضافة للمادة /40/ التي تنص على أن «حرية الاتصالات والمراسلات مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها أو الكشف عنها إلا لضرورة قانونية وبقرار قضائي» وهذا ما لم يكن موجوداً أيضاً حين تمت مصادرة هواتف العاملين في هذه القنوات وإجبار أصحابها على كشف محتواها.

ولم يعرف أحد حتى الآن مَنْ هذه القوة التي نفذت الاعتداءات، فهناك من ينسبها لرئاسة الوزراء وهناك من يعتقد أنها مليشيات تابعة لـ #الحشد_الشعبي ومرتبطة بإيران، وهذا ما أنكره أحد القادة الذين يعملون في دائرة أمن الحشد، كما لم توضح السلطات والجهات الأمنية طبيعة هذه القوات، ولم تُجب أيةٌ من الجهات الأمنية المسؤولة على اتصالاتنا أو استفساراتنا عن طبيعة هذه القوات.

لكن موظفاً في مكتب قناة العربية، فضّل عدم كشف اسمه، يصف هذه القوات بـ «العصابة» ويقول في تصريحه لموقع الحل: «كان سلوكهم همجياً ضربونا وشتمونا وصادروا هواتفنا لفترة».

تنكّر عن المسؤولية.. ومصيرٌ مجهول

في المقابل لم يبدر من #هيئة_الإعلام والاتصالات موقفٌ حازم واكتفت باستنكار هذه الاعتداءات، كما لم يُجب أعضاءٌ ثلاثة فيها على اتصالات “موقع الحل” وتهرّبت الدائرة الإعلامية للهيئة حين سألناها عن موقفها من تلك الاعتداءات.

يقول مدير #قناة_الرشيد “علي بابان” والتي تم إغلاقها الأحد 6 تشرين الأول أكتوبر في اتصالٍ مع “الحل”: إن «هيئة الإعلام والاتصالات كانت تطالبُهم طيلة أيام التظاهرات بكشف مصادر أخبارهم وعواجلهم».

وعند سؤاله عن مصير كادر القناة بعد إغلاقها بسبب تهديد تلقاه مالك القناة ورئيس مجلس إدارتها “سعد عاصم الجنابي” من وسطاء، قال: «سنعاود الاتصال بكوادرنا وإعادتهم بعد أن تضمن لنا الحكومة حريةً كاملةً بالعمل وحمايةً للقناة وكوادرها».

وتمثل سلسلة الإغلاقات هذه مشكلة لكوادر هذه القنوات بسبب تسريحهم وعدم ضمان حقوقهم، يقول الصحفي الذي كان يعمل في NRT عربية وتعرّض للضرب أثناء اقتحامها: «ليست رواتبنا كافية أصلاً وهي بالعادة، تأتي متأخرة عن موعدها بشهرين، والآن لنا في ذمة القناة أكثر من راتبين ولا نعرف مصيرها أو مصير وظائفنا بعد أن منحتنا الإدارة إجازة مفتوحة ولم توضح لنا مصيرنا».