نسوةٌ أمسَيْنَ «أيقونةً لـ هبة الحياة».. درسٌ بليغ لـ صمت النخبة في مُظاهرات العراق

نسوةٌ أمسَيْنَ «أيقونةً لـ هبة الحياة».. درسٌ بليغ لـ صمت النخبة في مُظاهرات العراق

علي الكرملي

«باركَ الله في العراق»، قالتها المُطربة اللبنانية #إليسا، وتلتها مواطنتها ”نادين نسيب نجيم“، مُعلنَةً تضامنها مع #العراق وشعبه، وغيرهنّ، الفنانة البحرينية ”شيماء سبت“، والكويتي ”عبد الله بو شهري“، تضامَنَ فنانو العرَب، وغابَ فنانو الدار في الداخل، فلم تخرج منهم كلمة قط، ما أثار سخط الشارع العراقي نحوهم.

هذا على صعيد الفن، أما أهل الثقافة والنخبة الأكاديمية، فموقفهم لم يكن أفضل حالاً، فالصمت هو ذاته، والعزوف عن دعم #المظاهرات والمتظاهرين كانَ واضحاً، ما أدى إلى غضب أبناء البلاد لدرجة الحقد عليهم، بخاصة وهم يشاهدون مُثقفون وأكاديميون عرب يعلنون تضامنهم معهم، وأبناء جلدتهم لا يعنيهم أمرهم.

ستنجلي الغمم وسيندم من آثروا الصمت

«لا أدري لِما لم يُحرّكوا ساكناً، صمتهم المطيق فاجئَنا»، تقول الصحفية ”نضال يونس“، مُردِفَةً، «خصوصاً بعد عودة #الإنترنت، إذ لَم نَرَ أيّ ردّ فعل منهم، ولا حتى تضامُناً، ولَو بكلمة أقَلّها، مع العلم أنهم مؤثرون في المجتمع، بخاصة أهل الفن الذين يتابعهم الملايين، للأسف آثروا الصمت على قول الحق».

«النفس غالية، ولكن الوطن أغلى، وأعظم، الجهاد كلمة حق بوجه سلطان جائر، التاريخ لا يرحم، وأهالي #الشهداء لا يبررون، والشارع العراقي حاكم وقاضٍ، سينبذ الذين آثروا الصمت، الذين تركوا شبابنا يقتلون بدون ذنب يُقتَلون من أجلهم ولأجلهم، لكن، ستنجلي الغمم وسيعلم الذين صمتوا ماذا خسروا وسيندمون»، تُضيف لـ ”الحل العراق“.

أقلَّها بعض فنانو المنفى تضامنوا بأغنيات، أما المثقفين والأكاديميون، فصمتً جماعي مُخَيّب، لكنه ليس مفاجئاً، إذ لطالما تعاملوا مع أبناء الشعب من العامة بالنظرة الفوقية، والطبقيّة، فلم تجدهم يحتجون أو يخرجون يوماً – إلا مرّة أو مرّتين – أقاموا فيها الدنيا ولم يقعدوها، لأن الحكومة قرّرت قطع جزء من مرتباتهم، فقط عندما تمس ذواتهم ينتفضون لا غير.

لا كلام.. لا مواقف

”سامح العلي“، وهو أكاديمي، يقول: «لكل مثقف أو أكاديمي ظروفه الخاصة، بعض من خرج للتظاهرات هم طلابي، وبعضهم قُتِل، وهؤلاء أثبتوا لأساتذتهم من الأكاديميين أنهم أكثر وطنية، وأشجع منهم».

مُستَطرداً، «عندي، لا مثقف أو أكاديمي عراقي (معروف) خرج من بيته للمشاركة بالتظاهرات، وإذا كان قد خرج؛ فلأجل البحث عن السكائر وأمور أخرى لا أكثر».

«إن بعض خصائص المثقفين العراقيين، هي، لا كلام، لا مواقف»، يُشير لـ ”الحل العراق“، لافتاً، «في عهد صدام كانوا مع #الطاغية، والآن صامتون، أغلب الذين يكتبون للصحافة العربية هم أشبه بالموظفين في مكتب الوزراء والنواب؛ فكيف يتكلمون؟ مصلحتهم عند مؤسساتهم، وإن خرجوا عنها، فسيخسرون مصالحهم، لذلك هم يفضلون خسارة الوطن على خسارة أماكنهم».

مفيش زيّك كتير

يرُدّ عليه، أحد طلبة (إعلام بغداد)، ”محمود الحيدر“ بالقول: «إبان مسيرتي الدراسية، كنت دائماً ما أستمع لحديث أساتذتي، والنخب المثقفة، عن أهمية الشعور بالمواطنة ومحاسبة المقصرين مهما كان شأنهم ومكانتهم، كنت أستمع وأرحل بذهني إلى عوالم أخرى، أتصور بها مواقفهم (الوطنية) بعد حديثهم المنمق، لكن، عندما تسارعت الأحداث، رأيتُ أبناء جيلي فقط، بحثت عنهم، فلم أجدهم».

مُضيفاً، «لا أعرف أسباب اتخاذهم موقف السكوت، لكن صمتهم ذكّرني بحوار دار بين المصري ”عادل إمام“ والعراقي ”بهجت الجبوري“ في مسلسل ”فرقة ناجي عطا الله“، كان يمثل الجبوري، شخصية العراقي (سعد  المثقف) الذي أعجَبَ إمام (ناجي)، فقال له: ”وجود أمثالك بالعراق يحَسّسني إن البلَد دي لا يمكن توئَع، بَس للأسف، مفيش زيّك كتير“، فَرَدّ (سعد): ”لا أستاذ ناجي، موجودين، إحنا اللي يسَمُّونَة الأغلبية الصامتة“ بلا صوت».

«عرفت هنا، أن صمتهم قديم، وممتد، وأسبابه تاريخية؛ لما واجهوه من موت وعذاب وتصفية، وربما هو رادعهم الأول عن الحديث، لكن أقول لهم: تحدّثوا، أنطِقوا، أنتم من يجب أن نهتدي بكم، ونسير على طريقكم لنصل إلى الخلاص، فلا تصمتوا؛ كي لا تتغيّر صورتكم المرسومة فينا نحن طلبتكم»، يُشير محمود لـ ”الحل العراق“.

دون خوف ودون تردّد.. درسٌ بليغ

في الوقت الذي صمت فيه كل أولئك، ظهرَت للأضواء ”نساء“ دخَلنَ في عمق ساحة الاحتجاجات، حيث #نصب_التحرير وسط بغداد، شاركنَ الشباب، وساندنهم، بعضهن أُصِبنَ بجروح، واثنتان توفيتا، هذا غير نسوَة كادحات أمسَينَ ”أيقونة لِهِبَة الحياة“ كما ”دُنيا.. بائعة الكلينيكس“، و ”أُم محمّد.. مُوَزّعَة خُبز العباس“، ليُعطين، هُن وباقي النسوة درساً بليغاً لأهل النخبة في الوطَنيّة الحَقَّة.

«إن المشاركة (الرائعة) للنساء على أرض الواقع، أعطتنا (نحن الشباب) زخماً معنوياً ، اقتحَمنَ التظاهرات، وشاركنَنا نحن الرجال، دون خوف، دون تردّد، بعض الفتيات كانت تصور ما يحدث إبّانَ التظاهرات وتنقلها إلى وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، ليُبرِزنَ وجه الحقيقة الضائع»، ذلك ما قاله المتظاهر ”سليم الصائغ“، ما أَن سأَلناه عن النسوة والتظاهرات.

ويُضيف، «كانَت وقفتهن، وقفة عظيمة في وقت تركنا الكثير من الرجال، إذ لم تقتصر المشاركة على الناشطات فحسب، بل كان للنساء اللائي يعملن في (بيع المناديل والحلويات) في سبيل العيش، مشاركة فعالة، وزّعنَ الأدوار بينهن، فتجد إحداهن تقوم بتوزيع الطعام، وأُخرى توزع ”البيبسي“، الذي بات يستخدم للشرب، وكَذا لغسل الوجه حال التعرض للغاز المسيل للدموع».

مُكمِلاً لـ ”الحل العراق“، «هذه التظاهرات أثبتَت المواقف الحقيقية لمَن يساند أبناء الوطن، إذ في السابق كانت كثير من الناشطات على مواقع التواصل يتسيّدنَ الموقف، لكن في هذه التظاهرات، ظهرت لنا نساء (رغم فقرهن، ورغم أنهن لا يفقهن لتسمية ناشطات) أصلا، قمَن بنشاط يعادل وقفة ألف رجل وأكثر».

 

تنويه: أسماء جميع  المتحدّثين/ المتحدثات للحل العراق، هي أسماءٌ مستعارة بطلبٍ من أصحابها.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.