علي مراد

جملة إجابات يجب البحث عنها والمثول أمامها والتأمل بها عن أسرار المظاهرات العراقية الكبرى التي خرج بها الشباب في 1/ تشرين الأول/2019.

وما هو سر الاختلاف الجوهري بين هذه المظاهرات وبين كُل مظاهرة أو احتجاج حدث في العراق بعد 2003؟

حيث يتفق الجميع على إجابة حول هذه المظاهرات بأنها ليس لها قائد أو خلفية حزبية أو تيّارية  أو سياسية مثلما حصل ويحصل في كل المظاهرات السابقة التي كان يدعو لها التيار الصدري أو غيره من الجهات السياسيّّة.

ونستطيع من جهة أخرى أن نشخّص فرقاً جوهرياً أيضاً بأن #مظاهرات_تشرين لم تكن مليونية ولكنها أثّرت أكثر من أي مظاهرة حزبية مليونية حدثت في #العراق من قبل.

ومن جملة ما أنجبته هذه المظاهرات هو ظهور قوّة وطنية حقيقية من جيل الشباب الجديد، استطاعت هذه القوّة وبشجاعة الصمود أمام الرصاص وبالرغم من سقوط الكثير بين الجرحى والشهداء أن تحرج الجميع، وتجعل #الأحزاب_الحاكمة تحت نبضٍ مرتبك وقلق شديد في التعامل معهم، حيث تم قمعهم في الساعات الأولى من التظاهرات بقوة الرصاص الحيّ والغازات المسيلة للدموع والماء الحار والقنابل الصوتية ومشاركة فعلية للطيران العراقي لإخافة المتظاهرين.

لكن ما حصل من ردة فعل جاءت عكس ذلك، فقد ازدادت أعداد المتظاهرين وازداد إصرارهم على مواجهة هذه القوة المفرطة، حتى امتدت المظاهرات من بغداد حتى محافظات الفرات الأوسط والجنوب ذات الغالبية الشيعية وبقيت مستمرة لأيامٍ عدّة.

وأيضاً من بين ما أفرزته المظاهرات هو بروز وعي الاحتجاج السلمي لمتظاهرين شباب وصبيان تنحصر أعمارهم بين (15-35 عاماً).

ومواجهة القتل والقمع بشعاراتٍ سلمية أعطت من خلالها درساً وافياً في الديمقراطية للأحزاب التي تسيطر على دفّة الحكم، ومما يثير الدهشة بأن الوعي الشبابي يعرف كيف يُفسد ألاعيب الحركات الإسلامية التي تنتهجها في تذويب أية حركة وطنية حرّة والسيطرة عليها من خلال ألاعيب ودهاليز الشعارات الدينية المعروفة وهذا ما جعل القيادات الدينية في البلاد أمام حيرة من أمرها، لا تستطيع إيقاف هذا التدفق الوطني الشبابي الحر.

حيث لم تنفع الأساليب والأفكار القديمة والبالية التي ينتهجها اتباع #الأحزاب_الإسلامية وأبواقهم، في اتهام كل مظاهرة أو حركة وطنية تحرج الحركات الإسلامية بأنها مندسّة من البعثيّين أو الدواعش أو السفارات الغربية،  فقد فشلت كل هذه التُهم ولم تعطي إلّا لمعاناً أقوى للشباب الحرّ الذي خرج لمطالب كبيرة لا يفقهها ساسة الصدفة.

أمّا الموقف الذي انتهجته ميليشيات #إيران في القمع الوحشي للمتظاهرين، كان نتيجة طبيعية لكمية الهستيريا التي أصابت إيران واتباعها في العراق، لما شاهدوه من تدفق وطني شبابي لا ينتمي إلّا للعراق، ويحمل صفة الصمود والشجاعة ولم يرفع غير العلم العراقي شعاراً لمظاهراته، وهذا ما يهز جبروتهم وسلطتهم التي تتحكم بالعراق.

فقد تحركت #ميليشيات_الخرساني وكتائب الإمام علي في #بغداد و بصورة علنية بعدما دقّّت قياداتها ناقوس الخطر، وأوعزت إلى رجالاتها بأن يرتدوا زي شرطة الشغب والشرطة الاتحادية والتصدي بقوة إلى المتظاهرين العزّل، كما وقد حصل نفس الأمر في مظاهرات محافظة ذي قار جنوب العراق وتصدّت ميليشيا العصائب ومنظمة بدر بصورة علنية وقتلت وجرحت المتظاهرين ولولا تدخل #الجيش_العراقي بلحظة فاصلة لوصل عدد الشهداء إلى المئات، وهذا ما حصل أيضا في كل من محافظة الديوانية وبابل وميسان.

ولأن رئيس الوزراء #عادل_عبد_المهدي لا يملك الشجاعة في كشف اللثام عن حقيقة ما جرى، وبعد مماطلته وقطعه لخدمات الإنترنت في خطوة منه لتسويف ما جرى من قمع وبطش لم يشهده عراق ما بعد 2003.

إلّا أن إشارة #مرجعية_النجف المتمثلة بشخص المرجع #علي_السيستاني ومن خلال خطبة الجمعة والتي جاء فيها أجراء تحقيق وفضح (الجهات الخارجة عن القانون) التي استهدفت المتظاهرين بأسلحة القنص، هنا إشارة واضحة إلى الميليشيات التي شاركت في القمع وجرائمها العلنية، وأثبتت المرجعية الدينية في هذا التصريح أن هناك قوّة تتحرك وفق أوامر ليست عراقية بل إيرانية.

وقد يكون عادل عبد المهدي في موقف لا يحسد عليه، فإن اعترف بأن الميليشيات التي اشتركت بقتل المتظاهرين خارجة عن سيطرته وأوامره وأدانها بجريمة قمع التظاهرات، فقد لا يسلم من الصفعات الإيرانية، وإن قال بأن الجيش والشرطة العراقية هي من بطشت وقمعت التظاهرة فقد لا يسلم من دماء مئات الشهداء وآلاف الجرحى لأنه القائد العام للقوات المسلحة العراقية وهو المسؤول الأول عن أي أمر عسكري.

إلّا أن حقيقة الأمر هو أن إيران التي تمتد في #العراق، على شكل جماعات مسلحة وأحزاب سياسية ورجالات يحملون مفاتيح الدولة العميقة، شعرت هذه المرّة بالخطر الحقيقي على النظام السياسي الذي تتبناه، فحركت ميليشياتها لإجهاض هذا الجنين الوطني الحر الذي أنجبته المظاهرات بأي صورة كانت وبأي ثمن ويعتبر هذا الجنين هو أول جنين وطني واضح الملامح، إلّا إن السحر هذه المرّة انقلب على الساحر وانتصر المتظاهرون بجولتهم الأولى على الرصاص والتهم التي أطلقتها عليهم الأبواق التابعة للأحزاب الإسلامية الإيرانية.

ولأن صوت الجيل الجديد يحمل الكثير من الوعي الوطني والذي خرج من سلة الانتماءات والتصنيفات، وبعد 16 عاماً من خيبة الأمل التي أصابته من هذا النظام السياسي الفاشل، فهو اليوم أمام مواجهة حقيقية مع حكومة كشّرت أحزابها الإسلامية التابعة لإيران عن أنيابها الدموية وهدّدت وبصورة علنية بقمع أي فرد أو جماعة تهدد النظام السياسي الحالي، لكن ما يملكه هذا الجيل الجديد من تمرد وشجاعة يؤهله بكسب جولات أخرى بفعل الوعي والصمود أمام كل ما سيواجهه في الأيام المقبلة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة