زياد النجار

حتى قبل دخول #القوات_الأميركية بغداد 2003، لم يكن الشباب في #العراق أكثر من وقود لحروب السلطة وبقت هذه الوظيفة المميتة ملاصقة لفئة الشباب، فسفكت أحداثُ ما بعد 2003 دماء آلاف منهم، وظلّوا خارج اهتمامات وحسابات السلطة والحكومات التي تعاقبت على سوء إدارة موارد البلاد وإهدارها حدّ المشاركة بنهبها.

في وقت تستمر شريحة الشباب في #المجتمع_العراقي بالتوسع لتشكل الفئة المحصورة بين 15 و29 سنة نحو 28% من سكان العراق وفق الجهاز المركزي للإحصاء، ويرتفع عدد السكان قرابة مليون نسمة في العام، بمقابل موارد ثابتة ومنهوبة،  وخدمات تكاد تكون منعدمة وتعليم لا يعرف غير الانحدار طريقاً.

فراغ التعليم

يغيب #العراق منذ سنوات عن التصنيفات العالمية لجودة التعليم، الغياب الذي يبرره أصحاب القرار بالحضور في مكان آخر، غالباً ما يكون أمنياً، باعتبار الأمن شماعة السلطة التي حمّلوها عبء الفشل في المجالات الأخرى، على الرغم من تضاعف أعداد الجامعات والكليات الأهلية لتبلغ 75 كلية، حسب الموقع الرسمي لوزارة التعليم.

بمقابل 35 حكومية تستقطب أعداداً تفوق طاقتها الاستيعابية، يصطفّ خريجوها في المقاهي وأركان الدرابين (الأزقة)، ولا يحظى بوظيفة إلّا إذا كان ذا حظّ وواسطة يتخبطون بين الأعمال الحرّة المرهقة وغير الضامنة للحقوق وبين مواكبة الشباب العالمي على طريقتهم المحلية.

وإذا ذكرت البطالة، أبطل المسؤولون ذكرها بذريعة سوق العمل والشركات الأهلية مع قليل من نكهة “مكسب الديمقراطية” المعهودة، لكنهم يغفلون الحديث عن ريعية الاقتصاد العراقي التي كرّسوها أو تأثير ذلك على قناعة الناس وخشيتهم من الأعمال الحرة، أو عن كذبة الأعمال الحرة وابتزاز الشركات من قبل مليشيات أو أحزاب أو حتى عشائر.

كذلك هو الحال فيما يخص كفاءة وجودة المؤسسة الأكاديمية، جانب يسكنُ في غفلة اهتمام المعنيين، بالتالي يغفله حديث السلطويين؛ لأن كفاءة التعليم ومستوى مخرجاته جثة بدأت حروب #صدام_حسين بتقطيعها وأجهزت الحكومات التي أعقبته عليها، فيبدو أكثر الخريجين جهلة بمجال اختصاصهم وهذا ما تصبو إليه أحزاب السلطة ويفضّله تجّار الدين والعشيرة.

التخويف والتجهيل

ليس يسيراً استقراء وتحليل الحالة الشبابية في العراق، خصوصاً بعد تجربة احتجاجات 1 تشرين/ أكتوبر لكن ببساطة يمكن قراءة المشهد بلغة النظام: الطائفية.

بعد 2003 تعرض شباب المجتمعات السنية لتنكيل واستهداف مستمر، برره دخول تنظيمات إرهابية كالقاعدة وداعش، وأصبح السني يخشى الإفصاح عن سُنيته خشية الاعتقال أو الاختطاف أو التعرّض لإهانة، شيئاً فشيء، تمكن النظام من إخماد شباب المجتمع السني، وأعاد توجيه تفكيره نحو البحث عن منفذ للهجرة.

في المقابل كان شباب المجتمع الشيعي مطوقين بشيوخ المنابر الذين يتحدثون عن ابتلاء الله والشعائر ومكاسب حكومات ما بعد 2003. هكذا ظل الخوف والتسطيح المذهبي إضافةً للوعود الخاوية، أسلحة تستخدمها السلطات لامتصاص طاقة الطبقة الشابة وإخمادها، لكن غفلة أخرى جسيمة هذه المرة أصابتهم حين تناسوا أنهم يدعسون آدمية الناس ويمرّغون كرامتهم ويسلبونهم الحياة، وتناسوا أن فعلهم الذي يبدو عبثياً هذا يؤسس لرفض دفين مصيره الانفجار.

تفجّر المغفول عنه

هكذا ضاقت السبل بالشباب، خصوصا أولئك الذين يتحدرون من أصول ومناطق شيعية متدينين أو ملحدين، مرجعيين أو أحرار، مثقفين أو بسطاء، وصارت دائرة عيشهم لا تتعدى مساحة أجسادهم، واجتمعت إرادات النهّابين على تجهيلهم وتهميشهم.

حتى اندفعوا من دون إرشاد أو فتوى أو نصيحة، نحو المطالبة بحقوقهم، حقوق بشريتهم حقوق العيش الكريم، من خلال تظاهرات 1 تشرين الأول أكتوبر في مشهد صنعوه بإصرارهم ووعيهم بأن شرايين بلدهم تصب جميعها في مصلحة رجال السلطة والدين حتى كادت تجف.

وأعادوا رويها بدمائهم التي سالت برصاص القناصة على الأرصفة والشوارع،  ليكشفوا زيف “الديمقراطية” التي يلحّنها رجال السلطة وخدعة “العراق الجديد” الذي ورثت سلطاته عقدة صدام وأساليب قمعه.

ويتبين للناس أجمعين رغم التضييق والتعتيم، أن من في السلطة يخشى إفلات مكاسبه الشخصية والحزبية، فدفعته خشيته هذه نحو التجرّد من ثوب الدولة والبصق على القوانين وقتل الإنسان وحقوقه.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة