ليث ناطق

كانت الساعة تشير إلى التاسعة مساءً تقريباً، 3تشرين الأول / أكتوبر، ولا صوت غير صوت الرصاص في #شارع_النضال المؤدي إلى #ساحة_الطيران وسط العاصمة #بغداد، لم يعد هناك مكان في سيارة الإسعاف المنطلقة بأقصى سرعتها نحو #مستشفى_الشيخ-زايد، كانت تحمل /6/ مصابين.

لكن صراخاً لفتَ المُسعفة المتطوعة ” إيناس موسى” التي كانت تجلس على جانب السائق في مقدمة السيارة، فطلبت منه على الفور التوقف، لم يلبِّ السائق طلبها، لكنها أجبرته على ذلك.

 «كانا شابين يافعين على ظهر دراجة نارية، يتوسطهما جسدٌ هزيل يفور الدم من رأسه المصاب، أكمل سائق الإسعاف طريقه نحو المستشفى وتركني وحيدة معهم، ولا شيء معنا غير أزيز الرصاص» تقول “إيناس”.

وتضيف: «طلبتُ منهما وضعَ شبه الجثة التي يحملانها على الرصيف الذي تحوّل إلى سدية،  كان الظلام يُصعّب عليّ المهمة لكني بدأت بإسعافه، دقيقتان فقط وجاءت قوة أمنية نحونا،  فهرب الشابان بدراجتهما وبقيت وحدي مع المصاب، وفجأة تلقيت ضربة على ظهري، كان الجنود يصرخون بي ويدفعونني، حتى أعلمتهم بأنني صيدلانية تطوعت لإسعاف المصابين».

مهمةٌ مميتة وسط الموت

لم يكن “العم عقيل” الحالةَ الوحيدة التي أسعفتها “إيناس” (24 عاماً)، بل تجاوز عدد من أسعفتهم /200/ حالة بين يومي 2 و9 اكتوبر تشرين الأول.

طيلة هذه الأيام لم تكن عائلة “إيناس” تعلم بأنها تراوغُ الرصاص وتخترق الدخان المسيل للدموع لإسعاف  مصابي التظاهرات.

«لم أُشارك في التظاهرات، كنت أظنها فورة مراهقين، حتى أعلمني زملاءُ مساء الأول من تشرين بنقص حاد في الأدوية والمعدات في بعض المستشفيات، فبدأت بجمع ما يملأ سيارتي من الأدوية والإسعافات الأولية، وتوجهت بها صباح الخميس 2 تشرين نحو مستشفى الشيخ زايد، لكن الأمر تطور لإسعاف المصابين في ليلة ذلك اليوم واستمريت» تقول “إيناس” لموقع الحل.

ليس جميع من أسعفتهم “إيناس” تمكنوا من البقاء على قيد الحياة، /11/ شخصاً فارق الحياة بين يديها، تقول إيناس: «هناك من مات وهو يحدثني عن عائلته، وآخر كان ينظر في عينَيّ، وهناك من كان يتشبث بيديّ وكأنه يتشبث بالحياة».

متطوعون ثم متطوعون

عادت “إيناس” إلى #ساحة_التحرير هذه المرة منذ فجر الجمعة 25تشرين الأول، وعند غروب الشمس، كان هواء الساحة قد تحول إلى دخان بفعل قنابل الغاز المسيلة للدموع، وأفواج من المختنقين ينقلهم “التُكتُك” نحو الشوارع المؤدية إلى الساحة، حيث تتمركز سيارات الإسعاف.

في مشهدٍ ممتد تلوّنه #الأعلام_العراقية التي يرفعها المتظاهرون، لم ينجُ المسعفون من الدخان، خنق بعضهم كما فعل بمئات الحاضرين.

“إيناس” لم تكن المتطوعة الوحيدة لإسعاف المصابين، هناك عشرات من الشابات والشباب، خريجون أو طلاب في كليات المجموعة الطبية يشكلون فرقاً تطوعية بالتعاون مع المستشفيات أو فرق الإسعاف الفوري.

“خلدون الصعب” وهو مسعف متطوع، شكّل فريقاً من المتطوعين، يقول: «لا أعرف عدد المتطوعات اللاتي شاركننا وتعاونّ معنا أو تبرعن لنا بالأدوية والمعدات، كثيرات يتطوعن للعمل ضمن فريقنا ومن أجل الصراحة كوادر المستشفيات تتعاون معنا باستمرار أيضا».

سلاسل الإمداد النسوي

في #شارع_السعدون المؤدي إلى ساحة التحرير، تمتد مظاهر التطوع ودعم المتظاهرين على طول الشارع، شابات يحملن قناني “البيبسي” ويتلقفن المختنقين، نساءٌ مسنّات يوزعن الأطعمة ويشجعن المتظاهرين، ومعهنّ أطفالٌ يوزعون الكمامات الواقية، ولعجلات “التُكتُك” دورٌ رئيس في مشهد إسعاف المصابين،  يجيؤون بهم من الأماكن التي يصعب على سيارات الإسعاف الوصول إليها.

تقول “سميّة حميد” التي تقف بجانب سيارة حملٍ مليئة بالأغذية في أحد أركان منطقة #البتاويين لموقع الحل: «جمعتُ وصديقاتي  مبلغاً من المال وجئنا بهذه الأغذية وقناني البيبسي والكمامات للشباب المتظاهر لأنهم إخواننا وأبناؤنا وهذا واجب وطني».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.