نشرت صحيفة “لوفيغارو” يوم أمس تقريراً أشارت فيه إلى بقاء تنظيم “داعش” وربما انتعاشه في الشمال السوري بالرغم من مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي. فالتنظيم بقيادته الجديدة قد ضاعف من هجماته الإرهابية في هذه المنطقة خلال الأيام الأخيرة.

لقد أخذ نفساً عميقاً قبل أن يبادر بالحديث. “الخوف! الخوف! لم أعد أستطيع العيش مع الخوف”، يقول “محمد” عبر تطبيق “واتس أب” وهو مايزال مذعورا من التفجير الإرهابي الذي ضرب مدينته. ففي صباح يوم الخميس الماضي، استفاقت مدينة عفرين، في شمال غرب سوريا، حوالي الساعة الخامسة والنصف على دوي انفجار كبير هز المدينة. لتملأ الصور على الفور هاتف هذا الموظف السوري الشاب: جثث مشوهة وصناديق تفاح مقلوبة وأجزاء من الأحذية المتناثرة في وسط بركة من الدماء. فقد انفجرت شاحنة محمّلة بالمتفجرات في وسط سوق “الهال” في المدينة، مما أدى إلى مقتل عشرة أشخاص على الأقل وإصابة عشرات آخرين. ولم يتم تبن الهجوم، وهو أمر غير مألوف في هذه المنطقة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية المسلحة والتابعة لتركيا. لكن كل أصابع الاتهام تتجه نحو تنظيم داعش. “إذا قُتل أبو بكر البغدادي، فإن تهديد تنظيم داعش لا يزال باقياً، بل ويزداد”، يقول محمد بأسف.

ومثل لعبة الدومينو، الكئيبة التي حلّت فيها المتفجرات محل البطاقات، شهد الشمال السوري موجة متواصلة من الهجمات منذ مقتل زعيم تنظيم “داعش”. ففي يوم الخميس الماضي ذاته، أصيب شخص في سرمين في محافظة إدلب جراء انفجار قنبلة يدوية الصنع. وفي الراعي في ريف حلب، انفجرت كذلك دراجة نارية. وإذا كان قد تأثر رمزياً بمقتل زعيمه، فإن هذا التنظيم الجهادي، الذي أعلن “أبو إبراهيم القرشي” خليفةً جديداً له، لا يزال يملك ما يكفي من الوسائل لتشجيع مؤيديه على الانتقام، بحسب لينا الخطيب، متخصصة في الشرق الأوسط في المعهد الملكي للأعمال الدولية في لندن.

من جهته، يبين “ديدييه بيون”، معاون مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي، في تقريرٍ له بأنه قد ولى ذلك الزمن الذي كان يحلم فيه تنظيم “داعش” بإقامة دولة الخلافة التي تمتد من سوريا إلى العراق. كما ولّى كذلك ذلك الزمن الذي كان يسيطر فيه هذا التنظيم الإرهابي على العديد من المنشآت النفطية، الأمر الذي كان يمكنه من الدفع بسخاء لمقاتليه. حيث يوضّح بيون قائلاً: “مواقعه الرئيسية القوية المتمثلة بعاصمتيه، الموصل في العراق والرقة في سوريا، قد تم تحريرهما من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبالتعاون مع القوات الكردية على الأرض هناك”.

ويبين التقرير بأن تنظيم “داعش” قد فقد عدداً كبيراً من مقاتليه خلال المعارك والهجمات المختلفة. وهو بالكاد يتمكن اليوم من تجنيد مقاتلين جدد من بين المدنيين. حيث يؤكد العقيد “حسين رجوب”، من منطقة في ريف حلب لا تزال تحت سيطرة المعارضة، عبر الهاتف قائلاً: “لقد رأى السكان المحليون الوجه الحقيقي لتنظيم داعش. فقد كانوا شهوداً على عمليات قطع الرؤوس وكافة الأفعال المتطرفة الأخرى للتنظيم. كما أنهم كانوا ضحايا الابتزاز المتمثل بفرض الزكاة والأتاوات. اليوم، الناس متعبون”.
ويضيف العقيد رجوب، الذي يرأس الفرقة 23 مما يسمى بالجيش الوطني السوري (وهو تحالف لفصائل من الجيش السوري الحر تتبع لتركيا) والذي شهد كل المعارك ضد تنظيم داعش، قائلاً: “لقد تم إضعاف التنظيم دون شك، لكن قدرته على الإزعاج وإثارة القلاقل لا تزال في مكانها. لذلك لا ينبغي الاستخفاف بخطورة الخلايا النائمة. نحن في حالة تأهب قصوى. فالعديد من جهاديي التنظيم قد لجئوا إلى العمل السري بعد الفرار من المناطق التي تم دحرهم فيها. لقد شددنا المراقبة عند مدخل محافظة إدلب، حيث وصل الكثير من النازحين ويُخشى أن يختبئ عناصر تنظيم داعش بين المدنيين”.

ولعل مقتل أبو بكر البغدادي في إحدى قرى إدلب يعتبر مثالاً صارخاً لإمكانية عودة التنظيم إلى المنطقة. “من كان يتخيل أن البغدادي كان يعيش في قرية حدودية صغيرة على الحدود التركية؟ هذا دليل على أن لا أحد قادر على ضبط مجريات الأحداث في هذه المنطقة التي يسهل اختراقها من قبل العديد من الجهات الفاعلة على الأرض”، يقول المحامي محمد سلامة من مدينة جرجناز والذي يتهم دمشق بالتواطؤ الضمني مع تنظيم داعش. حيث يتابع سلامة قائلاً: “تذكروا أولئك الأربعمائة مقاتل من تنظيم داعش الذين تم نقلهم من قبل قوات نظام الأسد من ريف دير الزور إلى ريف إدلب. لقد تم إلقاء القبض على بعضهم، لكن البعض الآخر لا يزال طليقاً”.

وفي الأسابيع الأخيرة، فإن الانسحاب الأمريكي الذي تبعته العملية العسكرية التركية “نبع السلام” في شمال سوريا قد أديا إلى تفاقم نقاط الضعف في هذه المنطقة، حيث تؤدي التحالفات المتغيرة إلى بقاء تنظيم داعش وانتعاشها.

أما بالنسبة لتنظيم “حرّاس الدين”، المنشق عن هيئة تحرير الشام (جبهة النُصرة سابقاً)، فرع القاعدة في سوريا، والذي يُعتبر المنافس الرئيسي لتنظيم داعش في المنطقة، فقد عرض علانيةً ميله الجديد من خلال توفير الدعم اللوجستي لأبو بكر البغدادي في مخبأه الأخير.

وتختم “لوفيغارو” تقريرها بحديثٍ للمعارض السوري زكريا ملحفجي والذي يقول محذراً: “بعد ثمان سنوات من الحرب، يستمر عدم الاستقرار السياسي في تغذية الإرهاب في المنطقة. ومن اجل القضاء على تنظيم داعش، لا يكفي التخلص من البغدادي وإنما يجب القضاء على أصل المشكلة، بشار الأسد!”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.