يبدو أن السلطة الحاكمة في لبنان قد أدركت ما حصل في التجربة السورية، وتعمد إلى شق الشارع اللبناني بشكل عامودي كخطوة من شأنها أن تزيح الحراك عن أهدافه عبر إشغاله في الصدامات الشعبية.

فبعد أن عجزت القوى السياسية اللبنانية، عن كبح جماح الحراك الثوري الضخم الذي عمّ #لبنان، يحاول بعض السياسيين حشد أنصارهم في الشارع، محاولين حرف المشهد عن صور التظاهرات الشعبية التي ما كفت عن المناداة والمطالبة بإسقاط رموز السلطة الفاسدة عبر شعار #كلهم_يعني_كلهم.

أسلوب حشد الأنصار في الشارع؛ وفي هذا الوقت بالتحديد، يأتي كخطوة «تكتيكية» هادفة لإفشال الدعوة التي عمت لبنان تحت عنوان #أحد_الوحدة، ودعت للتظاهر والضغط على القوى السياسية للإسراع في الامتثال لمطالب الشعب اللبناني ومنها تشكيل حكومة تكنوقراط قادرة على قطع يد الفساد ووقف المحسوبيات.

وانتشرت فجر اليوم، منشورات وملصقات علقت على جدران الشوارع في مدينة #صيدا دعت الى المشاركة بتظاهرات #أحد_الوحدة وجاء فيها: «أحد الوحدة #كلنا_يعني_كلنا متحدين حول حقوقنا، الشارع واعي بكفي مماطلة، في صيدا وكل المناطق معاً للضغط لتشكيل حكومة وطنية انتقالية».

ويأتي التيار الوطني الحر المؤيد لرئيس الجمهورية، ميشيل عون، على رأس تلك القوى التي تمثل التبعية السياسية المطلقة، ما يعيد للأذهان ذات السيناريو الذي حصل في سوريا، إبان انتفاضة عام 2011، حيث بدأت السلطة السياسية بحشد أنصارها عبر مسيرات التأييد للأسد في الشوارع، ونجحت فيما بعد بشق الشارع السوري بشكل عامودي، ما أسس فيما بعد لحرب كلفت سوريا قرابة مليون شخص.

التيار الوطني الحر، بدأ منذ صباح اليوم بحشد أنصاره والتوجه إلى قصر بعبدا، محاولاً قطع تلك الطريق على المعتصمين في ساحات بيروت ولبنان، بعد أن انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات تدعوا للتظاهر في «بعبدا» تمهيداً لإسقاط عون الذي يعتبر من أكثر المسؤولين عن انتشار الفساد والمحسوبيات السياسية والإدارية في جسد النظام اللبناني.

التيار كان قد بدأ بحشد بعض الشخصيات المشهورة والفنانين من أمثال (سمير صفير، زين العمر، وشربل خليل) الذي وسم المتظاهرين بأنهم دعاة لـ«لمثلية الجنسية» والانحلال الأخلاقي، ما يعيد أيضاً مزاعم مشابهة حدثت في سوريا كـ«جهاد النكاح» وسواها من الادعاءات الهادفة للنيل من سمعة الحراك الشعبي المنتفض ضد النظام الدكتاتوري.

وبدورهم بدأ أنصار رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بحشد أنصاره في مشهد مماثل وبدأوا اليوم بالتجمع في العديد من المناطق، ومنها منطقة عين التينة مرتديين قمصاناً رسم عليها صور «بري» وكتب عليها كلمة «النبي».

وفق تلك التعابير؛ وبين «الإله» عون و«النبي» المفترض «بري» ثمة قواسم مشتركة من الفساد المبني على المحاصصة الطائفية، لم يكن أولها ولا آخرها فضيحة تعيين مستشارين اثنين في إدارة «كازنو» لبنان براتب 10 ملايين ليرة لكل واحد منهما، وقضايا أخرى ساهمت في حالة الإفقار الشعبي.

في السياق يتابع الحراك اللبناني اعتصامه السلمي في الميادين والساحات بأعداد هائلة وغير مسبوقة، كان لها الفضل في التأسيس لوحدة وطنية خارج الطوائف والانتماءات السياسية. ويصرّ ذلك الحراك الثوري على تحقيق المزيد من المطالب الشعبية بعد أن نجح في الإطاحة بحكومة «سعد الحريري».

فهل ينجح الحراك الثوري اللبناني في مواجهة كل ما يعد له من أعمال «التشبيح» والتأييد الأعمى للزعامات والإقطاع السياسي، أم سينجح في الخروج إلى مستقبل واعد يؤسس للبنان الدولة الديمقراطية المدنية، التي كانت ذات يوم منارة الشرق، قبل أن تفتك به نيران الحروب الطائفية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.