ترجمة خاصة- الحل العراق

تسعى فرنسا لترك مصير مقاتلي تنظيم داعش من الأوروبيين إلى #السلطات_العراقية تقرر كما تشاء بشأنهم، في محاولةٍ منها للحفاظ على الجهاديين من الأوروبيين، والفرنسيين منهم على وجه الخصوص، بعيداً عن القارة الأوروبية.

فالتهديد الذي يشكله انسحاب #الولايات_المتحدة من #سوريا يظهر جلياً في #فرنسا أكثر منه في أي مكانٍ آخر من أوروبا الغربية.

فإمكانية الإفلات والهروب من السجون المؤقتة التي يديرها #الأكراد في سوريا، والتي تحتجز أشخاص مشتبه في انتمائهم إلى تنظيم داعش، يمكن أن تقرر مصير 200 من الفرنسيين البالغين (60 منهم من الجهاديين الخطيرين)، بالإضافة إلى مصير 300 طفل فرنسي.

فقد سافر حوالي 1900 مواطن فرنسي إلى سوريا للانضمام إلى صفوف تنظيم #داعش. وهذا العدد يشكل الضعف مقارنة بأي من أقرانهم الأوروبيين، وقد كانت لفرنسا حصّة استثنائية من العنف الذي شنه المقاتلون الأجانب.

فقبل أربعة أعوام، وفي إحدى ليالي الجمعة في #باريس، قام مواطنون فرنسيون وبلجيكيون (معظمهم كانوا قد عادوا مؤخراً من القتال في صفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق) بإلقاء قنابل يدوية على رواد الحفلات الموسيقية وفتحوا نيران الرشاشات على شرفات المقاهي في عملية أسفرت عم مقتل 130 شخصاً.

لذلك، لم يكن مفاجئاً قيام #الحكومة_الفرنسية بلعب دورٍ نشط جداً في المحادثات الدولية المتعلقة بكيفية احتجاز المقاتلين الأجانب ومحاسبتهم.

كما أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا أدى إلى إثارة نقاش عام في فرنسا حول ما يجب القيام به حيال المواطنين الفرنسيين المحتجزين هناك.

حيث يكمن السؤال ذاته في صميم جهود فرنسا الدبلوماسية والنقاشات المتعلقة بمصير المقاتلين وهو: هل يجب على فرنسا أن تعيد هؤلاء الذين غادروها للجهاد في صفوف تنظيم داعش وتحاكمهم في محاكمها المحلية؟

حيث أن مضمون الحملة الدبلوماسية الفرنسية يفتح نافذة على النهج الذي قد تتبعه الدول الأوروبية في تعاملها مع المقاتلين الأجانب. كما أن نجاح أو فشل الجهود تلك سوف يقدم أدلة مسبقة عن جدوى الطموحات الأوروبية.

وكان وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لو دريان” قد ذهب إلى #العراق في السابع عشر من شهر تشرين الأول الماضي لوضع خطة تعاونية يمكن للعراقيين بموجبها احتجاز جميع المقاتلين الأجانب المحتجزين اليوم في سوريا، بما فيهم الجهاديين الفرنسيين الـ 60، ومحاكمتهم في المحاكم العراقية.

وكان “لو دريان” قد التقى في اليوم ذاته قادة أكراد في #أربيل. وفي اليوم التالي لزيارته لبغداد، صرّح الوزير الفرنسي أن اتفاقاً جديداً مع العراقيين سوف يتم في القريب العاجل.

وتًعد زيارة “لو دريان” إلى العراق أحدث خطوة في المفاوضات التي دامت أشهر عدّة بين العراق والحكومات الأوربية.

حيث يبدو أن الحكومات الأوروبية، التي تعارض إعادة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم بغالبية ساحقة، ترى في نظام الحكم العراقي حلاً قوياً لمسألة هؤلاء المحتجزين.

وبالرغم من أن الوزير الفرنسي هو المسؤول الرسمي الأعلى رتبة الذي يشارك في المحادثات خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أنه وقبل يومين من زيارته إلى #بغداد كان خبراء من سبعة دول أوروبية قد سبقوه إليها لمناقشة مسألة احتجاز هؤلاء المقاتلين ومحاكمتهم.

وبالرغم من رغبة فرنسا إقناع العراق لإبقاء جميع المقاتلين الأجانب، بمن فيهم المحتجزين في سجون الأكراد في سوريا، إلا أن نظير “لو دريان” العراقي محمد علي الحكيم أبدى تردداً من احتواء «إرهابيين أجانب نفذوا هجمات خارج أراضي العراق».

كما أن احتواء مئات المحتجزين الأوروبيين يشكل مصدر ضغط كبير على نظام العدالة والسجون في العراق.

ويطالب العراق الدول الأوروبية بدفع الملايين مقابل تحمل رعاية المقاتلين الأجانب المحتجزين ومحاكمتهم. في حين أفادت تقارير بأن مسؤولين أميركيين شاركوا في المحادثات حول الدعم المالي لبناء سجون جديدة في العراق للمقاتلين الأجانب الأوروبيين.

وبالرغم من كل ذلك، فإن العقبة الأكبر أمام فرنسا وحلفائها الأوروبيين هي التحديات القانونية. حيث سيتعين على الدول الأوربية العمل مع العراق لإنشاء أطر قانونية تفي بالمعايير الإنسانية المحلية والدولية والأوربية.

وفي لقاء تلفزيوني، أكد “لو دريان” بأن الهدف من زيارته إلى العراق هو إيجال سبل لإقامة نظام قانوني يمكن من خلاله محاكمة جميع المقاتلين، بمن فيهم الفرنسيين. وبذلك، يتعين عليهم صياغة بنية قضائية تضمن حماية قوية ضد عقوبة الإعدام والتعذيب إضافة إلى الالتزام بالمعايير التي ترضي الدول الأوروبية ومعاهدات #حقوق_الإنسان المختلفة.

إلا أن الصحافة الفرنسية وفي حديثها عن زيارة “لو دريان” إلى العراق استشهدت بأنصار حقوق الإنسان والذين شجبوا من جانبهم احتجاز المقاتلين الأجانب في العراق نظراً لمخاطر التعذيب الحقيقية وعدم وجود ضمانات لعملية محاكمات عادلة.

حيث نفذ العراق عام 2015 أحكاماً بالإعدام جعلته يحتل المرتبة الخامسة عالمياً في عدد الأشخاص الذين تم إعدامهم.

وكانت القوات الكردية قد نقلت بالفعل عشرة مواطنين فرنسيين إلى العراق للمثول أمام محاكمها بسبب انتمائهم إلى تنظيم داعش. وكانت المحاكم العراقية قد أصدرت أحكاماً بالإعدام بحق اثنا عشر رجلاً، أحد عشر منهم من الفرنسيين من ضمنهم تونسي فرنسي مقيم في فرنسا.

وكان مسؤولون من #القنصلية_الفرنسية قد حضروا المحاكمة دون إبداءهم أي تدخل يُذكر، في حين لم يتم تنفيذ أحكام الإعدام بحق أي من المتهمين بعد.

وقد أثارت تلك الخطوة اعتراضات عنيفة. فأدانت رسالة من 45 محامياً فرنسياً الأمر معتبرين تقاعس #الحكومة_الفرنسية عن وقف تلك المحاكمات نفاقاً.

وبالعودة إلى حظر حكم الإعدام في المادة 1-66 من #الدستور_الفرنسي، ادّعت المجموعة المذكورة بأن عدم تدخل الحكومة يتمثل بـ «الرد على الهمجية بعقاب ممنوع بشكلٍ مطلق».

كما أن نقل المحتجزين لاقى إدانةً شديدة أيضاً من “أغنيس كالامارد”، المقررة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بحالات الإعدام التعسفي في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

وقد كتبت “كالامارد” إلى رئيس الوزراء الفرنسي “إدروارد فيليب” تدعوه إلى حث الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” على إعادة المقاتلين الفرنسيين المحتجزين في العراق.

وصرّحت بأن نقل المقاتلين من سوريا إلى العراق يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي. وقد ركزت في رسالتها على انتقاد أوجه التقصير في نظام العدالة العراقي، محذّرة من أن العراق بلدٌ يعاني نظامه القانوني من مشاكل هيكلية خطيرة للغاية.

وفي إشارة منها إلى الادعاءات بأن الحكومة الفرنسية أبدت تأييدها لعملية النقل، شددت “كالامارد” على أنها تشعر بعدم الارتياح خاصةً أن هناك ادعاءات تزعم بأنه ربما يكون للحكومة الفرنسية دور في عملية النقل هذه؛ نظراً إلى خطر تعرضهم للتعذيب وللمحاكمات الجائرة وحتى احتمال مواجهتهم عقوبة الإعدام.

أما فرنسياً، فقد لاقى عرض “لو دريان” استحساناً من قبل بعض المراقبين. ومن جهةٍ أخرى، حصلت هذه الخطوة على دعماً جزئياً من منافسة الرئيس الفرنسي “ماكرون” السياسية الشرسة “مارين لو بين” من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف (الجبهة الوطنية سابقاً).

حيث قالت عبر إحدى محطات الإذاعة الفرنسية: «الحكومة على حق في بحثها عن سبل لتجنب إعادة الجهاديين الفرنسيين المزعومين».

لكن “لو بين” أيضاً حثت الحكومة الفرنسية على تبني الخطة الدنمركية التي تتمثل في سحب الجنسية المحلية من المقاتلين الأجانب.

وبالرغم من ذلك، لم تصل مناقشة عودة المقاتلين الفرنسيين إلى وطنهم ذروتها إلا بعد تدخل علني من جهة مفاجئة.

فقد أجرى “ديفيد دي باس”، قاضي جنح في محكمة فرنسية متخصصة بقضايا الإرهاب، لقاءاً بعد يومين فقط من زيارة “لو دريان” إلى العراق حيث دعا من خلالها إلى إعادة المقاتلين الأجانب الفرنسيين إلى وطنهم بغرض محاكمتهم في محاكمها الوطنية.

وربما شجعت الانتصارات الأخيرة في نظام فرنسا القانوني المحلي في مكافحة الإرهاب “دي باس” بشكلٍ واضح. فقد حققت محاكم فرنسية انتصارات «رمزية في بعض الأحيان».

ففي الرابع عشر من شهر تشرين الأول الماضي، أدانت محكمة فرنسية سيدتين لمحاولتهما الفاشلة تفجير #كاتدرائية_نوتردام.

كما حكمت المحكمة كذلك على رشيد قاسمي، قائد في تنظيم داعش مولود في فرنسا، والذي جنّد السيدتين في صفوف التنظيم، غيابياً بالسجن مدى الحياة.

في حين يفترض محللون بأن “قاسمي” قتل إثر غارة جوية أمريكية نفذتها طائرة بدون طيار في العراق عام 2017.

لكن “ديلاوسي” وصف حكمه بالسجن مدى الحياة بالخطوة القوية من قبل سلطات مكافحة الإرهاب الفرنسية. وأشار أيضاً إلى أن إدانة قاسمي سوف تكون بمثابة سابقة ثمينة في المستقبل لهؤلاء الذين يسعون إلى استهداف أفراد جدد وتجنيدهم.

من جانبها لم تبدي الحكومة الفرنسية أي علامات تدل على تراجعها عن موقفها بشأن الاتفاق مع السلطات العراقية وذلك بالرغم من عدم وجود أي دلائل على أن موقف “لو دريان” سوف ينتصر على دي باس.

وأياً كانت النتيجة، فإن النقاش الفرنسي يعرض صورة مصغرة عن موقف الحكومات الأوروبية بشأن احتجاز المقاتلين الأجانب في كل من سوريا والعراق.

عن موقع (Lawfare) الأميركي- بتصرّف

ترجمة الحل العراق- تحرير فريد إدوار


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.