يلجأ (أبو أيمن) وهو موظف حكومي متقاعد يعيش مع عائلته في العاصمة #دمشق، إلى صرف قيمة #الحوالة الآتية من ابنه في تركيا (200 دولار) لدى أحد تجار #الذهب في منطقة الحريقة بالعاصمة دمشق، الذين يتعاملون ببيع وشراء العملات الأجنبية بأسعار #السوق_السوداء.

ويتبع تلك الطريقة لأنها آمنة وتجنبه المساءلة عن مصدر الحوالة، كما أنها أكثر جدوى من الذهاب لشركات الصرافة، التي ستسلمه قيمة الحوالة بالليرة السورية وبالسعر الذي يحدده المصرف المركزي.

لم تكن “السوق السوداء” هي خيار (أبو أيمن)، بل أصبحت خيار معظم السوريين، الذين بات اعتمادهم الوحيد في معيشتهم على الحوالات المرسلة من ذويهم في الخارج، والتي قدرها خبراء مقربون من النظام بين 4 إلى 6 ملايين دولار يومياً، ويرتفع إجمالي الحوالات، في أوقات الأعياد لتبلغ نحو 10 مليون دولار.
وهنا لابد من طرح مجموعة من التساؤلات: من يتحكم بالسوق السوداء في #سوريا؟ وهل تستفيد الحكومة السورية منها؟ وما مدى تدخل رجال الأعمال المقربين من النظام بهذا السوق؟

السوق السوداء “تُهمش” دور المركزي

انتشر مصطلح “السوق السوداء” في سوريا بعد العام 2011، على وقع الانخفاض المستمر في قيمة الليرة السورية أمام سلة العملات الأجنبية.

وبدأ الناس يعتمدون في تحويلاتهم المالية وعمليات بيع وشراء العملات الأجنبية، على مجموعة من المكاتب والشركات ومحلات الصاغة، التي تعمل بعيداً عن النظام المصرفي، وتعطي أسعاراً مقاربة لما هو متداول في السوق.

ومع مرور السنوات، أصبح الفارق بين سعر صرف الحوالات القادمة إلى سوريا وسعر السوق السوداء كبيراً، فباتت عملية تحويل الأموال عبر الأقنية الرسمية تُعرّض صاحبها لخسارة كبيرة، إذ أن المصرف المركزي يحدد سعر استلام الحوالات بـ 434 ليرة، بينما يتعدى سعر صرف الدولار في السوق السوداء 685 ليرة.

يعتمد (وسيم) وهو شاب يعمل “أونلاين” مع شركة خارج سوريا في استلام حوالته المالية على أحد زملائه المقيمين في لبنان لاستلام راتبة المقدر بـ 300 دولار، الذي بدوره يقوم بإرسالها إلى داخل سوريا عن طريق أحد تجار السوق السوداء.

وعن ذلك يقول وسيم إن “هذا الخيار الأنسب والأكثر أماناً لتلقي الأموال من الخارج، عدا عن أن الفرق في سعر الصرف والذي قد يعرضني لخسارة أكثر من ربع قيمتها، إذا ما أرسلت عن طريق مكاتب الحوالات الرسمية”.

وأضاف لموقع (الحل نت) “إذا ما أراد أحد بيع أو شراء الدولار فلا يلجاً إلى المصرف المركزي أو مكاتب الصرافة، بل أصبحت السوق السوداء هي المتحكمة في السوق وحتى في سعر الصرف”.

بدوره، الباحث في الشأن الاقتصادي الدكتور (فراس شعبو)، أكد أن “لعبة التحكم في السوق السوداء خرجت من يد المصرف المركزي كما كان يحدث في بدايات الثورة في 2011، من خلال بعض الشخصيات النافذة ومكاتب الصرف وغيرها”.

وأضاف شعبو في حديثه لموقع (الحل نت) أن “النظام ما يزال لديه القدرة على التحكم في سعر الصرف بشكل جزئي، لكن الكيانات المتحكمة في الاقتصاد السوري، هي التي استلمت زمام المبادرة حالياً، من خلال رجال الأعمال والشخصيات وأمراء الحرب، التي برز اسمها خلال سنوات الثورة، والتي تحقق مكاسب هائلة على حساب الشعب”.

من يتحكم بالسوق السوداء؟

يؤكد أحد تجار الذهب في منطقة “الحريقة” في العاصمة دمشق لموقع (الحل نت) أن “هناك شخصيات ورجال أعمال مقربين من السلطات السورية يتحكمون في سعر الصرف، وهم وراء طفرات الصعود والهبوط في قيمة الليرة السورية، وهدفهم من تلك الحركة تحقيق مكاسب كبيرة من فروقات سعر الصرف”.

وأضاف التاجر، الذي فضل عدم ذكر اسمه “في شهر أيلول الماضي وصل سعر صرف الدولار لحدود 690 ليرة، كما هو الحال حالياً، وكانت هناك طلب كبير على الدولار الذي أصبح شبه مفقود في السوق ما زاد في سعره”.

وتابع “طبعاً هذا الانخفاض في قيمة الليرة يدفع الكثيرين لتحويل ما لديهم من مدخرات وتحويلها إلى دولار خوفاً من الانهيار بشكل كلي، وبعد فترة وجيزة تقوم تلك الجهات ورجال الأعمال بضخ كميات كبيرة من الدولار في السوق ما يجعله متوافراً وبسعر أقل، فيضطر من اشترى بسعر مرتفع أن يبيع خوفاً من هبوط الدولار مجدداً، وبالتالي يصبح المواطن هو الخاسر في عمليتي البيع والشراء على حد سواء، علماً أن هذه الحادثة تتكرر كل فترة”.

في السياق نفسه، أشار الخبير الاقتصادي (يونس الكريم) إلى أن شركات الصرافة هي جزء من منظومة وأدوات البنك المركزي للتحكم في سعر الصرف في سوريا، لكن تم تعطيل هذه الأداة منذ تولي حاكم المركزي الجديد (حازم قرفول)، إذ جمد عمل تلك الشركات، ولم يعد لها دور في سعر الصرف.

وأكد الكريم لموقع (الحل نت) أن “رجال الأعمال وهم الأداة الثانية للمصرف المركزي في التحكم في السوق، لعبوا دوراً في تحديد سعر الصرف، وخصوصاً في عمليات الاستيراد، فهم يستطيعون دفع البضائع مقابل عمولات، وتجنباً للعقوبات على النظام بتأمين حوالات الأموال دون اللجوء إلى النظام المصرفي، حتى أن الحكومة تتعامل معهم وتضعهم كواجهات لها للتدخل في سعر الصرف”.

هل فشلت مبادرة “دعم الليرة” في كبح انهيار العملة؟

وظهر اعتماد السلطات السورية، على رجال الأعمال مؤخراً بعد أن استهدفت معظم رموز الاقتصاد ضمن أجواء أوحت بمساءلتهم مالياً، ووصل الأمر للإعلان عن حجز احتياطي يطال ممتلكات البعض منهم، في مسعى لإجبارهم على التدخل والوقوف بوجه الانهيار النقدي، ودعم البنك المركزي بالعملة الصعبة.

وتمخض عن تلك الحملة إنشاء ما يسمى “صندوق دعم الليرة”، للاستيراد وفق سعر مناسب (604 ليرة) للدولار، على أن يتحمل رجال الأعمال المساهمين في الصندوق بعض الخسارات الناتجة عن الفارق في سعر الصرف.

ورغم الإعلان عن وصول موجودات الصندوق إلى مليار دولار، بحسب أحد أعضاء غرفة التجارة، إلا أن المبادرة فشلت عملياً في كبح انهيار الليرة، مع أخبار لاحقة عن تجميد المبادرة، بسبب تقييد استفادة المستوردين منها بشروط تعجيزية.

إعداد: أسامة مكية – تحرير: مهدي الناصر

الصورة من الأرشيف

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.