خلال حرب الخليج الثانية في تسعينيات القرن الماضي بين العراق والكويت، أو الحرب التي بدأت بسبب غزو نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت، أسّست المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مخيماً على مشارف بلدة الهول بالتنسيق مع الحكومة السورية حينها، وعند تأسيسه نزح إلى هذا المخيم ما يزيد عن 15 ألف لاجئ عراقي وفلسطيني، هاجر الكثيرون منهم إلى مختلف أرجاء العالم بمساعدة الأمم المتحدة.

بعد الاجتياح الأمريكي للعراق 2003، استقبل المخيّم عشرات آلاف اللاجئين العراقيين، ولكن الموجة الأكبر كانت عندما وصل تنظيم «داعش» إلى سوريا، وسيطر على مساحات واسعة من شمال شرق البلاد.

«الهول» اليوم، أكثر من مجرّد مخيم يؤوي نازحين سوريين ولاجئين عراقيين، بل أصبح محط استقطاب سياسي، بسبب احتضانه للآلاف من عوائل تنظيم «داعش» وخصوصاً النساء والأطفال، وترفض دول هؤلاء استرجاعهم، في حين يبقى مستقبل المخيّم ضبابياً وغير واضح.

بحسب معلومات «الحل نت» يتّسع مخيم الهول لـ 40 ألف لاجئ، وقبل المعارك ضد «داعش» كان فيه تسعة آلاف لاجئ، ولكنّ عددهم زاد عن 70 ألفًا بعد الحملة العسكرية ضد «داعش» التي انتهت في بلدة الباغوز بريف دير الزور.

افتُتح المخيّم للمرّة الأولى عام 1991 بالتنسيق بين الأمم المتحدة والحكومة السورية، بعد معركة الخليج الثانية، وأُعيد افتتاحه بعد الغزو الأميركي للعراق كواحد من ثلاث مخيمات على الحدود السورية-العراقية. وينقسم النازحون داخل المخيم حالياً إلى ثلاث فئات، المدنيون السوريون، المدنيون العراقيون وعائلات تنظيم «داعش»، ويتكوّن من ست فيزات (أقسام) وفيه قسم خاص لعائلات التنظيم المهاجرين (غير السوريين) وهذا القسم لا تطله عدسات الإعلام.

معاناة المدنيين

على غرار الشأن السياسي الدولي للمخيم، كونه يحتضن المئات من عائلات تنظيم «داعش» إلّا أن الخدمات فيه متراجعة إلى حدٍّ كبير، إذ يعاني قاطنو المخيّم مع كل جوانب الحياة بما في ذلك سوء وضع الخيم التي تؤويهم والمياه والكهرباء، إضافةً إلى الصحّة والتعليم والتنمية وغيره، فلا يوجد أي جانب مضيء في خدمات هذا المخيّم بحسب ما لاحظ مراسل «الحل نت».

في مطلع العام الحالي، وبالتزامن مع قسوة الشتاء، أعلنت الأمم المتحدة عن وفاة ما لا يقلّ عن 29 من الأطفال وحديثي الولادة في مخيم الهول، جنوب الحسكة، أغلبهم نتيجة الانخفاض الحاد في درجة حرارة الجسم والتعرض للبرودة. ولكن في هذا العام ومع قدوم فصل الشتاء، لا يبدو أن شيئًا قد تغيّر، إذ أن قسوة الطقس من جهة وعدم توفّر خيام ومواد تدفئة تقلّل من قسوة الجو يُنذر باستمرار المأساة.

أحمد أبو رزق، من نازحي ريف دير الزور الشرقي، وصل إلى المخيّم قبل عامين، وعند وصوله بقي خلال الأسابيع الأولى ينام في العراء بسبب عدم توفّر خيم جاهزة، حاله كحال معظم الواصلين الجدد. يقول لـ«الحل نت» عبر اتصال هاتفي: «لا يوجد خيام لجميع قاطني المخيّم، بسبب الضغط السكّاني الكبير عليه، كونه يستوعب ثلاث أضعاف طاقته، كما لا يوجد بطانيات وأغطية كافية لمواجهة الشتاء القادم».

ويوضّح أيضًا أن الأجواء منذ الآن أصبحت شديدة البرودة ليلًا، وهناك أطفال ونساء ينامون في خيم شبه مفتوحة على العراء بحيث يشعر القاطن داخلها أنّه ينام خارج الخيمة.

وتقول لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا في آخر تقاريرها في 12 أيلول الماض،ي في تقرير قدّمته إلى مجلس حقوق الإنسان: «توفي 390 طفلاً على الأقل العام الجاري في المخيم جراء سوء التغذية والجروح غير المعالجة، بينما سكان المخيم البالغ تعدادهم نحو 70 ألف نسمة عانوا أيضاً من السيول والأمراض المعدية ونقص الغذاء» موضحةً أن «عشرات الآلاف من النساء والأطفال يعيشون في ظروف غير إنسانية في مخيم الهول».

وأوضحت اللجنة في تقريرها، أن معظم الأطفال البالغ عددهم حوالي 3500 طفل، المحتجزين هناك، لا يملكون وثائق ولادة. ولم يكن الوضع الطبّي في المخيّم أفضل حالًا، فمنذ نزوح الآلاف إليه عقب المعارك مع «داعش» لم يكن يحتوي المخيّم على أي مستشفى، وكل ما كان موجودًا هناك هو فقط نقاطًا طبّية تقدّم إسعافات أولية حسب الإمكانات المتاحة، وذلك على الرغم من أن المخيّم لا يخضع لأي حصار يفرض عدم إدخال المعدات الطبّية إليه.

وقال متطوّع داخل مخيّم الهول لـ«الحل نت» رفض الكشف عن هويته: «يتم إخراج الحالات الطبّية الحرجة إلى خارج المخيّم للعلاج في مستشفيات الحسكة، في حين يتم تجاهل الحالات غير الحرجة وغير الإسعافية، وهو ما أدّى لانتشار الأمراض والأوبئة وتفاقمها بين الأطفال على وجه التحديد». كما يشكو النازحون في مخيم الهول في الوقت الحالي من شحّ المياه وعدم صلاحيتها للشرب، وتسببها بحالات إسهال وأمراض للأطفال على وجه الخصوص.

أما «فراس الخلف» أحد نازحي الهول، قال: إن «المسؤولين عن نقل المياه يضخّون كمية مياه يوميًا تكفي أقل من نصف احتياجات القاطنين ما يؤدّي لازدحام كبير على مياه الشرب، والاعتماد على مياه غير صالحة للاستهلاك البشري بعد نفاد كميّة المياه النظيفة.

قنابل موقوتة

من بين 70 ألف قاطن في المخيّم، يوجد حوالي ثمانية آلاف طفل أجنبي من أطفال مقاتلي «داعش» من 40 دولة، وكذلك أربع آلاف امرأة من زوجات عناصر التنظيم، ليكون العدد الإجمالي لنساء وأطفال مقاتلي التنظيم حوالي 12 ألفاً. ومؤخّراً نقلت القوات الأمريكية عددًا غير معروف من هذه نساء وأطفال عناصر تنظيم «داعش» كما أن الوجهة التي تم نقلهم إليها غير معروفة.

وبحسب ما نقلت مصادر من داخل المخيّم لموقع «الحل نت» فإن هذه الخطوة جاءت بعد تخوّف الولايات المتّحدة من جدّية انتشار إيديولوجيا التنظيم بين القاطنين هناك، بسبب تجاهر عائلات مقاتلي التنظيم بموالاتهم له أمام النازحين. وفي الأيام التي أعقبت مقتل زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، شهد المخيّم تظاهرات وعمليات عصيان من عائلات مقاتلي التنظيم احتجاجًا على مقتله.

وبحسب شهادات متقاطعة جمعها «الحل نت» من نازحين ومتطوّعين في المخيّم، فإن نساء وأطفال مقاتلي التنظيم حاولوا أكثر من ستّ مرات الهروب بشكلٍ جماعي باستخدام طرقٍ مختلفة للخروج من المخيّم، ولكن معظم هذه المحاولات باءت بالفشل.
وقال متطوّع في إحدى المنظّمات رفض الكشف عن هويته لأسبابٍ أمنية: «إن إحدى محاولات الهروب من المخيّم جاءت بعد إضرام النار بالخيام من أجل تشتيت انتباه حرس المخيّم ثم جاءت بعدها محاولة الهروب ولكن باءت بالفشل أيضًا.

وكان ناشطون قد بثّوا مقاطع فيديو يُظهر اللحظة الأولى لإخبار نساء التنظيم بأن البغدادي قد قُتل، فكان ردة فعل معظم نساء مقاتلي التنظيم بأنّهن تمنينَ ظهور زعيم جديد أقوى لإعادة إحياء «الخلافة»، وقالت إحداهنَّ في التسجيل: «عندما استشهد أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي لم يتأثّر تنظيم القاعدة لذلك نتمنّى ألّا تتأثّر دولة الخلافة باستشهاد أبو بكر البغدادي»

ما مصير الأجانب؟

حتّى الآن لا توجد أيّة معلومات واضحة عن مصير الـ 12 ألف طفل وامرأة الأجانب من مقاتلي التنظيم، ينتمي هؤلاء لـ 56 دولة، هناك منهم من يريد العودة لدولته ولكن دولهم لا تريدهم. وثمّة إجماع دولي على عدم الموافقة على استعادة من انتسبوا لتنظيم «داعش» إلى دولته الأساسية، كما أصدرت بعض الدول الأوروبية قرارات بسحب جنسية دولهم مع عناصر التنظيم الذين يملكون جنسياتٍ أخرى.

ومن بين هذه الدول، استراليا التي ترفض استعادة عائلات التنظيم، ومنحت حق سحب الجنسية من مزدوجي الجنسية منهم، ويبلغ عدد الاستراليين من مقاتلي التنظيم وعائلاتهم 230 استرالياً، في حين عكفت بعض الدول إلى استعادة الأطفال الأيتام، مثل ألمانيا التي استلمت أربعة أطفال أيتام تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات على إحدى النقاط الحدودية بين سوريا والعراق.

الشعوب بحاجة لثورات أخرى

إن أحد أهم الأسباب لصعود تنظيم «داعش» عدم تجاوب الحكومات العربية، وخاصة حكومتي دمشق وبغداد لمطالب شعبيهما مما أدى لإخفاقات متراكمة سواء في المجال السياسي؛ أو الاقتصادي على مدار أكثر من خمسين سنة ولتستمر بالنهج ذاته مع ثورات الربيع العربي، التي كانت نعمة لحركة الإخوان المسلمين والجماعات الجهادية الأخرى، وخاصة (داعش، وتنظيم القاعدة) بركوبها الثورات، مستفيدة تارة من زيادة طغيان تلك الأنظمة، وتارة أخرى من تراجع النمو الاقتصادي مما زاد الفقر والبطالة، فأصبحت الأرضية جاهزة لتلك الحركات المتطرفة بالاستفادة من الزمن والتوقيت خدمة لمصالحها، فأضحت الشعوب العربية بحاجة لثورات أخرى على الجهتين معاً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.