نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريراً أشارت فيه إلى نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العنيد، على حد وصفها، بالوصول إلى منبرٍ في البيت الأبيض ليتحدث عبره بطلاقة عن وجهات نظره. في حين حصل الرئيس الأمريكي في المقابل على فرصةٍ أقل. فقد حصل الرئيس التركي على فرصة نادرة لمخاطبة الشعب الأمريكي وملايين المشاهدين عبر العالم، حيث وقف إلى جوار الرئيس الأمريكي في الغرفة الشرقية في البيت الأبيض يوم الأربعاء بعد اجتماعٍ رسمي تم بناءاً على طلبه. حيث لم يكن من الواضح بأن ترامب قد حصل على أي شيء على الإطلاق من ذلك الاجتماع.

وخصص ترمب معظم ملاحظاته للثناء على نظيره التركي بالرغم من خرق الأخير الواضح للمعاهدات الغربية من حيث شراء المعدات العسكرية الروسية واعتقال الصحفيين وإطلاق حملة اجتياحه الدامية لاحتلال شمال شرق سوريا والسماح لمرتزقته من العرب السوريين بارتكاب جرائم حرب بدون رادع. حيث قال ترمب: “تركيا، كما يعلم الجميع، حليف عظيم في حلف الناتو وشريك استراتيجي للولايات المتحدة حول العالم”، شاكراً أردوغان على جهوده لوقف إطلاق النار في شمال شرق سوريا. إلا أنه ومع ذلك، لم يتوقف القتال في شمال شرق سوريا على أرض الواقع. كما شكر تركيا على مساهمتها الحيوية في العمليات في أفغانستان وتلك التي تمت ضد تنظيم “داعش”، إلا أنه في الحقيقة لم تلعب تركيا أي دور يذكر في العملية التي نفذتها القوات الخاصة الأمريكية التي أسفرت عم مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، والتي تمت على بعد أميالٍ فقط من الحدود التركية.

ولم يشر ترمب إلى أي اتهامات بارتكاب تركيا جرائم حرب وانتهاكات شنيعة لحقوق الإنسان وتلك التي نفذها مرتزقة تركيا من العرب السوريين خلال توغلهم في الأراضي السورية، بما في ذلك استخدام الذخائر المحملة بالفوسفور الأبيض ضد المدنيين وإعدام السجناء واستهداف النساء والأطفال. وفي غضون ذلك، أمضى أردوغان معظم وقته أمام كاميرات التصوير في إدانة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، المقاومة الشعبية التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، والتي كانت مسؤولة إلى حدٍّ كبير عن دحر تنظيم “داعش”، وإلقاء اللوم على المجموعة بسبب تفجير في بلدة تل أبيض السورية والذي وقع هذا الشهر متسببا بمقتل ثلاثة عشر مدنياً. حيث تنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب كفرع لحزب العمال الكردستاني (PKK) والذي يشن تمرداً منذ عقود في تركيا.

وكان المؤتمر الصحفي الذي أعقب الاجتماع مجرد مثال آخر لخضوع ترمب إلى رغبات أردوغان، وذلك بعد شهر واحدٍ فقط من سحب الرئيس الأمريكي قواته من الحدود السورية مع تركيا الأمر الذي مهد الطريق أمام تركيا لمهاجمة وحدات حماية الشعب الكردية. وقد غرّد رجب سويلو، صحفي تركي، قائلاً: “يجن أن يكون أردوغان سعيداً بشأن حقيقة أن ترمب وفّر له منبر من البيت الأبيض للدفاع عن نفسه في الوقت الذي تشجب فيه جميع وسائل الإعلام الدولية حكومته باستمرار”. وأضاف: “هذا انتصار للعلاقات العامة لأردوغان. فالقنوات التلفزيونية العالمية تبث تصريحاته لمدة خمسة عشر دقيقة دون انقطاع”.

وكان من المفترض أن يكون هذا الاجتماع، الذي ضم مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ البارزين أيضاً ومن بينهم لينسي غراهام، فرصةً للرئيسين للتوصل إلى اتفاق بشأن عدد لا يُحصى من القضايا بما في ذلك شراء تركيا لنظام الصواريخ S-400 الروسية والذي يهدد الطائرات الأمريكية المقاتلة، بالإضافة إلى صفقة تجارية محتملة بقيمة 100 مليار دولار، إلا أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بشأن هاتين المسألتين حتى الآن. “نحن نتحدث عنها بشكلٍ مستمر. تحدثنا عنها اليوم. وسوف نتحدث عنها في المستقبل. على أمل أن نكون قادرين على حل تلك المسألة”، قال ترامب بشأن صواريخ S-400.

ويبين التقرير بأن الإدارة الأمريكية اقترحت حلاً ينطوي على موافقة تركيا على عدم تفعيل S-400 التي وصلت إلى تركيا هذا الصيف، ممهدةً الطريق فعلياً أمام واشنطن لاستقبال أنقرة مجدداً في برنامج الطائرات المقاتلة من طراز F-35. إلا أن الخبراء يقولون بأن أردوغان قد تراجع مجدداً وبسرعة بشأن طلب ترامب المتعلق بمسألة S-400. وبحسب توماس كاراكو، من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، فإن مجرد الموافقة على عدم تفعيل نظام S-400 لا يشكل تنازلاً ويمكن ببساطة التراجع عنه. حيث قال كاراكو: “بالتأكيد، بإمكانك أن توقف تفعيله، وعندها لا تستطيع تشغيله، يمكنك أن تضعه في مرآب، إلا أن مستوى الثقة الذي لن يتمكنوا من طرحه بعد ستة أشهر من الآن أو بعد عام من الآن سوف يكون منعدماً”.
فالقلق من استخدام تركيا لـ S-400 يكمن في أنها صممت لتتبع الطائرات المقاتلة الأكثر تطوراً في الولايات المتحدة للحصول على معلومات أساسية بشأن كيفية عمل الطائرات المقاتلة من طراز F-35 عندما تكون في وضع التخفي. وسوف تشق مثل تلك المعلومات بسرعة طريقها إلى موسكو التي تشارك في تدريب القوات المسلحة التركية بشكلٍ أساسي على كيفية استخدام نظام الصواريخ المذكور قبل شرائها، حيث أرسلت تركيا أفراداً إلى روسيا للبدء بالتدريبات. ويضيف كاراكو قائلاً: “بدون تحميلهم وشحنهم إلى نيو مكسيكو، سوف تكون فكرة الائتمان بأن المجريات لن تختلط يمكن أن تكون مهمة سيئة للغاية”، في إشارة منه إلى أن الحكومة الأمريكية يمكنها تفكيك أنظمة الصواريخ وتفحصها في نيو مكسيكو.

وقد قامت وزارة الدفاع الأمريكية بإخراج تركيا رسمياً من برنامج F-35 هذا الصيف بعد وصول أولى أنظمة الـ S-400 إلى أراضيها، مشيرةً إلى أن أنقرة سوف تفقد عملها الإنتاجي على متن الطائرات بحلول آذار من العام 2020. إلا أن المسئولين الأمريكيين تركوا المجال مفتوحاً أمام تركيا للعودة إلى البرنامج إذا ما توصلوا إلى طريقةٍ لحل مسألة S-400. “يجب ألا يكون النظامان مشتركان”، يقول الجنرال تود وولترز، رئيس القيادة الأمريكية في أوروبا، في شهر تشرين الأول. وأضاف: “هناك قرار يمكن لتركيا أن تتخذه، ونحن سوف نستمر في المضي قدماً. لكن كما قلنا من قبل، إن تركيا حليف مهم في حلف الناتو والعلاقة العسكرية من منظور الولايات المتحدة وحلف الناتو سوف تبقى قوية”.

كما كرر وزير الدفاع مارك إسبر مخاوفه الشهر الماضي لنظيره التركي. “لقد كنت واضحاً جداً في لقائي الأخير مع وزير الدفاع خُلوصي آكار”، قال إسبر للصحفيين يوم الاثنين. وأضاف: “قلت مرةً أخرى، لا يمكنك امتلاك نظام S-400 والاستمرار مع برنامج F-35. ولذا فأنا أعتقد أن التهديد الذي تتعرض له الطائرة F-35 أكبر بكثير”.

كما سيتسبب تسلّم تركيا هذا الصيف للنظام الروسي بعقوباتٍ قاسية بحقها أيضاً بموجب قانون مكافحة خصوم أمريكا للعام 2017، حيث تستهدف العقوبات البلدان التي تشتري معدات الدفاع الروسية. إلا أن ترمب أجّل فرض العقوبات بالرغم من احتجاجات المشرّعين. ومن المحتمل أن يثير أي اتفاق متعلق بحل المشكلة غضب النواب الذين مارسوا ضغوطاً منذ أن أعلنت أنقرة نيتها شراء نظام الصواريخ الروسي. وبحسب كاراكو، فإنه وبالرغم من أن الولايات المتحدة عرضت نظام صواريخ باتريوت كبديل، إلا أنه كان لدى أردوغان الكثير من الأسباب لشراء S-400. وكان السبب الرئيسي سياسياً حيث رأى في شراء S-400 “تقديراً” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما أن هناك سبب آخر تقني، فرادار S-400 يبلغ 360 درجة، بينما رادار الباتريوت الأغلى سعراً يبلغ فقط 180 درجة. وأخيراً، فإن أردوغان الذي تعرض للهجوم من قبل قواته الجوية الخاصة في العام 2016 باستخدام الطائرات المقاتلة أمريكية من طراز F-16، يريد نظاماً صمم لإسقاط الطائرات الغربية.

وقد ألقى ترمب باللائمة في شأن مشكلة الصواريخ على الرئيس السابق باراك أوباما، مدعياً بأن إدارته رفضت بيع أردوغان الباتريوت، إلا أن هذا الوصف ليس دقيقاً. فقد حاولت تركيا شراء الباتريوت مرتين قبل ذلك العرض الأخير الذي تضمن شروطاً أفضل بشأن السعر والإنتاج، وقد نقضت وزارة الخارجية رسمياً الاتفاق هذا الصيف. وفي كلتا الحالتين، فشلت الصفقات بسبب إصرار أنقرا على نقل تقنية الصواريخ، الأمر الذي رفض المسؤولون الأمريكيون القيام به. ومع ذلك، فإن أردوغان لا يزال يعوّل في عملية شراء الباتريوت على ترامب بالرغم من أنه من غير الواضح أن المناقشات سوف توصل إلى نتيجة. ويختم كاراكو حديثه للفورين بوليسي بالقول: “ما يزالون يلعبون معنا على الباتريوت”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.