ترجمة- الحل العراق

لا يثير مصير أكراد إيران الذين يتجاوز عددهم ستة ملايين نسمة، اهتمام وتضامن أحد في هذا العالم بالرغم من اشتداد موجة القمع الأخيرة بحقهم.

وإن لم يكن هناك إحصاءات رسمية لعدد الأكراد في الدول الأربعة التي تتقاسم كردستان وتبقى بالتالي هذه الأعداد تقديرات فقط، فإن عدد أكراد إيران يبقى أكبر من عدد الأكراد في العراق وكذلك أكثر من ضعفي عدد أكراد سوريا، وإن بقيوا أقل بكثير من عدد أكراد تركيا.

وعلى الرغم من وزنهم السكاني النسبي، إلا أن الأكراد الإيرانيون مغيبون فعلياً عن المعالجة الإعلامية والتعبئة السياسية في كل ما يتعلق بـ “القضية الكردية”.

وبالتالي، فإن هذا التغييب واللامبالاة على نطاقٍ واسع بحق الأكراد الإيرانيين بات أكثر إيلاماً لهذا الشعب من العنصرية والتمييز الذين يتعرض لهما في إيران.

تاريخ طويل من المقاومة

في إيران وفي عام 1946، تم الإعلان ولأول مرة عن قيام “الجمهورية الكردية” والتي اتخذت من مهاباد عاصمةً لها. حيث دعم الاتحاد السوفييتي هذه الجمهورية التي قادها الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني.

وقد استقبلت الجمهورية المذكورة آنذاك الآلاف من أبناء عشيرة البرزاني الفارين من قمع السلطات العراقية. لكن إعادة توطيد سلطة الشاه والصفقات الدولية قضت على هذه الجمهورية التي احتلت طهران أراضيها وأعدمت قادتها.

وبعد حوالي عشرين عاماً، أعاد الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بناء نفسه ملتفاً حول الشخصية الجذابة لـ عبد الرحمن قاسملو.

وقد شارك البيشمركة (المقاتلون الأكراد) من هذا الحزب بفعالية في حرب العصابات ضد نظام الشاه الذي أطاحت به ثورة آية الله الخميني في عام 1979.

وقد وافق أكراد إيران حينها على شكل بسيط من الحكم الذاتي لمناطقهم ضمن إطار الجمهورية الإسلامية. لكن هذا الأمر لم يثن الخميني عن قمع معارضته تحت ذريعة “الوحدة الوطنية” التي هددتها الحرب العراقية بقيادة صدام حسين ضد إيران عام 1980.

وبعد أن أجبر على النفي، تم اغتيال قاسملو في فيينا عام 1989 من قبل المخابرات الإيرانية. وبعد ذلك بثلاثة أعوام وفي ذات المدينة، اغتالت المخابرات الإيرانية الزعيم الجديد للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني.

وبالتالي فإن التنظيم التاريخي للأكراد الإيرانيين، والذي تم تصفية قياداته، بات بالكاد يحافظ على وجود سري له في إيران ويعاني من الانقسامات الداخلية.

فقد بات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عرضةً للمنازعات من قبل حزب “من أجل حياة حرة في كردستان” وكذلك الفرع الإيراني لحزب العمال الكردستاني الذي تأسس عام 2004، والذي كان قد تأسس قبل ربع قرن في تركيا.

وقد لعبت السلطات الإيرانية بمهارة لضرب هذه الأحزاب الكردية ببعضها البعض. وقد وافق حزب العمال الكردستاني والمنظمات التابعة له بالتضحية بأكراد إيران للاستثمار بكثافة على الساحة السورية. كما تم كذلك وقف إطلاق النار من قبل هذا الحزب في تركيا ما بين عام 2013 و 2015.

أشكالٌ مختلفة للتمييز تمارسها الدولة الإيرانية

يتعرّض أكراد إيران لتميز مزدوج من قبل الجمهورية الإسلامية. فمن ناحية، هم يتعرضون للتمييز كونهم أكراد في دولة ذات نظام مركزي ديكتاتوري. ومن ناحيةٍ أخرى، يتعرض الأكراد لتمييز آخر كونهم سنة في نظام ديني شيعي.

فاللغة الكردية، المحظورة في المدارس العامة، لا يمكن تدريسها إلا في المؤسسات الخاصة والتي تخضع هي نفسها لترخيصٍ مسبق من قبل الدولة. ويتم قمع النشاط الكردي بشكلٍ ممنهج سواء في المناطق الحدودية مع العراق أو في خراسان في شمال شرق البلاد.

كما أن أكثر من نصف المعتقلين السياسيين في إيران اليوم هم من أصل كردي في حين أن الأكراد يمثلون أقل من عُشر الشعب الإيراني، وذلك بحسب مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في هذا البلد.

فالأكراد، الذين يشكلون أقلية عرقية ودينية في آنٍ معاً في إيران، يعانون من عقبات كبيرة وخطيرة تمنعهم من الوصول إلى سوق العمل أو الحصول على سكن أو حق التملّك وكذلك الوصول إلى المناصب السياسية والإدارية في إيران. كما تقبع المحافظتين الكرديتين في أسفل قائمة المحافظات الإيرانية مع بلوشستان من حيث التنمية.

ويرافق هذا الوضع المؤسف للأكراد في الداخل الإيراني، تدخلات دموية للنظام الإيراني ضد كوادر وقواعد الأحزاب الكردية الإيرانية في كردستان العراق. كما تقدر المصادر الكردية كذلك أن أكثر من خمسة وثلاثين قتيلاً من الأكراد هم من ضحايا قمع الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في إيران، بما في ذلك كرمنشاه وجوانرود.

وتستشهد صحيفة لوموند كذلك بشهادةٍ كردية بخصوص مشاركة الحرس الثوري الإيراني إلى جانب الشرطة والمخابرات في قمع الاحتجاجات التي اجتاحت عموم البلاد. وتستغرب الصحيفة في الوقت ذاته من هذا التضامن الضئيل مع القضية الكردية بشكلٍ عام والمعدوم فيما يخص مأساة الأكراد في إيران. فهذا البعد المأساوي للقضية الكردية لا يثير إلا القليل من الاهتمام العالمي اليوم.

وإن كان صحيحاً أن قادة أكراد إيران لا يملكون اليوم العلاقات الدبلوماسية التي وفرتها الاشتراكية الدولية في زمنها أو في زمن قاسملو وخلفه، إلا أن هذا الصمت المطبق حيال ما يعانيه أكراد إيران يثير الكثير من إشارات الاستفهام. ولعل هذا التجاهل لأكراد إيران هو كذلك ثمرة قرار حزب العمال الكردستاني بإخضاع جميع وسائل دعايته لدعم “روج آفا كردستان” السورية على حساب بقية مكونات الشعب الكردي.

وهكذا، فإن أكراد إيران، المنسيون والمغيبون عن كافة أشكال الدعم المعلن لـ “القضية الكردية”، يظهرون وكأنهم الخاسر الأكبر في تاريخ كردي مليء بالهزائم والخيبات.

 

ترجمه الحل العراق عن صحيفة (Le Monde) الفرنسية- بتصرّف

تحرير- فريد إدوار


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.