ترجمة- الحل العراق

في إحدى الليالي المتأخرة، تلقت “هالة” تهديداً من خلال رسالة من حساب وهمي على موقع التواصل الاجتماعي (انستغرام) ما جعل دمها يتجمد في عروقها. وكان فحوى الرسالة «لقد حصلت على كل صورك وتسجيلاتك هل تريدين أن أرسلهم إلى والدك؟».

وقد تلقت الشابة العراقية موجةً من الرسائل المماثلة بعد أن تعرضت حساباتها على الفيس بوك والسناب شات وانستغرام للاختراق من قبل قراصنة إلكترونيين وسرقوا صوراً لها كانت قد أرسلتها عبر الرسائل الخاصة.

وقالت “هالة” /25/ عاماً، والتي تم تغيير اسمها لحمايتها، موضحةً: «البعض منهم أرادوا المال، والبعض الآخر أرادوا علاقة جنسية حتى لو كانت فقط عبر الهاتف، وأراد آخرون ترهيبي فقط بدون أي سبب».

وتقول النساء في العراق أنهن يواجهن «الابتزاز الجنسي» بشكلٍ متزايد عبر الإنترنت من قبل كلّ من القراصنة الإلكترونيين الخبثاء أو من قبل شركائهم الرومانسيين السابقين، والذين قامت تلك النسوة بإرسال صورهن إليهم بأنفسهن، في ممارسةٍ تعرف بـ «انتقام الدعارة».

ويلقي كل من النشطاء والمحامين والضحايا باللائمة في هذه الظاهرة على مزيجٍ من العوامل المختلفة: «المجتمع المحافظ واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات للتعارف الافتراضي وضعف الحماية الرقمية بين الضحايا والقوانين التي لم تواكب التطور التكنولوجي المتسارع».

وفي بيئة محافظة كالتي يتمتع بها العراق، يمكن للنتائج المحتملة أن تكون مدمّرة. ففي أفضل الأحوال قد تكون النتيجة وصمة عار دائمة على العائلة، لكن في أسوأها يمكن أن تصل إلى حد قتل المرأة من خلال «القتل بدافع الشرف».

فقد قُتِلت نجمة الانستغرام وعارضة الأزياء العراقية “تارا فارس” رمياً بالرصاص في بغداد العام الماضي، مع الاشتباه بتورط العديد من الرجال المسلحين الذين كانوا مزدرين من أسلوب حياتها المتحرر نوعاً ما.

وبأخذها مصير “فارس” بعين الاعتبار لكن عدم رغبتها أيضاً بالانصياع لمطالب مبتزيها، اتخذت “هالة” في النهاية قرارها بالفرار من العراق هذا العام. «لكنني لا زلت أتلقى التهديدات. هؤلاء الناس لا ينسون»، تقول هالة.

العنف بجميع أنواعه

ويرى “رسول كامل” خبير العنف القائم على النوع الاجتماعي “الجندر”، أن الفصل ما بين الجنسين الواسع الانتشار، دفع الشباب العراقي إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك أو الانستغرام كمنصات واقعية للمواعدة.

وتنضم الفتيات أيضاً، في بلدٍ تنعدم فيه الثقافة الجنسية التي تعلّم في المدارس، إلى منتديات نسائية سرية للتعرف على تغيرات أجسادهن أو لطلب النصيحة.

كما يبين “كمال” أن الثنائيات أو المجموعات غالباً ما يتبادلن الصور الخاصة، والتي يمكن أن تكون بالنسبة لامرأة في العراق أمراً عادياً كأن تكون صورة لها بدون أن يغطي رأسها الحجاب الإسلامي الذي أصبح من تقاليد البلد، والذي يعتبر عاراً في هذا المجتمع.

ويؤكد كذلك ناشطون آخرون بأن مثل تلك الصور قد تم استغلالها على نحوٍ متزايد، معتمدين في تأكيدهم على شهادات ستة من الضحايا اللاتي رفضن إجراء المقابلات معهن خوفاً من اكتشاف هوياتهن.

وبحسب إحدى النسوة التي وافقت على الحديث، فقد قامت زميلتها بدفع مبلغ مائتي دولار شهرياً ولمدة أربعة سنوات إلى عشيقها السابق مقابل ألا يقوم الأخير بنشر صورها التي هددها بها.

وقد سُرقت صور أخرى من قبل أحد القراصنة الإلكترونيين والذي استهدف هاتفها فقامت ببيع هاتفها ومجوهراتها لسداد المبالغ التي طلبها منها لقاء عدم نشر صورها.

في حين تطورت قضية أخرى على الانترنت مع رجل آخر والذي هددها لاحقاً بإرسال صورها إلى زوجها ما لم تنام معه.

ويرى كامل أن الابتزاز الإلكتروني يشمل كل أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي أو الجنس أو السيكولوجي أو المادي. ونادراً ما تلجأ الضحايا إلى القانون أو المجتمع للتخلص من الابتزاز.

لا رادع

من جانبها تقول المحامية “مروة عبد الرضا” التي تعاملت مع العشرات من الحالات خلال السنوات الثلاثة الماضية، قائلةً: «في الحقيقة، تزداد نسبة الإجهاض بشكلٍ جزئي لأنه ليس هناك رادع».

وأوضحت بأن الدخول إلى قسم الشرطة يعتبر أمراً محظوراً على النساء العراقيات، كما تخشى الضحايا من أن يحظى مبتزيهم بالحماية من قبل إحدى العشائر القوية في البلاد.

وتضيف “عبد الرضا” قائلةً: «هذا هو السبب الذي يجعل معظم الضحايا لا يقدمون حتى شكوى. الذهاب إلى المحكمة هو أشبه بـ “البعبع” بالنسبة لهم».

وتكون الطامة الكبرى عندما يواجه الضحايا قضاة يتابعون قضيتهم لكنهم لا يعرفون الكثير عن الانترنت، وهذا ما يحصل غالباً، أو أن يصنفوا الجريمة بشكلٍ مختلف. «لقد سألني أحد القضاة، ما هو هذا الفيس بوك؟».

تقول “عبد الرضا” وتضيف: «إذا ما ارتأى القاضي بأن القضية عبارة عن رجل يرهب فتاة، فقد يطبق بند مكافحة الإرهاب ويصدر حكماً بالإعدام. أو يمكن أن يعتبر القضية تشهير ويقضي بالغرامة المالية».

وقد أعلنت وزارة الداخلية العراقية بأنها فتحت ثلاث قضايا لـ “الابتزاز الجنسي” في بغداد خلال الشهر الماضي، موجّهة الاتهام  إلى بعض المتهمين بـ  “التهديدات الإجرامية” وآخرون بتهمة الاحتيال.

إلا أن إدارةً أخرى تُعرف باسم شرطة العراق الاجتماعية تتبع طريقة مختلفة. فمخافر القسم تحتوي ضباط من النساء لتشجيع الضحايا على التقدّم، كما يتم تدريب وحداتهم على التعامل مع العنف القائم على النوع الاجتماعي بموجب مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”.

«إخفاء هوية الضحية هو أمر بات أولوية لدى ضباطنا، ونحن نعمل على متابعة القضية بالشكل الذي يريح الضحية سواء كان داخل أو خارج المحاكم»، يؤكد غالب عطية، قائد هذه الإدارة.

وتقول وحدات الشرطة الاجتماعية في العراق بأنهم يمكن أن يكونوا ذا فاعلية أكبر من المحاكم. ففي شمال الموصل قامت هذه الوحدات بحل ثلاث قضايا ابتزاز جنسي في أسبوعٍ واحد من خلال الاعتماد على المصالحة بين الطرفين.

إلا أن عطية صرّح بأن المشكلة تنتشر بشكل كبير وعلى مستويات خطيرة، حيث تشكل النسوة ما بين 60 إلى 70 % من ضحايا الابتزاز الجنسي عبر الانترنت في العراق، ومعظمهن من مناطق في بغداد وفي الجنوب القبلي. وأضاف قائلاً: «نحن بحاجة إلى قانون لتقليل هذه الأرقام بشكلٍ حقيقي».

إلا أن المحامية “عبد الرضا” ترى أن التغيير الحقيقي يتطلب نهجاً أكثر شمولية. وتؤكد بأنه يتوجب على وسائل الإعلام التوقف عن الحديث عن مثل تلك الحالات كفضائح.

كما ينبغي على المجموعات غير الحكومية توفير تدريبات على الأمن الرقمي لمنع حدوث القرصنة «وإلا، يمكن لفتاة أن تُقتل خلال جزء من الثانية»، على حد وصفها.

ترجمها الحل العراق عن موقع (Yahoo News) الأميركي- بتصرّف

تحرير- فريد إدوار


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.