أوكرانيا، الملاذ الآمن لهؤلاء “الجهاديين القوقاز”

أوكرانيا، الملاذ الآمن لهؤلاء “الجهاديين القوقاز”

نشرت صحيفة لاكروا الفرنسية تقريراً كشفت فيه عن وجود العشرات من المقاتلين الشيشان والداغستان الذين وجدوا في أوكرانيا ملاذاً آمناً لهم بعد فرارهم الذي تلا انهيار تنظيم داعش في كلٍّ من سوريا والعراق. فقد قامت السلطات الأوكرانية، والمتهمة بغضا لطرف عن وجود هؤلاء الجهاديين على أراضيها، بتوقيف أحد قادة تنظيم داعش في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني الماضي.

ويشير التقرير إلى أن هؤلاء المقاتلين في صفوف تنظيم داعش من الشيشان والداغستان، المختبئين في أوكرانيا اليوم، كانوا قد اختفوا فجأةً في العراق في شهر آب من العام 2016 على اثر عملية كبيرة استهدفت الجهاديين القوقاز هناك.

لكن وبعد ذلك بثلاث سنوات، ظهر من جديد سيزار توخوساشفيلي والملقب بـ “أبو البراء الشيشاني” على قيد الحياة في إحدى محاكم كييف، العاصمة الأوكرانية. حيث كانت هذه الأخيرة قد قامت بتوقيف أبو البراء الشيشاني في الخامس عشر من الشهر الماضي.

وهذا القائد الجورجي السابق في تنظيم داعش، والذي كان اليد اليمنى لـ أبو عمر الشيشاني المسئول عن العمليات الخاصة في التنظيم، كان قد قضى أياماً هادئة في أوكرانيا منذ بدايات العام 2018.

وبحسب جهاز المخابرات الأوكرانية، فإن أبو البراء الشيشاني كان قد وصل إلى تركيا في العام 2016، قبل أن يصل إلى كييف بجواز سفر مزور في بدايات العام 2018. ومنذ ذلك الحين، تابع هذا القيادي الجهادي تنسيق أنشطة تنظيم داعش حتى اعتقاله الذي تم بالاشتراك مع عملاء من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA).

وتكشف الصحيفة أن هذا الرجل ذو اللحية الحمراء كان تحت مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية الأوكرانية لعدة شهور، ولا أحد يعلم لماذا قررت المخابرات الأوكرانية توقيفه فجأةً.

عشرات الجهاديين اللاجئين في أوكرانيا
ويبين التقرير أن هناك العشرات من الجهاديين القوقاز الذين وجدوا في أوكرانيا ملاذاً آمناً لهم، وأن حالة أبو البراء الشيشاني ليست الحالة الوحيدة أبداً. حيث يقول جان فرانسوا راتيل، باحث أكاديمي كندي، مؤكداً: “لقد لجأ العشرات من مقاتلي تنظيم داعش من القوقاز الروسي إلى أوكرانيا بعد انهيار تنظيم داعش”.

وحتى وقتٍ قريب، بدا أن أعداء روسيا “العلنيين” يتمتعون بإقامة هادئة نسبياً في كييف. فهم يفضلون البقاء في أوكرانيا لعدم قدرتهم حالياً على العودة إلى القوقاز، وربما هم في انتظار أن يتمكنوا من الوصول إلى الاتحاد الأوربي.

وقد كانت كلّ من الشيشان وداغستان من كبرى الدول الأجنبية المورّدة لمقاتلي قوات دولة “الخلافة” المزعومة. حيث يقدر جهاز المخابرات الفيدرالي الروسي بأنه كان هناك أكثر من ألف ومائتي مقاتل داغستاني وستمائة مقاتل شيشاني في صفوف تنظيم داعش منذ عام 2014. وقد ساهم رحيل هؤلاء الجهاديين والتحاقهم في صفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق إلى التقليل بشكلٍ واضح من عدد الهجمات في روسيا نفسها.

حيث تم القضاء على معظم الشبكات المنظمة وكذلك على القادة الجهاديين ما بين الأعوام 2013 و 2015. وقد كتب راتيل منذ العام 2017 بأنه “في تلك الفترة، اختارت كلّ من الحكومة وجهاز المخابرات الفيدرالي الروسيين تسهيل مغادرة الإسلاميين القوقاز إلى سوريا من خلال تزويدهم بجوازات السفر اللازمة وكذلك تبسيط إجراءات عبورهم إلى تركيا”. فقد كانت روسيا تسعى آنذاك لتأمين دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي في العام 2014. وكانت تأمل كذلك عدم عودة هؤلاء المتطرفون إلى البلاد إلى الأبد. وقد أعطت هذه الإستراتيجية نتائج مذهلة في تدمير دعم إمارة القوقاز.

أوكرانيا، خيار إستراتيجي
ومنذ العام 2016، بدأت فلول المقاتلين القوقاز بمغادرة الأراضي التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش، وذلك وفقاً لتقدم أعدائها. ويقول راتيل، الذي يتابع عن كثب وضع الجهاديين القوقاز منذ عقدٍ من الزمن، موضحاً: “بما أن الدخول إلى الأراضي الروسية لم يكن متاحاً، فقد بدأ المقاتلون بالوصول إلى تركيا، في حين تابع القادة منهم طريقهم حتى أوكرانيا. وهي رحلة من الصعب جداً الترتيب لها”.

فمن وجهة نظر هؤلاء الجهاديون المنفيون، فإن أوكرانيا تتمتع بالعديد من المزايا: فهي قريبة من بلدانهم الأصلية، كما أن بإمكانهم التحدث باللغة الروسية هناك. هذا بالإضافة إلى العداء بين كييف وموسكو، الأمر الذي يحد بشكل كبير من مخاطر تسليمهم إلى روسيا. ناهيك عن قوة شبكات المافيا في أوكرانيا والتي تسمح لهم بالحصول بسهولة على جواز سفر مقابل بضعة آلاف من الدولارات.

ومنذ العام 2017، كانت الصحفية الأوكرانية إيكاترينا سيرغاتسكوفا قد حذرت من هذا الموضوع في تحقيقٍ شامل نشرته، دون أن يحرك ذلك ساكناً لدى سلطات بلدها. ويقول راتيل في هذا الخصوص: “بكل بساطة، ليس لكييف أية مصلحة سياسية في مهاجمة أعداء روسيا التي تتمسك بالسيطرة على الأراضي الأوكرانية”. ويختم راتيل حديثه لصحيفة لاكروا بالقول: “إنه من غير المرجح أن يتم التعرف على هؤلاء المقاتلين، المطلوبين من قبل الأنتربول، من قبل فريقي البحثي. لكنهم يبقون مكشوفين لأجهزة المخابرات الأوكرانية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.