تمتنع الكثير من الشركات الكبرى التي تقوم بتوريد أهم السلع الغذائية الأساسية إلى السوق مثل: الرز والسكر والزيت والشاي والمتة والقهوة، عن ضخ سلعها للموزعين، وتكتفي باختزانها في المستودعات، بينما أكد عدد من أصحاب الشركات، أن مستودعاتهم فارغة مقابل عدم وجود أي نية للاستيراد حالياً.

شلل في الأسواق

يعود سبب التوقف عن توريد السلع إلى السوق، أو تقنين توريدها على الأقل، هو الخوف من أي خسارة لاحقة، حيث أكد تجار رز وسكر لـ”الحل”، أن البيع وفق سعر صرف #الدولار اليوم، يرتب على التجار خسائر ضخمة في حال ارتفع سعر الدولار في اليوم التالي.

وأضاف “إن أردنا الاستيراد أيضاً بسعر اليوم، وارتفع السعر غداً، سنقوم بوضع الأرباح المجمعة كرأسمال عند عملية الاستيراد القادمة وبالتالي سيرتفع رأس المال مقابل ذات كمية السلع، وهذا يعني خسارتنا، فلا توجد أي ثقة حالياً بالسعر، ولا توجد ضمانات حكومية بخفض السعر ومن الأفضل أن نتوقف ونشاهد بدلاً من أن نعمل ثم نخسر.

وجهة نظر المستورد، هي ذاتها بالنسبة إلى باعة المفرق وباعة الجملة، حيث أغلقت العديد من المحلات التي رفضت رفع الأسعار خوفاً من دوريات حماية المستهلك التي تقوم بالتسعير أقل من السعر الحقيقي وتغلق أي محل أو مستودع تصادفه في طريقها، أو يقوم المراقبون بفرض أتاوات على الباعة وصلت بحسب أحد تجار الحريقة إلى 400 ألف ليرة.

عرقلة حكومية

لكن، ليس السبب وراء التوقف عن الاستيراد، هو ارتفاع سعر الصرف بشكل متتالي وعشوائي فقط، فقد تسببت قرارات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية الأخيرة، بإخراج شريحة واسعة من التجار خارج معادلة الاستيراد، حيث تم اشتراط وجود وديعة لدى التاجر الراغب بالاسيتراد بحوالي 25% من قيمة الإجازة بالليرة السورية، إضافة إلى وضع مؤونة استيراد بنسبة 15% بالليرة السورية أيضاً لكن (لا تخضع للفائدة ولا تحرك إلا بعد وصول المستوردات).

مصدر في وزارة الاقتصاد أكد لـ”الحل نت” أن أهم أسباب صدور هذا القرار، هو الحد من عمليات الاستيراد، وبالتالي اخراج شريحة واسعة من التجار عن الاستيراد وتحويلهم إلى الاستثمار بقطاعات جديدة لتحريك الاقتصاد والمحافظة على القطع الأجنبي وعدم المضاربة به.

وتابع “عمليات الايداع بالليرة السورية، وبنسبة تصل إلى 40% بين مؤونة ووديعة، يعني نحو نصف قيمة المستوردات بالليرة السورية، وإن افترضنا ازاحة شريحة التجار الصغار بهذا القرار، سيبقى أصحاب الملاءة المالية، وتكون كمية الليرات السورية المودعة عند كل عملية استيراد بالمليارات، وهذا يعني سحب كمية كبيرة من الليرات من التداول، ما يساهم بخفض المعروض من الليرة وبالتالي رفع قيمتها نوعاً ما.

ضرر واستنزاف

تاجر في اتحاد غرف التجارة، عقّب على تحليل وزارة #الاقتصاد لهدف القرار، قائلاً إن إخراج عدد كبير من التجار عن الاستيراد ليس بالأمر السهل، فأغلبهم سيتجه للتهريب، وسيبقى استنزاف الدولار من السوق السوداء قائماً، وأضاف “من سيخرج عن عملية الاستيراد إن لم يتجه للتهريب، سيتوجه للمضاربة بما يملك من دولارات ليرفع ثروته وخاصة أن القرار قد يخرج مابين 60-70% من التجار عن عملية الاستيراد لعدم امتلاكهم لليرات السورية في المصارف السورية، وعدم استعدادهم لوضعها أساساً ولو كانت بين أيديهم، إضافة إلى وجود شريحة من التجار لا تقبل تجميد أي مبلغ مقابل قيامها بتحريكه مع كل عملية تجارية، وأيضاً هناك تجار لا يملكون كل هذه المبالغ أساساً التي باتت تساوي سعر اجازة الاستيراد مرة ونصف.

وتابع “قبل قرار الوديعة مع المؤونة، كان هناك إلزام بوضع نسبة 10% من قيمة اجازة الاستيراد بالدولار في صندوق مبادرة التجار لدعم الليرة، ما دفع التجار لشراء أكثر من حاجتهم من الدولارات عبر السوق السوداء وتجميدها في الصندوق، ما ساهم برفع سعر الصرف، حتى أيقنت الحكومة قراراها الخاطئ، فعالجت الأمر بقرار خاطئ آخر”.

وأضاف “تأكدوا جيداً، بأن سعر الصرف الحالي بارتفاعه وانخفاضه تتحمله الحكومة وليس التاجر كما يتم الترويج له، فالتجار لم يقوموا بأي تصرف جديد أو غريب عنهم باستثناء تجميد ودائعهم في لبنان، بينما غيرت الحكومة من نهجها في السوق عبر سلسلة قرارات حجز أموال وقرارات تستهدف التجار وتحاصرهم بها، في محاولة لنهب ثرواتهم وتكديسها لدى المركزي دون استثمارها”.

لماذا الصمت؟

لا يختلف تاجر مع آخر، أن للأحداث اللبنانية تأثير مباشر جداً على سعر الصرف في سوريا، لكن سكوت الحكومة السورية وعدم تدخلها يشي بأنها طرف مستفيد، فبحسب بعض التجار “أموال ضخمة بالدولار أودعها التجار في مصارف #لبنان غير مسموح استرجاعها حالياً، وهناك أموال ضخمة محجوزة بقرارات من وزارة المالية أو في صندوق مبادرة دعم الليرة، وهناك تجار خرجوا من عجلة #الاقتصاد عبر زجهم في السجون، ونتيجة الطلب والمضاربة على الدولار ارتفع السعر، لكن الارتفاع غير المنطقي هو بنسب كبيرة يومياً، مايوحي بوجود تلاعب ما”.

وأضاف “تستفيد الحكومة من انخفاض قيمة الليرة، عبر انخفاض قيمة الانفاق على كتلة زيادة الرواتب الأخيرة، وخفض الانفاق على الموازنة 2020، وجميع الكلف الأخرى، منها كلف شراء المحاصيل من الفلاحين كالحمضيات، هذا من الناحية المادية، بينما تستفيد من الناحية المعنوية عندما تقوم بخفض السعر عندما تريد، لتظهر بمظهر المسيطر الذي يتدخل حينما يشعر بمعاناة الناس، فالارتفاع الحاصل حالياً متقلب بنسب كبيرة كل دقيقة وهذا غير منطقي وللحكومة يد بذلك”.

وحتى تاريخ اليوم، لم يخرج أحد من الفريق الاقتصادي ليبرر سبب ارتفاع سعر الصرف الأخير في السوق خلال أقل من شهر من 650 ليرة إلى 940 ليرة.

إعداد وتحرير: فتحي أبو سهيل

الصورة من الأرشيف

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.