في النوادي اللليلية على الحدود التركية.. أغانٍ تمتدح المهربين

في النوادي اللليلية على الحدود التركية.. أغانٍ تمتدح المهربين

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً عن المغنيين السوريين على الحدود التركية وأغانيهم التي لاقت رواجاً وشعبية كبيرين بالرغم من أن مضمون الكلمات يتحدث عن الواقع الأليم الذي خلّفته الحرب السورية، حيث تمجّد تلك الأغاني المهربين وتسرد حكايا مأساوية عن الشعب السوري. ففي عالم مغنّين الحدود السوريين يعتبر “وليد الأمير”، الملك، وهو مؤلف أغنية البوب التي حققت نجاحاً كبيراً وحققت 1.6 مليون مشاهدة على موقع اليوتيوب. حيث يغني “الأمير” في النوادي المنتشرة على الحدود التركية ويقول مردداً: “جميع الزبائن هناك لصوص”.
ويشير التقرير إلى أن هؤلاء الزبائن هم مهرّبون في الواقع، وقد أصبحوا يتبخترون بالأموال التي كسبوها على حساب عدد لا يحصى من اللاجئين السوريين. وفي هذه الأيام، يزهو المهربون المجتمعون حول الطاولات المنخفضة، بغناء وليد الأمير عندما يغني يمتدحهم. و يغني “نحن أسياد الحدود” من أغنيته “ملوك التهريب”. وهي الأغنية التي اشتهرت على اليوتيوب، والتي غناها باللهجة الشعبية السورية مع أنغام تتصاعد وتنخفض مثل بعوضة تحوم حول الأذن.

وقد تفجّرت الأغنية في مشهد موسيقي في جنوب تركيا حيث هناك عدد من المغنّين الشعبيين المعروفين في النوادي الحديثة. وأغلب هؤلاء المغنين هم من لاجئي الحرب السوريين وقد وجدوا إلهامهم هناك كما أن جمهورهم من المحافظات الحدودية التركية، حيث استقر ما يزيد عن مليون سوري. كذلك تردد صدى الأغاني خارج تركيا، حيث يجتمع الشتات السوري بشكلٍ كبير في الدول العربية مثل الأردن ولبنان. ويقول مغني الأغنية، وليد ملندي (اسمه الحقيقي): “لقد اختبر معظم الناس هنا معاناة التهريب”.
وتُستمد بعض الأغاني، مثل “ملوك التهريب”، من الموسيقى الشعبية للكادحين الذين يجعلون من المجرمين أبطالاً، مذكّرين بتأثير المخدرات على المناطق الحدودية بين المكسيك والولايات المتحدة حيث يحتفلون متفاخرين بتجار المخدرات.

“محمد الشيخ”، مغني شعبي سوري يعيش في أنطاكيا، اشتهرت إحدى أغنياته أيضاً والتي تحمل عنوان “نحن زلم الجد الجد”. حيث تقول إحدى أسطر الأغنية “نحرق الدنيا كلها بس برفّة عينينا”. وحتى أن هذه الأغنية أكثر شعبية من “ملوك التهريب” حيث سجّلت عشرة ملايين مشاهدة على موقع اليوتيوب. كما أن هذه الأغنية أكسبت “الشيخ”، البالغ من العمر 26 عاماً، دعوات لتقديم حفلات في البحرين وقطر وحتى روسيا، على حد تعبيره. وقد ظهرت هذه الأغاني بينما يواجه الشتات السوري مستقبلاً بائساً ومجهولاً في تركيا على نحوٍ متزايد.
وقد عملت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ترحيل المئات من السوريين خلال الأشهر الأخيرة الماضية، بحسب منظمات حقوق الإنسان. كما أعلنت تركيا نيتها أيضاً إعادة توطين ما يزيد عن مليون لاجئ في منطقة شمال سوريا التي قام الجيش التركي بغزوها مؤخراً، بدعم من مرتزقته من فصائل المعارضة المسلحة، وذلك بالرغم من عبور المئات من السوريين بشكلٍ أسبوعي العبور نحن تركيا هرباً من العنف أو الصعوبات الاقتصادية.

ونشأ “ملندي” في عائلة من الطبقة العاملة في محافظة إدلب الشمالية في سوريا. وترك المدرسة بعد الصف السادس ليعمل لسنوات كعامل في مجال الديكورات المنزلية. وبعد انشقاقه عن الجيش السوري منذ ستة أعوام، غادر إلى تركيا عبر الحدود قبل أن تقيم الأخيرة جداراً حدودياً بين البلدين وقبل أن يصبح اللجوء إلى المهربين ضرورة ملحة لعبور الحدود. وبالرغم من سنوات عمره الـ 28، وبالرغم من حلاقته لشعره ولحيته الكثيفة، إلا أنه يبدو أكبر سناً من ذلك. فعلى حد تعبيره، “الزمن كبّرني”.
وعند وصوله إلى تركيا، غير “ملندي” مهنته واتجه نحو الموسيقى لأنه اعتقد أنها قد تجلب له مكاسب أكبر وتمنع عائلته من الاعتماد على المساعدات التي تقدمها الحكومة التركية. وفي البداية، بدأ بالغناء في الأعراس ومن ثم في نادٍ صغير. وجلبت له أغنيته الأولى نداءات من عدد من المهربين الذين قالوا إنهم سوف يمنحوه ألف دولار إذا ما قال بأنهم ملوك العالم. “لقد بدأت في الحصول على عروض وصلت قيمتها إلى الضعف، من قبل رتب أكبر هنا”، يقول “ملندي”. وقد اعتمد المهربون مقاطع من أغانيه كوثيقة دعم واعتماد لدى العملاء المحتملين أو للتفاخر بها بين زملائهم من المهربين.

ويوضح “ملندي” أنه في البداية اكتسحت أغانيه عالم المهربين المتخلخل، والذين أصبحت تجارتهم التي تعتمد على نقل المهاجرين عبر الحدود إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا. وهي تجارة مربحة أكثر من الذهب خلال سنوات الحرب الأهلية السورية التي استمرت لثمان أعوام. “لقد استأجرت حارسين شخصيين لنفسي”، يقول “ملندي”.
ويبين التقرير بأن المطرب الشاب كان يحظى بشعبية كبيرة لدرجة أن احد النوادي المشهورة والتي اعتاد الغناء بها اضطر للإغلاق عندما تركها “ملندي”. لكنه يعتبر المهربين متغطرسين، حيث يقول: “إنهم يلقون هذه الأموال علينا وفي الواقع يحصلون عليها من الناس الفقراء القادمين من سوريا”. ومع ذلك، فهو لا يزال يغني لهم في النوادي.

وفي إحدى الأمسيات القريبة، كان “ملندي” النجم الجذاب في افتتاح كبير لبار جديد أطلق عليه اسم برشلونة في المنطقة الصناعية في مدينة أنطاكيا. وكان الضوء الأحمر يضيء مدخل وداخل البار وزُيّنت الجدران بصور لـ “براين دي بالما” من فيلم “سكارفيس”. وكان العاملون يديرون البار بعد الافتتاح بساعات بشكلٍ عشوائي حيث لم يكن قد ظهر أي من الزبائن بعد. وبعد أن بدأت الطاولات بالامتلاء أشعل “أكرم مصطفى”، مغني من حلب، الحضور بمواله “قلبي في سوريا وجسمي في تركيا”. وعندما بدأت حشود الأغنياء بالوصول بسياراتهم الفارهة كان قد حان وقت المديح.

“لقد كانوا تجار سيارات”، يقول “ملندي” حذراً ومتجنباً وصفهم بـ المهربين. لقد أمضى وقتاً طويلاً من المساء على طاولاتهم حيث ألّف من أسمائهم ومدنهم في سوريا أغنية ملحمية عن الحرب القريبة البعيدة والتي سرعان ما نسيها.
كذلك فإن لدى “محمد الشيخ” حفلات منتظمة يؤديها ست ليالي في الأسبوع في “بيت الجبل” المطل على مشارف أنطاكيا. وكانت حفلته في ليلة الجمعة الأخيرة أكثر صخباً من حفلة برشلونة حيث كانت تعج بالرجال من أعمار مختلفة، البعض منهم برفقة إناث من العاملات في النادي. وبحسب “الشيخ”، فإن وصلته تمتد بشكلٍ عام من منتصف الليل حتى الساعة الخامسة فجراً. وعادة ما تكون هناك طاولة للمهربين، إلا أن معظم زبائنه من رجال الأعمال العاديين. كما أنه يكسب ما يكفي لإعالة أسرته، إلا انه محاصر أيضاً. فالشيخ، كلاجئ سوري، لا يمكنه التنقل بين المدن التركية بدون رخصة من الحكومة. الأمر الذي يضطره للاعتذار عن تلبية دعوات لتقديم حفلات موسيقية في اسطنبول ومدن أخرى. كما أنه لا يستطيع السفر للخارج للقاء جمهوره في أجزاء أخرى من العالم العربي أو حتى أوربا، كونه من الصعب على الكثير من اللاجئين السوريين الحصول على جواز سفر.

وقد كان “الشيخ” طالباً قبل أن يترك سوريا، ومثله كمثل “ملندي”، غنّى الشيخ بدايةً في حفلات الأعراس، قبل أن يبدأ بتأليف الأغاني في العام 2015. ففي سوريا لم توافق عائلته على عمله في مهنة الموسيقى. ولكن في تركيا حيث كان اللاجئين أكثر حريةً أو مجبرين على إعادة اكتشاف أنفسهم، فقد كانت الأمور مختلفة على حدّ وصفه. حيث حقق نجاحاً من كتابته لأغنية “نحن زلم الجد الجد”. وكان قد كتبها لعدد من الأصدقاء متخيلين الأغنية مع ألحانها والموسيقى حيث يقول فيها “واللي يتمرجل علينا قبرو بفرشتو ينمد”. وقد أشيع بأن الأغنية تسببت بقتال حقيقي في سوريا عندما هاجمت مجموعة من الرجال الذين يعزفون اللحن مع مجموعة أخرى أخطئوا في الألحان. وغالباً ما كانت تعزف هذه الأغنية في الأعراس. وبحسب الشيخ، فإن الكثير من المطربين حاولوا تقليده. كما أكد بأن الأغنية ما كانت إلا “تعبيراً” عن القوة والمعاناة، وأن فيها شفاء للبعض من السوريين الذين يشعرون بالضعف الذي يمكن أن يرافقهم في المنفى. “لقد سئم الناس من الحزن”، يقول “الشيخ.”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.