شهدت الليرة السورية منذ أواخر الشهر الماضي، هبوطاً متسارعاً، إذ فقدت أكثر من 35% من قيمتها خلال تلك الفترة، واقتربت من حاجز الـ 1000 ليرة للدولار الواحد، لتعود إلى تحسن قليل وتدريجي خلال الأيام الأخيرة.

ولم تتخذ الحكومة السورية، إجراءات فعلية وإسعافية لوقف تدهور الليرة (كما جرت العادة في السنوات الأخيرة)، وتزامن ذلك مع بقاء سعرها ثابتاً في نشرات مصرف سوريا المركزي الذي حددها بنصف قيمتها المتداولة في الأسواق.

العديد من الأسباب والعوامل وراء تدهور الليرة بهذا الشكل السريع، أبرزها الاحتجاجات الشعبية في لبنان، وعدم قدرة السلطات السورية الاستفادة من مصادر الطاقة في شرق الفرات، بعد قرار الولايات المتحدة نشر قوات لحماية حقول نفط في #سوريا.
كما شكلت سلسلة العقوبات الأوروبية والأميركية على السلطات السورية، سبباً في تراجع قيمة الليرة السورية. في المقابل قدَّم وزير المالية في الحكومة السورية (مأمون حمدان) في وقت سابق، ما وصفه بـ “خطة لرفع قيمة الليرة”، وقال: إن “رفع قيمة الليرة السورية يتم عبر الإنتاج، ولا شيء سوى الإنتاج”، متناسياً الآثار التي خلفتها الحرب الدائرة منذ 9 سنوات، وأبرزها توقف شبه كلي لعجلة الإنتاج.

الانتصار العسكري ولّد الأزمات

إضافة إلى العوامل السابقة التي أثرت بشكل كبير في سعر صرف الليرة، قال الرئيس السوري (بشار الأسد)، في إحدى مقابلاته التي أجراها الشهر الماضي، إن أحد أسباب تدهور سعر صرف الليرة السورية، هو توقف تمويل من وصفهم بـ “الإرهابيين” لسوق الدولار، أي في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة، وأعادت السلطات السورية، فرض سيطرتها على أجزاء واسعة منها بفعل العمليات العسكرية والطيران الروسي.

وبالتالي فإن جميع المساعدات الإغاثية والرواتب والمنح الدولية، التي كانت تأتي إلى تلك المناطق بالعملة الصعبة كانت تخلق نوعاً من التوازن في سعر الصرف من خلال استمرار تدفق هذه الأموال إلى مناطق المعارضة، وبالتالي مناطق السلطات السورية من خلال شراء السلع وعمليات التحويل وغيرها، في مقابل زيادة الأعباء الحكومية بعد استعادة تلك المناطق والضغط على مواردها الشحيحة لتلبية الاحتياجات المتزايدة لمطالب الشعب.

باحث اقتصادي: الرهان على سقوط النظام من بوابة الاقتصاد خاسر!

أشار الباحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية (سقراط العلو) لموقع (الحل نت) إلى أن “سياسة الضغط على النظام من بوابة الاقتصاد تأتي بهدف دفعه إلى تنازلات سياسية وليس إسقاطه، فالسقوط ليس من ضمن حسابات من يحاصر النظام اقتصادياً”.

وأضاف العلو أن “الرهان على الاقتصاد خاسر، ورومانسية من المفروض تجاوزها منذ سنوات، لأنه في اللحظة الحاسمة التي ينتظرها المراهنون على سقوط النظام اقتصادياً، ستتدخل دول الخليج لانتشاله، كما حدث في فترة الثمانينات”.

ويؤكد الباحث الاقتصادي أنه “منذ اندلاع الثورة في سوريا، يعتبر الوضع الاقتصادي منهار، فواردات الخزينة أصبحت مقتصرة على الضرائب والرسوم، في حين أن مصادر القطع الأجنبي صفر”.

ولفت إلى أن “النظام ومن يعيش في مناطق سيطرته ينتهجون منذ السنوات الأولى للأزمة، سياسة تكيفية لا تتأثر بسعر الصرف، وبالنسبة للنظام هناك خطوط الائتمان الإيرانية والمساعدات الروسية وما يتدفق من مناطق المعارضة من دولارات”.

أما بالنسبة للناس، “فالحوالات الخارجية والتي تغطي احتياجات 53% مَن الأسر، التي تعيش في مناطق النظام، إضافة إلى اقتصاد الظل والتهريب ورشاوي وتشليح بالنسبة للعاملين في قطاعات الأمن والجيش، لذلك فالحديث عن انهيار عبارة عن مبالغة”، بحسب العلو.

وتابع العلو أن “المتضرر الأكبر سيكون الشريحة الأكثر فقراً من السوريين، وليس جميع المقيمين في مناطق سيطرة النظام، فالعائلات المعتمدة على الحوالات الخارجية لن تتأثر بشكل كبير مع وجود سوق سوداء للحوالات تتعامل بسعر السوق وليس بسعر المركزي، وتبقى الطبقة الأكثر تأثراً هي التي لا تملك معيل في الخارج أو تعمل خارج دوائر الفساد الحكومي”.

وشدد على أن “وضع ذات الطبقة، أي التي لا تملك معيلاً في الخارج، سيكون أسوأ في مناطق المعارضة نتيجة قلة فرص العمل، وانعدام البدائل الاقتصادية وخصوصاً بالنسبة للأسر النازحة”.

“رحلة الليرة” من 48 إلى 970 !

بدأت الليرة السورية برحلة هبوطها بدءاً من نهاية العام 2011، حيث قفز سعر الصرف من 48 ليرة إلى 59 ليرة، وكان معدل الخسارة بنسبة 19%، لتعود الليرة لتفقد جزء أكبر من قيمتها في نهاية العام 2012 وتصل لنحو 70 ليرة، أي بمعدل خسارة 50%. ومع ارتفاع وتيرة الأحداث في سوريا عام 2013، وبدء التهديدات الأميركية بالتدخل العسكري، وتقدم المعارضة بشكل أكبر على الأرض وصل سعر الصرف حينها لأول رقم قياسي وبلغ 300 ليرة، أي أن الليرة السورية انخفضت قيمتها بنسبة 250% وذلك في شهر آب، لتعود مرة أخرى للتحسن على وقع جلسات التدخل من قبل المصرف المركزي، وتحسنت لتصل إلى 160 ليرة.

وخلال الأعوام 2014، و2015، استمرت الليرة السورية بالتدهور أمام الدولار، لكن بـ”الحد المعقول”، إذ كان سعر الصرف في 2014 يقدر بـ220 ليرة، وفي نهاية العام 2015 تخطى الدولار الواحد حاجز 385 ليرة، أي أن الليرة فقدت نحو 300% من قيمتها.

وكانت المفاجأة الأكبر في عام 2016، عندما وصل الدولار لحاجز 650 ليرة، لكن المصرف المركزي تدخل بشكل كبير في السوق واستطاع إعادته لحاجز 400 ليرة، إلا أن هذا الانخفاض لم يستمر سوى شهر واحد، ليرتفع الدولار مرة أخرى ويصل الى حاجز الـ 500 ليرة.

ويعتبر عام 2017 أكثر الفترات استقراراً لقيمة الليرة السورية بالإضافة لعام 2018، حيث بقيت ثابتة عند حدود 500 إلى 550 ليرة لكل دولار.

في حين كان العام 2019، كارثياً على الليرة، رغم تراجع العمليات العسكرية وتوسع نفوذ السلطات بسيطرتها على مساحات واسعة من سوريا، إذ ارتفع سعر الصرف ووصل لـ 650 ليرة، في شهر أيلول دون أن يتدخل المصرف المركزي.
وأوكل المركزي مهمة دعم الليرة إلى رجال الأعمال الذين أسسوا ما يسمى “صندوق دعم الليرة السورية” بهدف إرجاع سعر الصرف لحدود 500 ليرة، لكن هذه المبادرة لم يكتب لها النجاح “لأسباب غير معروفة”، لتعاود الليرة خلال الأسبوعين الماضيين وتشهد أكبر هبوط في تاريخها ويصل سعر الدولار الواحد لـ 970 ليرة.

إعداد: أسامة مكية – تحرير: مهدي الناصر

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة