نشرت صجيفة “ليبراسيون” الفرنسية يوم أمس، تقريراً عن النساء الجهاديات الأربع اللواتي أعادتهن تركيا إلى بلدهن الأصلي فرنسا مع أطفالهن السبعة. فهؤلاء كانوا محتجزين في مخيم في سوريا، قبل أن تتخلى عن حمايته القوات الكردية على إثر الغزو التركي لشمال شرق سوريا بدعم من من فصائل المعارضة السورية المسلحة، في بدايات شهر تشرين الأول الماضي.
وقد وصل الفرنسيون، صباح يوم الاثنين الماضي إلى مطار “شارل ديغول” في باريس: أربع نساء جهاديات من تنظيم “داعش” مع أولادهن السبعة. ومن ضمن هؤلاء النسوة، هناك اثنتان قد سبق وصدر بحقهما مذكرات توقيف، وستمثلان مباشرة أمام قاضي التحقيق. أما الاثنتان المتبقيتان، فقد تم توقيفهما في انتظار بدء التحقيق معهما. وفيما يخص أطفالهن السبعة والذين لا يتجاوز عمر أغلبهم الأربع سنوات، فقد تم وضعهم تحت حماية مؤسسة المساعدة الاجتماعية للطفولة.

ويشير التقرير إلى أن السلطات الفرنسية لم تكن ترغب البتّة بإعادتهم. فقد كانت فرنسا تفضل إبقائهم في مخيمات “كردستان سوريا”، حيث تتواجد الآلاف من النساء الجهاديات مع أطفالهن. وقد كان قصر “الإليزيه” قد أعلن عن خطة في الربيع الماضي لإعادة جميع الجهاديين الفرنسيين، بما في ذلك المقاتلين الرجال وعائلاتهم. لكن استطلاعات الرأي أظهرت رفض الرأي العام الفرنسي لهذه الخطة، الأمر الذي أفزع الرئاسة الفرنسية وجعلها تعدل عن خطتها. وتمت إعادة 17 طفلاً، معظمهم من الأيتام، إلى فرنسا منذ ذلك الحين.

والأطفال السبعة الذين أعيدوا، رغماً عن فرنسا، مع أمهاتهم يوم الاثنين الماضي، كانوا لا يزالون يعيشون قبل ثلاثة أشهر في مخيم “عين عيسى”، شمال مدينة الرقة، المعقل السابق لتنظيم “داعش” في سوريا. وقد كان من المحتمل جداً أن يكونوا هناك حتى اليوم لولا العملية العسكرية التي شنتها تركيا في التاسع من شهر تشرين الأول الماضي، بهدف طرد القوات الكردية التي تسيطر على طول حدودها مع سوريا. فأنقرة كانت تريد الهجوم على المنطقة منذ سنتين، لأنها تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية “إرهابية ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحزب العمال الكردستاني التركي”. وقد أتيحت الفرصة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لشن هجومه المنتظر، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في السادس من شهر تشرين الأول الماضي، سحب القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة دون سابق إنذار لحلفائه الأكراد أو حتى في حلف الناتو.

المهرّب
وبعد أسبوع من الغزو التركي، فرّ المقاتلون الأكراد تاركين مخيم عين عيسى ورائهم دونما حراسة. وبذلك باتت النساء والأطفال المحتجزون في ذلك المخيم أحراراً بإنكانهم المغادرة. والجهاديات الفرنسيات الأربع لم يكنّ يعرفن حقاً إلى أين يجب أن يذهبن. وقد ظننّ بأنهن قد عثرن بالفعل على المهرب الذي سيوصلهن إلى تركيا بعد أن أوين إلى منزلٍ في مدينة سورك الحدودية الصغيرة. لكن المهرب طلب منهن مبلغ ألف دولار للشخص الواحد، في حين أنهن لم يكن يمتلكن ذلك المبلغ. ومع ذلك، فقد تمكنت الجهاديات الأربع من عبور الحدود مع أطفالهن. لكن السلطات التركية كانت في انتظارهم وقامت باعتقالهم ونقلهم مباشرة إلى مدينة شانلي أورفا.
وفي الحادي عشر من الشهر الماضي، أعلن الرئيس التركي أردوغان عن طردهن. فبسبب غضبه من الإدانات الغربية للعملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا، قرر أردوغان إعادة الإرهابيين الأجانب إلى بلادهم الأصلية. حيث أكد وزير الداخلية ذلك موجهاً كلامه للدول الأوربية قائلاً: “سواء كان هذا يرضيكم أم لا وسواء سحبتم منهم الجنسية أم لا، فسوف نعيد إليكم رعاياكم من أعضاء تنظيم داعش. إنهم الآن بين أيديكم، فافعلوا بهم ما تريدون”.

ظروف غير إنسانية
وتبين الصحيفة أن هناك اتفاق يدعى “كازانوفا”، نسبةً إلى وزير الداخلية الفرنسي السابق، لا يزال نافذاً. حيث ينص اتفاق التعاون هذا بين السلطات الفرنسية ونظيرتها التركية على إعادة تركيا للجهاديين الفرنسيين وعائلاتهم المعتقلين لديها إلى فرنسا. كما ينص الاتفاق المذكور على أن تتولى الشرطة الفرنسية نقل الجهاديين الفرنسيين المرحلين من تركيا. وما أن تهبط طائرتهم في فرنسا حتى يتم اعتقال البالغين منهم وإحالتهم للمحاكمة، بينما يتم تسليم الأطفال لمؤسسة المساعدة الاجتماعية للطفولة. وقد تم تطبيق اتفاق “كازانوفا” على حوالي 250 شخصاً في السنوات الأخيرة.

وهذا ما كان يجب أن يحدث للفرنسيين الأحد عشر من جهاديات تنظيم داعش وأطفالهن المذكورين. لكن وحتى بداية شهر تشرين الثاني الماضي، لم تحرك باريس ساكناً بشأنهم. الأمر الذي استفز قوات الأمن التركية فقامت بإعادة الجهاديات الفرنسيات مع اطفالهن إلى مخيم آخر في مدينة جرابلس في سوريا. وقد كانت مدينة جرابلس هذه معبراً، حيث عبر من خلالها الآلاف من الجهاديين لينضموا إلى دولة “الخلافة” التي كان قد أعلنها تنظيم “داعش”. وباتت هذه المدينة تحت سيطرة تركيا منذ صيف العام 2016. وفي بداية شهر كانون الأول الحالي، تم التوصل أخيراً إلى اتفاق بين السلطات الفرنسية ونظيراتها التركية. وبذلك تم نقل الجهاديات الفرنسيات مع أطفالهن إلى الجانب التركي مرةً اخرى قبل أن يتم نقلهن جواً إلى باريس.

وتختم “ليبراسيون” تقريرها بالإشارة إلى أنه لا يزال هناك المئات من المواطنين الفرنسيين في سجون ومخيمات ما أطلقت عليه اسم “كردستان سوريا”. ومن بين هؤلاء، هناك حوالي ثلاثمائة امرأة وطفل، أغلبهم محتجز في مخيم الهول القريب من الحدود السورية العراقية. وفي يوم الأحد الماضي، طالب تجمع أقارب هؤلاء الجهاديين من جديد بضرورة إعادة الأطفال بأقصى سرعة. وقد جاء في البيان الذي وجّهه التجمع المذكور: “مع حلول البرد القارص وسوء الأحوال الجوية، أصبح الوضع أكثر مأساوية. الأطفال الفرنسيون جائعون ويعانون من البرد. إنهم يعيشون في ظل ظروف غير إنسانية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.