ما هو التوحد:
التوحد (أو اضطراب طيف التوحد) هو مجموعة واسعة من الأعراض التي تتمثل في وجود صعوبات في المهارات الإجتماعية، وفي التواصل اللفظي والجسدي، وفي القيام بحركات وسلوكيات محددة بشكل متكرر.

لا يقتصر التوحد على نوع واحد وإنما له عدة أنواع، يتأثر معظمها بخليط من الجينات والعوامل الخارجية. والمقصود بكلمة “طيف التوحد” أن كل شخص مصاب بالتوحد لديه نقاط قوة وصعوبات مختلفة عن المصابين الآخرين. قد يحتاج بعض المصابين بطيف التوحد إلى دعم ورعاية بكل شيء في حياتهم اليومية، بينما قد يحتاج الآخرون إلى بعض المساعدة فقط، وهناك حالات أخرى لا يحتاج فيها المصاب إلى أية مساعدة.

تؤثر عدة عوامل على تطور التوحد، وتترافق دائماً بمشاكل حسية أو جسدية مثل اضطرابات الجهاز الهضمي، اضطرابات النوم، وأيضاً صعوبات عقلية صحية مثل القلق، الاكتئاب، ومشاكل الاهتمام.

تظهر مؤشرات التوحد غالباً في سن الثانية أو الثالثة. تترافق عادة مع تأخر في التطور من الممكن أن يظهر قبل ذلك، وغالباً ما يمكن تشخيصه في عمر مبكر (في الثانية من العمر). كم تشير الأبحاث إلى أهمية التدخل المبكر للتعامل مع التوحد للوصول إلى نتائج جيدة في حياة الأشخاص المصابين به.

ما هي مؤشرات التوحد:
يختلف توقيت وشدة الأعراض المبكرة للتوحد اختلافاً كبيراً بين الأطفال المصابين. يظهر بعض الرضع بعض المؤشرات في الأشهر الأولى، بينما تظهر الأعراض عند أطفال آخرين في عمر متأخر أكثر كسنتين أو ثلاثة. ومن المهم أن نعي أن الأعراض يمكن أن تظهر بشكل جزئي، كما أنها قد تظهر عند أطفال سليمين، ولهذا فإن استشارة الطبيب أمر أساسي ومهم عند الشك بوجود أي من الأعراض التالية:

في عمر الستة أشهر: الابتسام بشكل قليل أو عدم الابتسام أبداً، وكذلك عدم إظهار أية مشاعر دافئة أو تدل على السعادة، وعدم إبداء أية تعابير على الوجه عند التواصل مع الآخرين، وتجنب التواصل بالعيون مع الأهل.
في عمر التسعة أشهر: عدم التواصل مع الآخرين باستخدام الصوت، وأيضاً عدم إظهار التعابير على الوجه.
في عمر الإثني عشر شهراً: لا يحاول الطفل الكلام، ولا حتى كلام الأطفال الغير مفهوم. كما لا يقوم بحركات خاصة للفت انتباه الأهل، كمحاولة جعلهم يشاهدون شيئاً (مثل الإشارة بإصبعه)، أو محاولة التقرب منهم أو التلويح لهم. ولا يتفاعل عند مناداته باسمه.
في عمر الستة عشر شهراً: ينطق الطفل كلاماً قليلاً جداً فقط وفي بعض الحالات لا يتكلم أبداً.
في عمر الأربع وعشرين شهراً: يتكلم الطفل بجمل تتكون من كلمتين فقط.
في أي عمر للطفل: فقدان ما تعلمه الطفل سابقاً من كلام أو ثرثرة أطفال أو مهارات اجتماعية. تجنب النظر في عيون الآخرين. إصرار الطفل على بقائه وحده. صعوبة في فهم مشاعر الأشخاص الآخرين. تأخر في التطور اللغوي. تكرار الكلمات أو العبارات. رفض إحداث تغييرات ولو كانت بسيطة في الروتين أو المحيط من حوله. لديه اهتمامات محدودة بالأشياء. تكرار سلوك معين (كالدوران أو الاهتزاز للأمام والخلف …الخ). إبداء رد فعل غير مألوف اتجاه الأصوات، الروائح، الطعم، الملمس، الأضواء، أو الألوان.

ما هي أعراض التوحد: يمكن اختصار أعراض التوحد الرئيسية في شيئين: صعوبات التواصل الاجتماعي والقيام بحركات متكررة أو محددة.

1- صعوبات التواصل الاجتماعي:
يعاني الأطفال والبالغون المصابون بالتوحد من صعوبة في التواصل اللفظي والحركي. فهم قد لا يستطيعون على سبيل المثال استيعاب الطريقة الصحيحة لاستخدام اللغة المحكية (حيث لا يتواصل حوالي ثلث المصابين بالتوحد بالكلام)، استخدام الإشارات، التواصل بالنظر، تعابير الوجه، نبرة الصوت، وغيرها..
كما أنهم يعانون من بعض الصعوبات الاجتماعية مثل عدم القدرة على: تمييز مشاعر ومقصد الآخرين، إدراك مشاعر الشخص المصاب نفسه، إظهار المشاعر والتعبير عنها، البحث عن الراحة النفسية بالتواصل مع الآخرين، الشعور بالضيق في المناسبات الاجتماعية، المشاركة في الأحاديث، واحترام المساحات الشخصية للآخرين.

2- حركات متكررة أو محدودة:
تظهر الحركات المتكررة أو المحدودة بكثرة لدى المصابين بطيف التوحد وذلك يتضمن: أولاً تكرار حركات الجسم مثل الاهتزاز أو القفز أو الركض للأمام والخلف. ثانياً تكرار تحريك الأشياء مثل هز عصا أو قلب الأشياء، ثالثاً النظر باستمرار إلى الأضواء أو الأشياء التي تدور، رابعاً اتباع سلوك محدد باستمرار مثل وضع الأشياء ضمن خط مستقيم وإعادة لمس الأشياء بطريقة منتظمة، خامساً اهتمام ضيق أو شديد بموضوع معين دون سواه، سادساً الحاجة إلى روتين متكرر ورفض التغييرات مثل تناول ذات الطعام، ارتداء ذات الملابس، الذهاب إلى المدرسة من ذات الطريق، وغيرها.
يجدر أن نذكر هنا أن بعض الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد يظهرون مهارات اجتماعية أكثر من غيرهم ويساعد في ذلك تدخل ودعم الأهل لهم.

ما هي مسببات التوحد؟
يحدث التوحد بسبب مزيج من المسببات الجينية والمؤثرات المحيطة.
1- العوامل الجينية المؤثرة على التوحد:
إذا كان أحد الأبوين يحمل جيناً أو أكثر من هذه الجينات فمن الممكن أن ينقلها للطفل حتى لو لم يكن هو نفسه مصاباً بالتوحد. قد تظهر في بعض الأحيان الأخرى التغييرات الجينية بشكل مفاجئ في وقت مبكر عند الجنين أو في النطاف أو البويضة التي تتحد لتشكيل الجنين. ومن المهم التأكيد مرة أخرى على أن هذه التغييرات الجينية لوحدها لا تسبب التوحد ولكنها تزيد نسبة الاصابة بهذا الاضطراب.

2- العوامل المؤثرة المحيطة على التوحد:
هنالك مؤثرات محيطة قد تزيد فرصة الإصابة بالتوحد لدى الأشخاص الذين لديهم في الأساس عوامل جينية مؤثرة على التوحد. من العوامل التي تزيد الفرصة: كبر سن الأبوين أو أحدهما، حدوث مضاعفات عند الحمل أو الولادة (مثل ولادة مبكرة جداً قبل الأسبوع السادس والعشرين، وزن قليل جداً عند الولادة، وجود توأم أو عدة توائم)، ووجود حمل متقارب أي أن يكون هنالك أقل من سنة بين الحملين. لدى كل عائلة تجربة مختلفة مع التوحد وقد تتزامن لدى البعض مع وقت لقاحات الطفل. ولكن تشير الدراسات بشكل واضح إلى عدم وجود أي ترابط بين لقاحات الأطفال والتوحد.

3- كيف يمكن أن يتحول هذا الخليط من العوامل الجينية والعوامل المحيطة إلى “توحد”؟
ما زالت البحوث الطبية مستمرة بهدف الإجابة على هذا السؤال ومن أجل تطوير العلاج والدعم للمصابين، ولكن ما تم التأكد منه أن هذا الخليط بين العوامل يؤثر على التطور المبكر للدماغ، ويؤثر بعضها على خلايا أعصاب الدماغ، أو الخلايا العصبية واتصالها مع بعضها البعض. كما يمكن أن يؤثر على كامل منطقة الدماغ وكيفية اتصالها مع بعضها البعض.

بعض الإحصائيات من عام 2018:
– يصاب طفل من كل 59 طفل باضطراب طيف التوحد. كانت النسبة صبي واحد مصاب من كل 37 صبياً، وفتاة واحدة مصابة من كل 151 فتاة. أي أن الصبيان عرضة للتشخيص بالإصابة بالتوحد بمعدل 4 مرات أكثر من البنات.
– تم تشخيص معظم الأطفال بعد سن الرابعة من العمر، على الرغم من إمكانية تشخيص اضطراب التوحد في عمر مبكر كالسنتين.
– لدى 31% من الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد اضطرابات ذهنية ومعدل ذكاء اقل من 70، و25% لديهم معدل ذكاء بين 71-85، و44% لديهم معدل ذكاء طبيعي وأعلى من الطبيعي، أي أكثر من 85.
– يمكن تشخيص التوحد في مختلف المجتمعات العرقية والاجتماعية والاقتصادية.
– يعطي التدخل المبكر أفضل فرصة لدعم التطور الصحي وتحسين حياة الطفل.

التدخل والدعم للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد:
قد تكون الإصابة بالتوحد أمراً خارج عن تحكمنا حتى اليوم، ولكن من المهم علينا بدورنا أن نتجنب أسباب حدوثها، وألا نهمل الإشارات التي قد نراها في أطفالنا عند الشك بوجود العوارض، وأن نستشير اختصاصياً بالتوحد عند الأطفال فوراً. إن التدخل المبكر يزيد فرص أطفالنا المصابين بالتعلم، والقدرة على التواصل، واتقان المهارات الاجتماعية، بالإضافة إلى تطور الدماغ. كما يمكن أن ندعم أطفالنا المصابين من خلال التدخلات الأخرى كمعالجات الكلام والعلاج الوظيفي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.