«خلال احتجاجات صيف 2018، تلقّى “صفاء” رسائل تهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي من “بلطجية” النظام محذّرين إياه للبقاء بعيداً عن الاحتجاجات، لكن “صفاء” تجاهل الرسائل في البداية».

—————————————-

ترجمة- الحل العراق

نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقال رأي كتبه الروائي العراقي #سنان_أنطون تحدث فيه عن الاحتجاجات التي تجتاح العراق بشكل عام وعن صديقه #صفاء_السراي الذي قتل إثر إطلاق قوات الأمن العراقية قنابل غاز مسيل للدموع على المحتجين حيث أصابت إحداها رأسه.

ويشير أنطون في مقاله إلى الـ 500 قتيل الذين سقطوا في صفوف المحتجين السلميين، حيث يحاول أن يكشف أسمائهم ويلقي نظرة على وجوههم. وقد كتب معبراً: «لا أستطيع المتابعة، فالموت ينتزع أرواحهم بلمح البصر ليسلم أجسادهم إلى ظلام القبر. لكنه أيضاً ينقش أسمائهم ووجوههم و حكايتهم، مما يجعلهم معروفين أكثر منا نحن المرتبطين بالعراق بشكلٍ عميق، سواء كنا نعيش هناك أو في بلاد بعيدة».

ويبين أنطون، أنه عرف صفاء السراي، الشاعر الطموح والفنان المبدع ذي الستة وعشرون عاماً، بشكلٍ جيد. حيث كتب الأخير لأنطون منذ تسع سنوات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي معقباً على إحدى رواياته. «بقينا على تواصل. أحببت ذكائه وطباعه اللطيفة ومنشوراته التي تسلط الضوء على الحياة السياسة في العراق»، يقول أنطون.

كان “صفاء” شاباً ناضجاً أكثر من زملائه في المرحلة العمرية ذاتها، كما كان قارئاً شرهاً خاصة فيما يتعلق بالشعر. وترعرع في أسرة عاملة كبيرة في بغداد، وقد توفي والده بينما كان صغيراً جداً.

وفي مرحلة دراسته الجامعية، قسم التكنولوجيا في #جامعة_بغداد كان يعمل بجدٍ كعامل بناء وحمّال لثلاثة أيام في الأسبوع من أجل تغطية نفقات دراسته الجامعية وللمساعدة في تدبير الأمور المعيشية لعائلته.

ولما اجتاحت البلاد موجة من الاحتجاجات عام 2011 ضد الفساد والطائفية في النظام العراقي، انضم “صفاء” إلى الاحتجاجات حيث كان يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً حينها، ووقف إلى جانب المواطنين المطالبين بالتغيير.

وفي السنوات اللاحقة كان “صفاء” في طليعة كل موجة من موجات الاحتجاجات التي تلت ذلك. حيث لم يردعه الاعتقال والتعرض للمضايقة من العودة إلى الشارع والمشاركة في الاحتجاج التالي.

وقد أعرب “أنطون” عن قلقه على “صفاء” حيث كان يتفقده في كل مرة تندلع فيها احتجاجات في #العراق للتأكد من أنه بخير. «نحن سنبقى هنا في التحرير»، كان يكتب “صفاء” إلى “أنطون” في إشارة منه إلى #ساحة_التحرير الواقعة وسط #بغداد حيث يتجمع المحتجون.

وكان “صفاء” يدرك مدى المخاطر التي يواجهها، فقد كتب لـ “أنطون” ذات مرة متسائلاً عن موعد لقاءه بالموت غير المبرر الذي ينتظره في وطنه. فقد كان يحب #العراق وكان عندما يذهب للنوم في المساء يفكر فيما يمكنه فعله لتغييره نحو الأفضل.

قابله “أنطون” للمرة الأولى في شهر شباط في معرض بغداد للكتاب حيث حضر توقيع كتاب أنطون «كانت شخصيته ساحرة وجذابة»، يصفه أنطون.

كما تم اللقاء بينهما مرة أخرى لتناول طعام الإفطار في إحدى صباحات بغداد اللاحقة. لقد كان “صفاء” حاصلاً على شهادة جامعية في هندسة شبكات الكومبيوتر، إلا أنه مثله مثل مئات الآلاف من الشباب العراقي لم يتمكن من الحصول على عمل في مجال اختصاصه هذا.

وخلال تناولهم الإفطار أخبره “صفاء” بأنه بدأ مؤخراً بالعمل كـ “عرايضجي” أو كاتب عرائض، الشخص الذي يكتب رسائل ويملئ الاستمارات للمواطنين قبل ذهابهم إلى المحاكم. وكان في كل صباح يضع كرسيه وطاولته الصغيرة خارج قاعة المحكمة في بغداد.

وعند سؤال “أنطون” له فيما إذا كانت قد صادفته أية قصص مثيرة خلال عمله هذا، أجاب صفاء مبتسماً: «إنها مجرد محكمة مرور».

مضيفاً بأن الرسائل التي كان يكتبها كانت شديدة التعقيد ويدور معظمها حول حوادث السير أو نقل الملكيات.

ويشير “أنطون” إلى أن “صفاء” كان يبلغ من العمر فقط ستة وعشرون عاماً، إلا أنه كان يستخدم عكازاً عندما يمشي ويتأوه ألماً. فقد تحدث إلى أنطون عن مسكنات الألم التي كان يتناولها والعلاج الفيزيائي المكلف الذي يخضع له.

ففي احتجاجات صيف 2018، تلقى “صفاء” رسائل تهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي من “بلطجية” النظام محذرين إياه للبقاء بعيداً عن الاحتجاجات. وتجاهل صفاء الرسائل في البداية.

لكن وبعد عدة أيام، قام رجال أمن يرتدون ملابس مدنية باعتقاله حيث قاموا بتعذيبه من أجل الحصول على معلومات عن زملائه المحتجين.

إلا أن ذكرى والدته “ثنوة” وقوتها ساعداه على تحمل آلامه والصمود في لحظات الضعف التي واجهها. فقد كان “صفاء” مقرباً جداً من ثنوة، التي توفيت عام 2017 بعد معاناتها من مرض السرطان.

وقد كتب عن معاناتها من الألم وصبرها عليه. كما كان قد أطلق على نفسه لقب “ابن ثنوة”، حيث كان في تحويله لقبه بعيداً عن أبيه تعبيراً عن تمرد ضد المعايير الاجتماعية السائدة في العراق.

ويضيف أنطون في وصفه لـ صفاء بأنه كان شخصية مستقلة جداً، كما كان ناقداً للنخبة الثقافية والشخصيات الإعلامية التي خانت المحتجين وسرقت الاحتجاجات السابقة لتجعلها تتعامل في الغرف الخلفية مع الأحزاب السياسية.

لقد كان شاعراً طموحاً وفناناً. وقد تبرع بالمال الذي جمعه من فنّه إلى ملجأ للأيتام. كان قلبه حديقة كبيرة تتسع للجميع، على حد وصف أنطون.

وكان صفاء مرةً أخرى في طليعة المحتجين عندما بدأت الانتفاضة العراقية في شهر تشرين الأول الماضي. حيث قام بإلقاء أشعاره وحث المحتجين على أن يحافظوا على سلمية الاحتجاجات وألا يستسلموا أبدا.

وفي الثامن والعشرين من الشهر ذاته، قام أنطون بإرسال رسالة إلى صفاء قال فيها: «سمعت انك مصاب. أرجو أن تطمئنني عنك».

ولكن لم يكن هناك جواب على الرسالة. فقنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقتها شرطة #مكافحة_الشغب عن عمد وبشكلٍ مباشر نحو حشود المحتجين اخترقت إحداها رأس صفاء خلال احتجاجهم السلمي في ميدان التحرير.

وتم نقله إلى المستشفى، إلا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة بعد بضعة ساعات. يقول أنطون بهذا الخصوص: «بكيت عندما رأيت لقطات لتابوته وهو يدور حول ساحة التحرير محاطاً بحشود من زملائه المحتجين في وداعهم للبطل».

وينهي أنطون مقاله بالإشارة إلى أنه وقبل بضعة أسابيع، كان قد رأى صورة حمامة بيضاء حطّت على تابوت أحد هؤلاء المحتجين الذين قتلتهم قوات النظام العراقي بالقرب من ساحة التحرير.

«هل كنت أنت، صفاء؟» قالها أنطون في نفسه ويتعهد أنطون بأنه سوف يزور قبر صفاء عند زيارته للعراق، لكنه يعلم بأن صفاء ليس هناك فقط، في المقبرة.

فصورة وجهه على العديد من الجدران واللافتات والقمصان، وروحه موجودة في كل مكان. ولا يزال أخوته وأخواته “أبناء ثنوة” يكافحون من أجل #العراق الجديد الذي كان صفاء يحلم له ويحبه.

ترجمه الحل العراق عن صحيفة (The New York Times) الأميركية- بتصرّف

تحرير- فريد إدوار


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.