كما كل عام، بدأت تحضيرات أعياد الميلاد ورأس السنة في العاصمة السورية دمشق مع دخول شهر كانون الأول أيامه الأولى، وخلال الأسبوع الثاني بلغت ذروتها خاصة في المناطق التي تقطنها غالبية مسيحية كأحياء باب توما والقصاع والتجارة وشارع حلب.

وانطلاقاً من ساحة العباسيين، والتي غدت مركزاً لاحتفالات هذه الأعياد بعد أن كانت طيلة سنوات الحرب الفائتة أشبه بساحة معارك ومنطقة عسكرية مع قربها من غوطة دمشق الشرقية، انتشرت أنواع مختلفة من الإضاءة والزينة، وصولاً إلى شارع حلب والتجارة وساحة باب توما ومنها إلى باب شرقي، وحتى نحو الجهة الأخرى من المدينة وتحديداً ساحة الأمويين التي تزينت بدورها بأعمدة وكرات ذات ألوان مضيئة.

وبدت تزيينات العيد هذا العام أكثر كثافة من العام الفائت، والذي كان فعلياً العام الأول لدمشق دون أصوات الحرب. مجسمات لأشجار كبيرة تزين مختلف الأعمدة، وأخرى لنجوم أو لعلب هدايا باللونين الأصفر والأزرق، مع مجسم كبير مجاور لملعب العباسيين يظهر كلمة “Merry Christmas”، وتتوج كل ذلك شجرة كبيرة وضعت في نهاية شارع فارس الخوري، وتزينت بحبال مضاءة ونجمة كبيرة في الأعلى.

وخلال ساعات المساء، يصبح السير أو قيادة السيارة في هذه الشوارع أشبه بالمغامرة نظراً للازدحام الكبير الذي باتت تشهده مع قدوم المئات من مختلف مناطق المدينة بهدف الاستمتاع بمظهر الزينة المبهج والتقاط الصور إلى جانب الشجرة أو المجسمات أو داخل علب الهدايا الكبيرة، وهي واحدة من المتع المجانية النادرة التي يمكن لسكان المدينة الحصول عليها اليوم، مع تدهور الأحوال الاقتصادية في البلاد بشكل غير مسبوق.

أما داخل حارات وأزقة حي القصاع والذي يشتهر بسوقه المتنوع، فقد انتشر باعة البوالين الملونة والمضاءة، وقبعات شخصية «بابانويل» الشهيرة التي لا يكتمل عيد الميلاد ورأس السنة من دونها. وأمام أحد المحال، وقف بابانويل وهو يرن جرسه الكبير ويدعو الجميع، كباراً وصغاراً لالتقاط الصور التذكارية معه. «كل عام وأنتم بخير» يستمر بالهتاف جاذباً عشرات الأطفال نحوه للاستمتاع بفرحة لا تمر على المدينة سوى مرة كل عام.

ولا يمكن لأي شخص يمرّ من هذه المناطق، ألا يلحظ المفارقة الكبيرة.. الإضاءة والإنارة في الساحات، والعتمة والظلمة في المنازل والبيوت التي انقطعت عنها الكهرباء، في مشهد وصفه الكثيرون بـ «المستفز» لسكان المنطقة والمناطق المجاورة.

وتسعى السلطات من خلال المبالغة في هذه المظاهر بالقول بإن الحرب انتهت وكل شيء على ما يرام، إلا أن البلاد تعيش في الواقع واحدة من أسوأ مراحلها الاقتصادية في تاريخ سوريا الحديث، ويُعاني المواطنون من ضائقة معيشية ونقص في المواد الأساسية مثل المحروقات والمواد التموينية والكهرباء وغيرها.

وبالمقابل، يجد آخرون بهذه المظاهر متنفساً ضيقاً وسط كل الصعوبات المتراكمة على ظهور الناس، «ولا مانع من قليل من الفرح المزيّف في الساحات العامة» كما يقول البعض.
وبين هذا وذاك، فمن الأكيد أن الأعياد هذه السنة في دمشق، تخلو من أصوات المعارك والدبابات، لكنها أيضاً تترافق مع صعوبات اقتصادية كبيرة، تجعل الكثيرين يقولون إن «الحرب بدأت للتو».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.