بين دمشق وريفها.. فروق طبقية وخدمية والأهالي يلومون السلطات

بين دمشق وريفها.. فروق طبقية وخدمية والأهالي يلومون السلطات

في المرة الأولى التي عادت فيها “كريمة عربيني” إلى منزلها في مدينة دوما عام 2018، شاهدت ملامح دمار كبيرة، لدرجة أنها وجدت صعوبة بالغة في التعرّف على الطريق الذي يؤدّي إلى حارتها.

وعندما وصلت إلى هناك، شاهدت عدداً من الأشخاص لم تتعرّف عليهم جميعاً، لكنها كانت تذكرُ جيداً تلك النظرة التي كانت على وجوههم، يحدقون بها وكأنها كائنٌ غريب عنهم.
تقول كريمة “كنتُ أرتدي حجاباً أبيضاً، ومانطو رمادي وحذءاً بنّي، لكن كانت جميع ثيابي تبدو جديدة للغاية مقارنة مع ثياب من أنظرُ إليهم.. ربما كان الأمر طبيعياً، فمن كان تحت الحصار طيلة سنوات في الغوطة، لم تعد الثياب من أولوياته”.

تخرّجت كريمة من كلية العلوم الطبيعية في العام 2011، وعملت في مخبر بدمشق، وخرجت مع عائلتها من مدينة دوما في العام 2012 بصعوبة بالغة، ومنذ ذلك التاريخ لم ترجع إلى مدينتها وبيتها حتى العام 2018.

وخلال هذه السنوات تغيّر كلّ شيء بين المدينة وبين الريف، فالمدينة تعجّ بالحياة والحركة والناس، والريف يغلبُ عليه الدمار والبرد وانعدام الخدمات.
وعاماً بعد عام، ازدادت الهوّة بين الريف الدمشقي وبين المدينة، وكأنهما عالمان يفصلُ بينهما حاجز أو نقطة تفتيش.

تشرح كريمة “أستطيع تمييز هذه الفروقات بما أنني عشت في الجانبين، الطعام والمحلات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، كلها أشياء حُرم منها سكان الغوطة، وهناك بعض التفاصيل الصغيرة لا يعرفها أولاد مدينة دوما الذين وُلدوا خلال الحصار”.

وأحياناً، خلال فترات الأعياد، كانت توضع في ساحة دوما الرئيسية بعض المراجيح والألعاب للأولاد، بجهود أبناء المدينة، إلا أنها مختلفة تماماً عن الألعاب التي توضع في المدينة أو التي توجد في “المولات”.

لكن واحدة من أكبر المفارقات أو الفروقات التي تعززها السلطات السورية بين أبناء المدينة وأبناء الريف هو موضوع توزيع المحروقات والكهرباء، إذ يحقّ لابن المدينة سنوياً 200 ليتر من المازوت المدعوم، أما مخصصات ابن الريف هي 100 ليتر فقط (أي نصف الكمية) وبالنسبة لتقنين الكهرباء، فهو وفق نظام 4 ساعات وصل مقابل ساعتي قطع في مدينة دمشق، أما في الضواحي والمناطق الريفية مثل جرمانا وصحنايا وضاحية قدسيا فهو ثلاثة بثلاثة.

وبالنسبة للغوطة الشرقية، فقد تمرّ أيام كاملة دون أن يرى أهلها التيار الكهربائي، وفي الأحوال العادية تنقطع الكهرباء يومياً مدة تزيد عن 16 ساعة.
ولا يفصلُ بين مدينة حرستا وساحة العباسيين سوى مسافة قليلة، لكنها تبدو نقلة نوعية من بقعة جغرافية غارقة بالظلام والفقر والدمار إلى بقعة آخرى مليئة بالزينة وأشجار الميلاد والإضاءة التي تملأ ساحة العباسيين.

تسأل كريمة “كيف يُمكن لابن الغوطة أن ينظر إلى هذه المظاهر والكهرباء مقطوعة عن منزله منذ أيام؟” مؤكدة أن الكثير من الإجراءات المتبعة تزيد من الشرخ بين أبناء المدينة وأبناء الريف، أو بين أبناء دمشق وأبناء باقي المحافظات، وبنفس الوقت توضح بأن الأمر ليس “عتاباً لسكان دمشق، الذين عانى كثيرون منهم مشقة الأوضاع الاقتصادية، بل هو اتهام للسلطات التي تسعى بشكل مقصود أو غير مقصود” لخلق فروقات بين المناطق الجغرافية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.