السحب عبر آلات الصراف الآلي خارج #لبنان تفرض على صاحب الحساب عمولات كبيرة تتراوح بين 5 و12%، ولكن هذه الوسيلة تأثرت أيضاً بخفض سقف السحوبات من #المصارف_اللبنانية، فباتت غير مجدية كما السابق، ومهددة بالتوقف في أي لحظة، كما تم إيقاف بل إغلاق حسابات لمودعين رفعوا صوتهم بالرفض وفضحوا ألاعيب المصارف عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

مع تفاقم انحدار سعر الليرة بدأت تتشكل حالة هي أشبه بما اعتاد عليه السوريون في بلدهم من سعرين للدولار، الأول رسمي تحدده الدولة وهو سعر وهمي، والآخر أعلى، متداول لدى الصيارفة بيعاً وشراءً، الفرق هنا أن محلات الصرافة تتمتع بوضع قانوني مشروع على عكس حالة مثيلاتها التي كانت سائدة سابقاً في سوريا، في لبنان هي سوق رسمية مقوننة، وفي سوريا هي سوق سوداء غير مشروعة.

ما عقد الأزمة وعدد أوجهها في لبنان أن سكان هذا البلد اعتادوا التداول اليومي في عملياتهم التجارية الدورية ولو كانت شخصية وصغيرة بعملتين، الليرة والدولار، وبينما تقبض شريحة واسعة من اللبنانيين تقدر بـ 350.000 شخص من موظفين رسميين وعسكريين راتبها بالليرة اللبنانية، يقبض الكثيرون من موظفي وعمال القطاع الخاص رواتب بالدولار الأمريكي، وغالباً للفئتين عبر شيكات مصرفية أو تحويل أو توطين مصرفي، مما يجعل المرور بالقنوات المصرفية إلزامي للكثير من اللبنانيين، بل وحتى المقيمين.

تتضح معالم ومآلات الأزمة المالية اللبنانية يوماً بعد يوم، ويزداد معها على نحو طردي وعي اللبنانيين والمقيمين في #لبنان من لاجئين بها، ومحاولاتهم التأقلم معها أو الإحتيال عليها لتجنب موجباتها قدر الإمكان. وكانت الأزمة قد بدأت في شهر أيلول الماضي مع بدء ظهور فرق في سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية التي استقر سعر صرفها لسنوات طويلة على ما يقار الـ 1500 ليرة لبنانية تقريباً للدولار الواحد.

الأسوأ أن الأمر لم يقتصر على انحدار سعر صرف الليرة بل تعداه إلى لب المشكلة المتمثل في تراجع قدرة المصارف على دفع الأموال المطلوبة للمودعين، بالدولار خاصة ولكن أيضاً بالليرة، ما نشر الخوف بين المودعين على ودائعهم ومدخراتهم واستمرار تدفق رواتبهم، إذ تدنت سقوف السحب من المصارف إلى ما بين 50 و500 دولار، بحسب المصرف وبحسب ما يتوفر من سيولة في فروعه، وهي سيولة قد تنفذ بعد ساعتين من فتح المصرف أبوابه، فيضطر العملاء إلى القدوم في اليوم التالي والمحاولة مرة أخرى. وخلت طبعاً الصرافات الآلية من الدولار منذ أسابيع، وطبقت شروط وسقوف السحب بالليرة اللبنانية على السحب من هذه الآلات.

بينما وقع أصحاب الحسابات بالدولار بين مطرقة الاكتفاء بالنذر اليسير الذي يسمح لهم بسحبه بالدولار، وسندان الاضطرار إلى سحب ما هم مضطرون عليه بالليرة اللبنانية بحسب سعر مصرف لبنان أي قرابة 1500، بينما تراوح سعره لدى مكاتب الصرافة حين تاريخ كتابة هذا المقال بين 2000 و2100 ليرة للدولار، أي أن السحب من المصرف بالليرة يخسر صاحب الحساب 500 إلى 600 ليرة عن كل دولار.

يعبر “أبو طوني” خلال انتظاره دوره في مصرف في منطقة فرن الشباك، عن غضبه من عدم وضوح سياسة المصارف تجاه عمليات السحب، والتفاوت بينها، بل وعدم التزام كل مصرف بما يعلنه من سقف للسحوبات متعللاً بعدم توفر المال (كاش)، معتبراً أن اشتراط المصارف توفر السيولة لدفع ما يطلبه المودعون تحت السقف الموضوع من المصرف، هو حجة “مطاطة” تسمح للمصارف وموظفيها بممارسة استنسابية في دفع الأموال. الأمر الذي تؤكده معلومات متقاطعة، بل ومشاهدات للعملاء عن توفير أموال سائلة بالدولار بأرقام كبيرة لمودعين كبار  ومن أصحاب النفوذ، بما في ذلك تحويلات إلى الخارج بملايين الدولارات، ما يحصر الأزمة أكثر بالمودعين الصغار والمتوسطين، وينأى بأؤلئك الأغنياء عنها.

حتى الليرة اللبنانية التي يبدو أنها تطبع بشراهة بحسب معلومات ليست أكيدة، ومع ظهور أوراق عملة جديدة بتواريخ حديثة، هناك قيود على سحبها من المصارف، الأمر الذي فسر برغبة المصارف في دفع من يدخر المال بالدولار في منزله لإنفاقه في السوق عبر شراء الليرة اللبنانية لشراء احيتاجاته ودفع فواتيره، ما يرفع عرض الدولار والطلب على الليرة في السوق، وأيضاً لحث المغتربين على زيادة التحويلات إلى ذويهم في لبنان.

أزمة الدلاور وسعر الليرة عبرت عن نفسها من خلال التعثر في استيراد الكثير من المستوردات الأساسية كالمحروقات والطحين، بينما صدرت تصريحات رسمية تتكلم عن مشكلة مقبلة حتى في تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية، مما ذكر اللبنانيين بأزمات كأزمات اليونان وفنزويلا، الأمر الذي انعكس على مشهد المتسوقين في محلات في فترة الأعياد، فبدل ملئ عربات التسوق بالأطعمة الفاخرة والكماليات، بات مشهد العربات المليئة بالمعلبات والحبوب والمواد الأساسية مألوفاً، إلى جوار مشهد المتسوقين الممسكين بورقة وقلم متنقلين بين رفوف البضائع ومسجلين أسعارها لدراستها ومقارنتها مع متاجر أخرى وتقرير أي عملية شراء هي الأكثر توفيراً، مع ورود تقارير من جمعيات تعنى بحماية المستهلك ومراقبة الأسواق عن ارتفاع أسبوعي للأسعار بمعدل أدناه 2%.

في هذه الأثناء يحاول المودعون بالدولار سحب أموالهم ومدخراتهم بالدولار بشتى الطرق، عبر السحب الاعتيادي والمطالبة الغاضبة التي تودي كثيراً إلى ارتفاع أصوات المودعين في المصارف وفقدانهم لأعصابهم في بعض الحالات، أو عبر التهديد بالفضائح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأحياناً عبر بيع شيكات بالدولار لبعض الصرافين الذين يتقاضون عن ذلك عمولات تتراوح بين 20 و25%، وهي نسبة مرتفعة جداً لكنها تبقى أقل كلفة من سحب الدولارات بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف الرسمي.

طرق أخرى أكثر تعقيداً لجأ إليها بعض المودعين كأن يشتروا عبر الإنترنت بطاقات تعبئة الهواتف الخلوية والإنترنت بكميات كبيرة، لبيعها دفعة واحدة أو على دفعات في السوق بالدولار أو بالسعر الحقيقي لليرة، لاسترداد أموالهم، أو شراء بضائع أخرى كالسجائر بأسعار مرتفعة قليلاً من تجار كبار يقبلون قبض قيمة المشتريات بشيكات مصرفية، على أن يعمد الشاري إلى تصريف ما اشتراه في السوق المحلية لاسترداد ما قد دفعه بينما يترك للتاجر الكبير مهمة تحصيل الشيك من المصرف.

في حين وفرت هذه الوسائل الإلتفافية حلولاً خطرة أحياناً لبعض المودعين لاسترداد ما هو من حقهم، كشفت من جهة أخرى التواطؤ بين المصارف من طرف، وبعض الصرافين والتجار من طرف آخر، إذ ما كان الصراف أو التاجر ليقبل بشيك مصرفي لولا ثقته بقدرته على تحصيله من المصرف مقابل تقاسم العمولة.

الأكيد بالنسبة لقادم الأيام في لبنان، أنه في حال عدم حصول معجزة لا تباشير لها في الأفق، لن يتضرر من الأزمة الخانقة بل الإنهيار إلا الأكثر ضعفاً وفقراً ومن هم أفضل حالاً منهم من بقايا الطبقة الوسطى، بينما سيبقى الأغنياء في مأمن بل لربما سيجد بعضهم منفذاً للاستفادة من الإنهيار ووزيادة مدخراتهم.

يدور الكلام حالياً عن توقف المصارف عن دفع المبالغ بالدولار بشكل كامل بعد انتهاء الأعياد، معتبرين أن خفض سقف السحوبات تدريجياً كان تهيئة لهذه المرحلة، ويزداد الكلام عن حل من اثنين لا بد منهما، الأول هو دعم أوروبي بقيادة فرنسية يترافق مع شيء من الوصاية على إدارة الدعم والسلوك الحكومي الداخلي، وربما الخارجي، وهو دعم بات مشكوك فيه أكثر فأكثر مع تكليف “حسان دياب” بتشكيل الحكومة اللبنانية وهو الذي سمته الصحافة الغربية، “رجل حزب الله”.

والخيار الثاني المتمثل في اللجوء إلى صندوق النقد الدولي الذي يفرض حلولاً قاسية وشديدة السوء اجتماعياً تتمثل في تحرير سعر صرف الدولار، الأمر الذي سيجعل سعره أعلى بكثير مما هو عليه اليوم، وإيقاف الدعم على الكهرباء ما سينعكس مشاكل في التغذية السيئة أصلاً، وخصخصة بعض القطاعات الحكومية في بلد تتخصص فيه الطبقة السياسية بالفساد والصفقات والحصول على المناقصات بطرق غير شفافة، وأخيراً وليس آخراً تسريح أكثر من مئة ألف موظف حكومي لاحاجة للدولة بهم إذ جاؤوا نتيجة توظيفات سياسية وتنفيعات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة