تزامنت #الثورة في #لبنان بشكل أو بآخر مع تلك التي انطلقت في #العراق، ولكن اتخذت كل ثورة مساراً مختلفاً، فواجهت الثورة في لبنان تهم التمويل الخارجي والمؤامرة، والطائفية، وحاولوا قمعها ببعض “الشبيحة” وقوات مكافحة الشغب والقنابل المسيلة للدموع، بينما لم يكن الأمر كذلك في العراق مع الأسف.

لم يكن من الممكن للسلطات العراقية، خاصة تلك المؤتمرة إيرانياً أن تتعامل مع الثورة في العراق بذات الطريقة اللبنانية، فالثورة في العراق هي في جزء كبير منها ضد #إيران وأدواتها، ولكن اتهمها بالطائفية غير ممكن فقسم كبير من الثوار، بل الأكبر هم من “الشيعة”.

لم تتطلب الأمور الكثير من الوقت في العراق، إذ يبدو أن الأوامر وصلت لـ #الحشد_الشعبي والميليشيات المؤتمرة بأمرة إيرانية مباشرة أو بالواسطة، فبدأ قتل المحتجين والمتظاهرين، تارة عبر القنابل المسيلة بالدموع المعدة للاستخدام العسكري والتي كانت تصيب المحتجين في مقتل، وطوراً بالرصاص الحي عبر الرشاشات أو القناصة، وقد وثقت عدسات المتظاهرين أكثر من حالة قتل بهذه الطريقة، وباتت المظاهرات شبه اليومية تنتهي في العراق بحصيلة بعشرات القتلى ومئات الجرحى حتى يخال المتابع أنها حصيلة معركة أو حرب أهلية لا حصيلة ضحايا مظاهرة.

هنا جرى تداول تساؤل حول “ما الذي يمنع #حزب_الله من ممارسات مشابهة تجاه المتظاهرين في لبنان”، وفرقه بهذا المعنى عن الحشد الشعبي، فالتشكيلان هما من تأسيس وإمرة إيرانيين سياسياً وميليشياوياً… فما هي أهم الفروقات بين حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق؟

قد يكون حزب الله قد شكل لسنوات طويلة التشكيل المسلح غير النظامي الوحيد التابع لإيران في المنطقة، حتى كان الغزو الأميركي للعراق فالانسحاب منه وترك الساحة شبه خالية لإيران هناك.

الهزيمة “السنية” وصعود “الشيعة” في العراق ساهم إلى حد ما في مظلومية سنية سهلت صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي عرف بـ “#داعش”، واستطاع هذا التنظيم لأسباب متعددة السيطرة على مناطق واسعة في شمال العراق، الأمر الذي تسبب بإصدار المرجع الشيعي المعروف “علي السيستاني” في حزيران 2014 فتوى بوجوب الجهاد الكفائي لمواجهة تنظيم “داعش” في العراق شكلت مرجعاً تأسيساً لما عرف بالحشد الشعبي، التنظيم “الشيعي” المسلح والمدعوم من إيران لمواجهة “داعش”، والذي خاض معارك كثيرة ضد هذا التنظيم وساهم بدون شك في دحره ولكنه أتهم أيضاً بارتكاب إعدامات عشوائية وجرائم تعذيب بحق مواطنين عراقيين “سنة”.

رغم الإدعاءات بأن الحشد الشعبي يضم أفراداً من كل المكونات العراقية، لنفي تهمة الطائفية عنه، من المعروف على نطاق واسع أن الحشد شيعي التأسيس والتوجه والأهداف، بدعم وسيطرة من إيران.

إذن يبدو حزب الله والحشد الشعبي صنوان كتنظيمين مسلحين غير نظاميين، لهما صلات حيوية بإيران التي تشكل في الحقيقة مرجعيتهما الحقيقية، ولكن بالإضافة إلى الفارق في قدم التأسيس وظروف النشأة واختلاف الموقع الجغرافي، يستفيد الحشد الشعبي من ظروف عمل أقل سرية وغموضاً من عمل حزب الله في لبنان، فلا إسرائيل بالمرصاد على الحدود، ولا اتفاقيات تمنع وجوده في مناطق معينة داخل العراق كما هو حال حزب الله جنوب الليطاني في لبنان.

سلاح حزب الله الذي يبلغ من العمر قرابة 4 عقود، ليس قانونياً في لبنان، ولكنه اكتسب شيئاً من الشريعة عن طريق انتخاب نسبة كبيرة من اللبنانيين -بغض النظر عن الأسباب- لأعضاء من حزب الله ليكونوا ممثليهم في مجلس النواب، ما يعني استتباعاً التصويت لصالح سلاح الحزب، وشرعية أخرى جاءت من خلال جلسات الحوار التي عقدها رئيس الجمهورية السابق والتي ناقشت بوجود ومع حزب الله ما سمي بالاستراتيجية الدفاعية، وورود ذكر المقاومة كحق في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، رغم ترأسها أحياناً من قبل معارضين ألداء لحزب الله وسلاحه.

الكثير من النواب “غير الشيعة” في لبنان قد عبروا علناً في السابق في إطار حملات انتخابية أن حتى تصريحات صحفية عابرة أنهم يدعمون سلاح حزب الله ويؤيدونه، وبغض النظر عن دقة هذه التصريحات إن كانت مقصودة فعلاً أم أتت فقط من باب الاستثمار السياسي قبيل مناسبة انتخابية مثلاً، ما يعني بالتالي أن مرور قانون مفترض لسلاح حزب الله وميليشاته في مجلس النواب اللبنانية أمر شبه مضمون. 

أما الحشد الشعبي فوضعه الشرعي والقانوني أفضل بكثير من مقابه اللبناني، فبحسب رئيس الوزراء العراقي السابق حيد العبادي فإن “الحشد الشعبي… منظومة أمنية ضمن المؤسسة الأمنية العراقية”، معطياً إياه صفة قانونية، وشرعية غير مسبوقة.

في حين تتميز ميليشات حزب الله بوحدة التقسميمات والهرمية الواضحة والولاء التام، تسمح كلها معاً بأداء منضبط وفاعلية أكبر، يختلف الأمر مع قوات الحشد الشعبي التي تتألف من عشرات وعشرات الميليشيات “الشيعية” المنضمة معاً تحت لواء الحشد، والتي خضعت لعمليات دمج أثمرت عن أقل من 5 ميليشيات ترتبط وتأتمر بمرجعيات عراقية شيعية مختلفة، كسرايا السلام المتربطة بـ “التيار الصدري، وفيلق بدر ولواء أبو الفضل العباس وحركة النجباء”… إلخ كلها تحت اسم الحشد الشعبي.

يتعرض حزب الله لاستهداف إسرائيلي أدق وأكبر، خاصة في الأراضي السورية بل وحتى اللبنانية حين اللزوم على شكل عمليات عسكرية حوية غالباً، وربما يمكن تفسير ذلك بالمقارنة مع ما يتعرض له الحشد الشعبي من استهداف على أنه خوف أكبر من حزب الله لأسباب تتعلق بالانضباط والقدرة على التأثير.

ويبدو في هذا السياق، خاصة من خلال تجربة انخراط الجانبين في الشأن السوري والمشاركة العسكرية فيه، أن المقاتل الشيعي اللبناني يأتي بالنسبة للقيادة في الأهمية من بعد المقاتل أو المستشار الإيراني، سابقاً الشيعة الأفغان والعراقيين وغيرهم.

 في حين يضمن حزب الله ولاء شريحة واسعة جداً من المجتمع “الشيعي” اللبناني عبر شبكة الخدمات العريضة التي يقدمها من دراسة وطبابة وفرص عمل وقروض، لا تبدو فصائل ومكونات الحشد الشعبي مؤهلة للققيام بدور مماثل إذ لم تبن مؤسساتها الخيرية الاجتماعية على مدى عقود على غرار حزب الله.

 على الرغم من ذلك يقدر بعض المتشائمين في أوساط المتظاهرين اللبنانيين أن حزب الله في لبنان لن يكون بعيداً عن ممارسات الحشد الشعبي من قنص وقتل للمتظاهرين حين اللزوم، أي حين يشعر أن الأمر بات يهدد وجوده على نحو مباشر، فالمنظومة الإيديولوجية والطائفية لكلا التنظيمين واحدة متشابهة، وما يمكن تبريره هنا يمكن تبريره هناك إن توفرت الظروف المناسبة.

أمر مماثل كان حزب الله قد قام به، وهو المعروف حتى اليوم بـ 7 أيار، حين استعمل حزب الله سلاحه في الداخل ليحمي ما عتبره جزء أساسياً من سلاحه وشبكة اتصالاته، صحيح أن السلاح لم يستعمل حينها ضد متظاهرين عزل، ولكنه بقي كدرس وإشارة إلى حضور السلاح حين يلزم، وكل ما يستتبع ذلك من أثمان سياسية باهظة تدفعها الأطراف الأخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة